جدول وزاري يصل للحريري بالبريد ليعلن بعده رفضه “المحاولة الانقلابية”.. 48 ساعة عصيبة في بيروت
السياسية:
انتهت الزيارة الـ18 التي قام بها الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة اللبنانية سعد الحريري إلى القصر الرئاسي في بعبدا، دون حلحلة العقد الوزارية بينه وبين رئيس الجمهورية ميشال عون.
فرئيس الجمهورية يُصرّ على الثلث المعطل ووزارة الداخلية والعدل، فيما الحريري ثابت على موقفه: تشكيلة حكومية من 18 وزيراً لا ثلث معطلاً لأحد فيه، والداخلية بالتوافق مع عون، وليست ضمن حصته الوزارية، خرج الحريري بعد لقاء عون ليعلن بدء مرحلة جديدة من التعامل مع ما سمّاه “المحاولة الانقلابية” على التفاهمات وتغير في موقف القوى، بعدما تم الاتفاق على حكومة اختصاصيين، والمطالبة بحكومة تكنو سياسية “سياسيين اختصاصيين”، ولتبدأ بعدها حرب بيانات.
ازاد الموقف توتراً بعدما توجه رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل إلى القصر الرئاسي في بعبدا ليلتقي مستشاري رئيس الجمهورية، بهدف إعداد جدول يتم إرساله للرئيس المكلف سعد الحريري، يضم صيغة حكومية مقسمة على الطوائف والأحزاب، ويكون على الحريري فقط تعبئة أسماء وزرائه، فيما يحتفظ عون بتسمية 7 وزراء.
عُرضت الورقة على عون فرفضها في البداية، وأكد أنها ستفتح الباب لأزمة جديدة، وربما تصل لانفجار مذهبي، لأن اللائحة التي أُرسلت إلى الحريري تضمّنت الحقائب التي يريدها عون موزعة على المذاهب.
أصر باسيل على عون وأبلغه أنها منسقة مع حزب الله، فقبلها على مضض، وتم الاتفاق على إرسالها عبر قنوات رسمية، فيما تؤكد مصادر الحريري لـ”عربي بوست” أن الأخير تلقى الرسالة عبر البريد.
تسلّم الحريري الرسالة بمظروف مكتوب عليه “حضرة رئيس الحكومة السابق”، وليس “دولة رئيس الحكومة المكلّف”، ويبدو أن المقصود منها استفزاز الحريري، وحمله على إلغاء الموعد المنتظر لإظهاره بمظهر المعرقل والمنسحب.
تزامن إرسال الرسالة مع زيارة موفدي رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الحريري، والوزيرين السابقين وائل أبوفاعور وغازي العريضي.
ناقش الحريري المقترح الرئاسي الذي وصله من عون، مشيراً إلى أنه بمثابة الانقلاب على كل التفاهمات التي حصلت منذ المبادرة الفرنسية.
فالجدول الذي أرسله عون للحريري يتضمن مخالفةً دستورية واضحة، فليس من صلاحية رئيس الجمهورية إعداد لوائح وجداول وإلزام الرئيس المكلف بها، إذ إنها مسؤولية منوطة بالرئيس المكلف، والدستور يُلزم الأخير بالتفاهم مع رئيس الجمهورية، لا أن يتخلى عن صلاحياته له.
وبعد مغادرة ممثلي جنبلاط بدأ الحريري سلسلة اتصالات شملت رئيس مجلس النواب نبيه بري، وجرى النقاش حول كيفية التعامل مع “الرسالة الانقلابية غير المسبوقة” التي وصلت له، وصولاً إلى نقاش احتمالات ما بعد اللقاء المحكوم بالفشل قبل انعقاده، وطُرحت مخارج أهمها أن يعتذر الحريري عن الذهاب للقصر ظهر الإثنين المقبل، وأن يعقد مؤتمراً صحفياً يوضح فيه ملابسات ما جرى، ويضع النقاط على حروف التكليف والتأليف دستورياً.
استقر موقف الحريري بالإبقاء على موعد الزيارة للقصر الرئاسي وإيصال رسائل قاسية لعون أن الانقلاب فشل، وأنه لن يستطيع أي طرف سياسي باستثناء التيار الوطني الحر أن يدافع عن موقف رئيس الجمهورية، ولا حتى حزب الله نفسه، الذي سيُبادر إلى لعب دور لرأب الصدع.
