“حرب العقوبات” تتصاعد بين الصين والدول الأوروبية
نقاط الخلاف بين الغرب والصين عديدة ومنها سوء معاملة بكين لأقلية الأويغور
السياسية -رصد :
التوتر بين الصين والدول الغربية آخذ في التصاعد، فقد ردت الصين، الثلاثاء 23 مارس (آذار)، على العقوبات التي فُرضت عليها بسبب معاملتها لأقلية الأويغور المسلمة، بسلسلة مواقف من استدعاء سفير الاتحاد الأوروبي وصولاً إلى التنديد بـ “أكاذيب” و”معلومات خاطئة” تتعرض لها، فيما شهدت عواصم أوروبية عدة، بينها بروكسل وباريس وبرلين، استدعاء سفراء بكين لديها احتجاجاً على عقوبات الصين على مسؤوليها.
وبحسب دراسات لمعاهد أميركية وأسترالية، فإن نحو مليون شخص على الأقل من الأويغور وضعوا في “مخيمات” في منطقة شينجيانغ شمال غربي الصين، وبعضهم فُرض عليه “العمل القسري” و”عمليات تعقيم”.
وتنفي الصين بشكل قاطع هذا الأمر، وتقول إن تلك “المخيمات” هي “مراكز تدريب مهني” تهدف الى إبعاد السكان عن التطرف الديني والنزعات الانفصالية، بعد ارتكاب أفراد من الأويغور عدداً من الاعتداءات الدامية ضد مدنيين.
ورداً على ذلك، فرض الاتحاد الأوروبي، الإثنين، عقوبات على أربعة قادة صينيين سابقين أو حاليين في شينجيانغ، وقامت كندا وبريطانيا بالمثل، أما الولايات المتحدة التي تفرض أساساً عقوبات على اثنين من هؤلاء المسؤولين منذ عام 2020، فأضافت الاثنين الآخرين إلى لائحتها.
الرد الصيني
وردت الصين عبر فرض عقوبات على 10 شخصيات أوروبية، بينها خمسة نواب في البرلمان الأوروبي، كلهم بتهمة “نشر أكاذيب” استناداً الى دراسات تعتبرها الصين منحازة.
وسيمنع الأوروبيون المعنيون وعائلاتهم من دخول الصين القارية وهونغ كونغ وماكاو.
واستهدفت بكين أيضاً أربع مؤسسات أوروبية، بينها “تحالف الديمقراطيات”، وهي مؤسسة دنماركية يديرها الأمين العام السابق لحلف شمال الأطلسي، أنديرس فوغ راسموسن.
كما أعلنت بكين الثلاثاء أنها استدعت “ليلاً” سفير الاتحاد الأوروبي لديها، نيكولا تشابويس، من أجل “التنديد بأشد العبارات” بالعقوبات الأوروبية التي “تستند الى أكاذيب ومعلومات خاطئة”.
وقال له نائب وزير الخارجية، تشين غانغ، إن “الاتحاد الأوروبي غير مؤهل لإعطاء درس للصين في مجال حقوق الإنسان”، وأضاف أن “الصين تحث الاتحاد الأوروبي على الاعتراف بفداحة خطئه وتصحيحه، وإنهاء المواجهة حتى لا يتسبب في مزيد من الضرر للعلاقات الصينية الأوروبية”.
كما صعّد وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، موقفه الثلاثاء خلال لقاء في بلاده عقده مع نظيره الروسي سيرغي لافروف.
وقال وانغ، “خلال الأيام الماضية تحدثت أقلية من القوى الغربية للتشهير بالصين وانتقادها”. وأضاف، “لكنها يجب أن تعرف هذا الأمر، لقد ولت الحقبة التي كان بإمكانهم فيها اختلاق قصص أو فبركة كذبة من أجل التدخل في الشؤون الداخلية للصين”.
نواب أميركيون يتهمون الصين بارتكاب “جرائم ضد الإنسانية” بحق الأويغور
ورداً على العقوبات الصينية، استدعت وزارات الخارجية في دول أوروبية عدة سفراء بكين فيها، بينها بلجيكا وألمانيا وفرنسا والدنمارك وهولندا.
واستدعت وزيرة الخارجية البلجيكية صوفي ويلمز، الثلاثاء، السفير الصيني في بروكسل إلى مكتبها، وفق ما أفاد مصدر حكومي وكالة الصحافة الفرنسية.
وأوضح المصدر من دون الكشف عن اسمه، أن “الاستدعاء أُرسل، والاجتماع مرتقب بعد الظهر” مع السفير ساو تجونغمينغ. و”رفضت” ويلمز بشدة باسم بلجيكا العقوبات الصينية.
وطالت العقوبات الصينية النائب البلجيكي سامويل كوغولاتي الذي قدم الشهر الماضي اقتراح قانون لبرلمان بلاده، لاعتبار ما تمارسه بكين حيال الأويغور “جريمة إبادة جماعية”.
وزير الدولة في وزارة الخارجية الألمانية، ميغيل بيرغر، استدعى بدوره، الثلاثاء، السفير الصيني في برلين وين كين، “لإجراء محادثات طارئة” غداة قرار بكين فرض عقوبات على 10 شخصيات أوروبية، وفق ما أفاد مصدر وزاري وكالة الصحافة الفرنسية.
واعتبر وزير الدولة أمام السفير أن هذه العقوبات “تلقي بثقلها من دون فائدة على العلاقات بين الاتحاد الاوروبي والصين”، وطلب باسم حكومته أن يتم إلغاء هذا القرار “على الفور”.
