على من وقّعت الرياض حكماً بالإعدام: على الولايات المتحدة الأمريكية أم على نفسها؟
السياسية:
صرّح الرئيس التنفيذي لشركة “أرامكو” السعودية، أمين بن حسن الناصر، بأن الشركة ستعطي الأولوية لأمن الطاقة في الصين على مدار الخمسين سنة القادمة وما بعدها.
جاءت هذه التصريحات عشية زيارة وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان والبحرين وإيران وتركيا، أي بشكل أساسي إلى الدول التي تعدّ أكبر مورّدي الطاقة إلى الصين. هذه التصريحات تمثّل تحدّياً مباشراً للولايات المتحدة الأمريكية.
كذلك، وخلال زيارة لوزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، منذ أيام، لبكين، تبادل الطرفان عبارات الود والصداقة، بما في ذلك الحديث عن شراكة استراتيجية. وأعرب وانغ يي عن ضرورة العمل مع روسيا لمحاربة الثورات الملونة، التي ترعاها الولايات المتحدة الأمريكية، والدفاع عن سيادة البلدين الصين وروسيا. من جانبه أعلن لافروف عن ضرورة التخلّي عن الدولار في التجارة بين البلدين.
لقد دفع دونالد ترامب، والآن جو بايدن، بوقاحتهما وعدوانهما المستمرين، موسكو وبكين لتشكيل تحالف استراتيجي ضد الولايات المتحدة الأمريكية. ومع ذلك، فمن السابق لأوانه الحديث عن تحالف، لكن كلا الطرفين تحدثا عن شراكة استراتيجية، وأعلنا عن استعدادهما لمزيد من التقارب.
بهذه الطريقة، لن تتمكن المملكة العربية السعودية من إخراج النفط الروسي من الصين، لأنه مورد استراتيجي من شريك استراتيجي، لا يمكن للصين رفضه. لذلك تتحدّى الرياض لا الحصة الروسية، وإنما إمدادات النفط الأمريكية، التي فرضها ترامب على الصين.
أضف إلى ذلك أن الرياض تقدّم نفسها كشريكٍ استراتيجيٍ للصين في الوقت الذي تقترب فيه واشنطن من مواجهة شاملة مع بكين، وبينما يمثّل الاعتماد على واردات الطاقة النقطة الأكثر ضعفاً في الاقتصاد الصيني، والذي سوف يكون، بطبيعة الحال، الهدف الأول للولايات المتحدة الأمريكية، حال تصاعد الصراع مع الصين. بمعنى أنه في السنوات القادمة، سوف يستحيل أن تكون شريكاً استراتيجياً للولايات المتحدة الأمريكية والصين في نفس الوقت.
لكن الأهم من ذلك، أن البترودولار ليس فقط أساس القوة الأمريكية، بل هو الخيط الرفيع الوحيد الذي يتعلّق به الاقتصاد الأمريكي حتى لا يسقط في الهاوية. أي أنه إذا ما تحوّلت المملكة العربية السعودية من الدولار إلى اليوان في تداول النفط، سوف تتغير عملة التجارة العالمية وعملة الاحتياطي. سينهار الدولار، ومعه سينهار هرم الديون العالمية، سيهوي الاقتصاد الأمريكي بمقدار النصف، وستبدأ المناوشات العرقية والاجتماعية التي اشتعلت بالفعل منذ فترة في التحوّل إلى مرحلة الحرب الأهلية، ثم انهيار الولايات المتحدة الأمريكية كدولة موحّدةٍ قوية.
أي أنه، وبدون أي مبالغة، يمسك ولي العهد، محمد بن سلمان، بمفتاح سحري لأبواب النظام العالمي الجديد. والذي سوف يتوجه نحوه العالم على أي حال، لكن بإمكان الرياض الآن أن تسرّع هذه العملية بشكل كبير.
من غير المرجح أن تكون التصريحات السعودية حول استعدادها لضمان إمدادات النفط إلى الصين في الخمسين عاماً القادمة خدعة للضغط على إدارة بايدن، التي أحيت قضية خاشقجي، وأنهت دعمها للسعودية في حرب اليمن، وتتحدث بشكل عام مع الرياض بازدراء وتعالٍ.
وخلال الاجتماع الذي جرى بين وانغ يي ومحمد بن سلمان، أعرب الأخير عن دعمه لمواقف الصين بشأن هونغ كونغ، وقضية الإيغور، وأعلن عن إيمانه بإحياء الصين كقوة عظمى رائدة، ووافق على التعاون في تطوير شبكات 5G. أي أنه انحاز إلى جانب الصين بشكل واضح في جميع القضايا الخلافية الأكثر إلحاحاً في إطار المواجهة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين. ويبدو أن الرياض مستعدة حقاً لاتخاذ خيار استراتيجي بالانشقاق عن المعسكر الأمريكي لصالح المعسكر الصيني.
لقد قلت أكثر من مرة إن دول الخليج، بما في ذلك السعودية شركاء مثاليون للصين، بحيث يكمل كل منهم الآخر. وعلى ما يبدو، قد آن الأوان كي تدرك قيادة المملكة العربية السعودية هذه الحقيقة، وتقرر عدم مقاومة المسار الطبيعي للتاريخ.
إلا أنني قلت أيضاً إن هذا الاتحاد الاقتصادي المثالي سيصبح سبباً للصراع بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، ويمكن أن تصبح منطقة الخليج ساحة لمعركة حقيقية بين جيوش وبحرية الولايات المتحدة والصين.
علاوة على ذلك، فإن هناك سيناريو آخر. حيث يمكن لزعزعة استقرار دول الخليج من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، وتنظيم ثورات ملونة وحروب إقليمية وفوضى هناك، أن يمنع نقل هذه الأصول القيّمة إلى الصين. وقد طوّرت الولايات المتحدة الأمريكية بحكمة إنتاجها من النفط والغاز الصخري خلال العقدين الماضيين، وحققت الاستقلال في مجال الطاقة. ويعتمد الخصمان الاقتصاديان الرئيسيان، الاتحاد الأوروبي والصين، على واردات الطاقة من الدول العربية الخليجية وروسيا.
لذلك فإن قطع النفط والغاز عن أوروبا والصين يعني الفوز في الحرب دون إطلاق رصاصة واحدة. وإذا نجح ذلك، فلن تكون هناك حاجة لعقوبات ضد روسيا، ولن تكون هناك حاجة إلى حصار بحري للصين، وستحصل الولايات المتحدة الأمريكية مرة أخرى، كما حدث بعد الحرب العالمية الثانية، على مساحة لتوسيع اقتصادها، وإطالة أمد وجودها، ولكنها ستحصل إلى جانب ذلك على الهيمنة العالمية.
أعتقد أن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية تكتب بالفعل سيناريو للثورة الملوّنة القادمة و/أو الحرب الإيرانية العربية، وفي السياسة العامة، في الأشهر المقبلة، سنشهد تصعيداً في خطاب واشنطن ضد الرياض، وضد محمد بن سلمان شخصياً.
* المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف
* المادة الصحفية تعبر فقط عن رأي الكاتب موقع “روسيا اليوم”