خطاب نصر الله وهواجس الحريري
من جانب آخر، اعتبر يعتبر الحريري أن خطاب الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله، الذي دعا لتشكيل حكومة “تكنوسياسية” بدلاً من حكومة اختصاصيين، فتح الباب وشرعه لبدء الالتفاف “العوني” على الدستور.
وبحسب مصادر، فإن كلام نصرالله لاقى أصداء إيجابية لدى رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، الذي أعلن بعد خطاب نصرالله، وعبر حسابه على تويتر، تبنّيه الكامل لطرح نصرالله الجديد.
وبحسب المصدر فإن خطاب نصرالله سبقه لقاء بين باسيل ورئيس وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله، وفيق صفا، والذي وضعه بصورة خطاب نصرالله وما سيتضمنه.
فبعد خطاب أمين عام حزب الله شعر الحريري أن الدفة تدار من مكان آخر، تواصل الحريري مع رئيس البرلمان نبيه بري، مستوضحاً منه ما إذا كان حزب الله قد وضعه بصورة موقفه الجديد، لكن بري نفى أن يكون قد وضع بصورة مواقف الحزب الجديدة.
تواصل الحريري مع حزب الله وأبدى خشية من كلام نصرالله، وبناءً عليه أوفد الأخير معاونه السياسي الحاج حسين الخليل إلى منزل الحريري، ليل الجمعة الماضي، وعُقد بينهما اجتماع ثنائي فقط.
جدّد الخليل خلاله تمسك حزب الله بتعهداتهم ومواقفهم التي أعطيت للحريري منذ لحظة تكليفه، وأكد له أن حزب الله جاهز للسير بحكومة “الاختصاصيين” من 18 وزيراً، ومن دون الثلث المعطل لأي مكون، وأن إيران كباقي الدول أكدت أنها ضد منح الثلث المعطل لأي طرف سياسي.
سأل الحريري خليل عن موقف الحزب، وما يقصده نصرالله من الدعوة لحكومة “تكنوسياسية”، فأكد معاون الأمين العام للحزب أن دعوة الأخير إلى حكومة تكنوسياسية هدفها توفير حماية سياسية لرئيس الحكومة والحكومة في مواجهة القرارات الصعبة، التي ينبغي اتخاذها إذا تم السير بخطة وبرنامج صندوق النقد الدولي.
ليكون الجميع أمام مسؤولياتهم، ولكي يضمن رئيس الحكومة ألّا جهة معرقلة لحكومته، وهنا جدد الخليل الدعوة للحريري للقاء الوزير جبران باسيل، والتي قد تنتج تفاهماً، لكن الحريري أكد لضيفه أنه رئيس حكومة، ويتعاطى مع رئيس الجمهورية وليس مع الوكلاء.
ووفق المصدر، فإن الحريري أجرى اتصالات مع رؤساء الحكومات السابقين، ونصح أن يجري سلسلة اتصالات دولية وعربية، وخاصة مع الدول التي زارها ووعدته بدعم مساعيه، وهذا ما جرى بحسب المصدر.
إذ أجرى اتصالاً بميخائيل بوغدانوف، مبعوث الرئيس الروسي للشرق الأوسط، وبالسفير باتريك دوريل، مسؤول خلية لبنان في قصر الرئاسة الفرنسية.
ميدانياً، ترى مصادر سياسية لـ”عربي بوست”، أن ما جرى بين عون والحريري سيفتح الباب على وقائع مخيفة في الاقتصاد والأمن، فبحسب المصدر فإن الدولار بات يحلّق، بعد حادثة الأمس بين الرجلين، وعملية ضبطه لم تعد سهلة، رغم الحديث عن إغلاق منصات التعامل بالدولار، فيما يخشى المصدر أن ينعكس التوتر السياسي في تصعيد أمني في الشارع، في ظل حديث وزير الداخلية ليلة أمس عن عدم القدرة الأمنية على ضبط الأمن، لأننا دخلنا مرحلة الفوضى غير المنظمة.
ويؤكد المصدر أنه لا اهتمام دولياً وعربياً بلبنان في الوقت الحالي، والكل ينتظر نتائج الحوار الأمريكي- الإيراني، فيما عدا ذلك لن يتحول الحديث عن دعم لبنان إلى شيء عملي قبيل معرفة ما ستؤول إليه الأمور بين واشنطن وطهران والملف اللبناني، هو واحد من بين تلك الملفات التي سيتم التفاوض عليها.
عربي بوست