“مآخذ” فرنسية
وفي باريس كذلك، استدعت وزارة الخارجية الفرنسية، الثلاثاء، السفير الصيني في بلادها لإبلاغه بسلسلة “مآخذ”، عقب التصريحات المتعلقة بباحث وبرلمانيين فرنسيين.
وذكرت الخارجية أنه “بناء على طلب وزير الخارجية جان إيف لودريان، استدعينا هذا الصباح السفير لو شاي لإبلاغه بجميع مآخذنا عليه”.
وتوالت تصريحات السفارة الصينية في الأيام الأخيرة ضد الخبير في مؤسسة الأبحاث الاستراتيجية في فرنسا، أنطوان بونداز، إذ نعتته بأنه “بلطجي صغير” و”ضبع مجنون” و”قزم عقائدي”، وانتقدت مواقفه “المناهضة للصين”.
كما أعلن السفير لو شاي أنه “يعارض بشدة” نية البرلمانيين الفرنسيين زيارة تايوان، التي تعتبرها الصين جزءاً من أراضيها، وتدين كل زيارة يقوم بها مسؤولون غربيون إليها، وتهدد باللجوء إلى القوة إذا أعلنت تايبيه رسمياً استقلالها.
وأبلغ مدير قسم آسيا في الخارجية الفرنسية، برتراند لورثولاري، السفير الصيني أن “أساليب السفارة ونبرة اتصالاتها العلنية غير مقبولة إطلاقاً، وتتخطى جميع الحدود المسموحة للسفارة أينما وجدت”.
وأشار مصدر في الوزارة إلى أن “الإهانة والقدح والتهديد ضد البرلمانيين والباحثين والصحافيين يطرح قضايا جوهرية ترقى إلى أساليب الترهيب”. وأضاف، “بمهاجمته نواب الجمهورية، تجاهل السفير شخصياً مبدأ الفصل الأساسي بين السلطات، وهو مدعو الآن لمراعاة ذلك بأقصى قدر من الصرامة”.
وأكد المصدر أنه عبر مضيه في ذلك، يشكل لو شاي “عقبة أمام الإرادة السياسية التي أعرب عنها رئيسا البلدين” بتطوير العلاقات الثنائية، مما يمثل بدوره “مشكلة جدية للغاية”.
نبرة مباشرة وصريحة للغاية
وذكّرت فرنسا السفير الصيني برفضها قرار بلاده القاضي بفرض عقوبات على 10 مسؤولين أوروبيين، بينهم نائب فرنسي في البرلمان الأوروبي.
وكان السفير ألمح في تغريدة إلى أنه لم يلب طلب الاستدعاء الأول بسبب “انشغاله”، وأنه سيتوجه إلى وزارة الخارجية الثلاثاء لمناقشة “العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي” بسبب الأويغور والأمور المتعلقة بتايوان”.
وأُبلغ السفير أن “هذه القضايا لا تشكل موضوع الاستدعاء”. وقالت الخارجية الفرنسية إنه “كان يشعر على ما يبدو بالصدمة أمام النبرة المباشرة للغاية للتصريحات التي تم الإدلاء بها”.
وسبق للخارجية أن استدعت السفير الصيني في أبريل (نيسان) بسبب “الإساءة إلى سمعة” العاملين في دور رعاية المسنين في البلاد على موقع السفارة في إطار أزمة وباء “كوفيد-19”. ففي مقالة طويلة نُشرت في 12 أبريل على موقع السفارة الصينية في فرنسا، اتُهم العاملون في دور رعاية المسنين بـ “التخلي عن مهماتهم بين ليلة وضحاها، وترك المسنين يموتون من الجوع أو المرض”.
الخلافات مع الصين
وقد تكون العقوبات الغربية التي تقررت الإثنين على الصين، مؤشراً إلى تقوية العلاقات بين الولايات وحلفائها في مواجهة بكين، بعد الانقسام النسبي الذي سُجل خلال ولاية الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب.
نقاط الخلاف بين الغرب والصين عديدة، ومنها قمع المعارضة في هونغ كونغ، والوصول إلى السوق الصينية، والاستثمارات الصينية في أوروبا، ومسألة بحر الصين الجنوبي وحتى تايوان.
وفي حين أن رحيل ترمب عن السلطة كان يمكن أن يؤدي إلى انفراج بين بكين وواشنطن، استخدم وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، مجدداً وصف “الإبادة” للإشارة إلى معاملة الأويغور، وهو التعبير الذي سبق أن استخدمه سلفه مايك بومبيو.
زيارة شينجيانغ
ويمكن للصحافيين الأجانب زيارة شينجيانغ، لكن السلطات هناك تتابعهم عن كثب، وبالتالي يصعب عليهم نفي المعلومات المتعلقة بالمنطقة.
الأويغور وهم بغالبيتهم مسلمون ويتحدثون لغة مشتقة من التركية، يشكلون إحدى 56 مجموعة إثنية في الصين، وهم يمثلون تقريباً أقل بقليل من نصف عدد سكان شينجيانغ البالغ 25 مليون نسمة.
ويطالب سفراء عدة من دول الاتحاد الأوروبي منذ أشهر بالتمكن من التوجه بحرية إلى المنطقة، لكن هذه الزيارة مجمدة، كما علمت وكالة الصحافة الفرنسية الأسبوع الماضي من مصدر دبلوماسي، وقال إن عرقلت الزيارة قد تكون ناجمة عن طلب لقاء إلهام توهتي، الجامعي المتحدر من الأويغور الذي حُكم عليه في عام 2014 بالسجن المؤبد بتهمة “الانفصالية” وتبرير الاعتداءات.
المصدر :الاندبندنت
المادة الصحفية : تم نقلها حرفيا من المصدرولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع