السياسية:

تزامناً مع وصف الرئيس الأمريكي جو بايدن لنظيره الروسي فلاديمير بوتين بـ”القاتل”، نشرت صحيفة بريطانية تقريراً حول قائمة اغتيالات تضم معارضين شيشانيين وروسيين موجودين في دول أوروبية تطاردهم فرق الموت الروسية.

وتحت عنوان “من روسيا مع الدم”، نشرت صحيفة The Times  البريطانية تقريراً تناول قصة معارض شيشاني لاجئ في النمسا، وينتظر قدوم فريق القتلة الروس في أي وقت.

قائمة من 5 معارضين اغتيل 4 منهم

كان مهران عبداللاييف يجلس في شقته الكائنة في بلدة صغيرة بالنمسا منذ أكثر من شهر، في انتظار قدوم القتلة. لا يغادر أطفاله الخمسة المنزل إلا للذهاب إلى المدرسة، وتخرج زوجته مسرعة من حينٍ لآخر إلى المتاجر، ثم تعود مباشرة إلى المنزل وتغلق الباب.

ثمة سبب وجيه يجعلهم يخشون المصير الأسوأ، إذ اكتشف عبداللاييف -الذي غيَّر اسمه لحماية هويته- في العام الماضي، أنَّه مدرج على “قائمة الاغتيالات” التابعة لأجهزة الأمن الروسية، والتي سُرّبت إلى وكالات استخبارات أوروبية.

تشمل تلك القائمة 5 أسماء، جميعهم مواطنون شيشانيون -مثل عبداللاييف- يعيشون في الخارج، اغتيل بالفعل أربعة أشخاص من الخمسة المدرجين على تلك القائمة في تركيا وجورجيا وأوكرانيا وألمانيا، ولم يتبق سوى مهران عبداللاييف، لكنه مقتنع أنَّ هذا الوضع لن يستمر لفترة طويلة.

توقفت التهديدات التي كان يتلقاها عبداللاييف، الأمر الذي جعله على يقين بإمكانية تعرضه للاغتيال في أي وقت. قال عبداللاييف في مكالمة هاتفية الأسبوع الماضي: “أتمنى أن يتصل بي شخص آخر ليهدّدني، ثمة هدوء خطير ينذر بالسوء”.

هل ينضم نافالني لقائمة الضحايا؟

بعد 3 سنوات من محاولة تسميم سيرغي سكريبال، ضابط الاستخبارات الروسية المنشق، في مدينة سالزبوري البريطانية، لا يزال العملاء الروس يواصلون مطاردة ضحاياهم في جميع أنحاء أوروبا، وكان تقرير نشر مؤخراً حول تساقط كثير من جواسيس بوتين حول العالم.

وقبل أيام وصف جو بايدن نظيره الروسي “بالقاتل عديم الروح”، في معرض تعليق واشنطن على محاولة تسميم المعارض الروسي الأبرز لبوتين أليكسي نافالني، الذي يقبع حالياً في أحد أخطر سجون موسكو بعد عودته من ألمانيا والحكم عليه بالسجن بتهمة مخالفة شروط الإفراج عنه.

وأثارت تعليقات بايدن غضباً روسياً وصل إلى درجة استدعاء الكرملين لسفير موسكو في واشنطن للتشاور، كما ردّ بوتين على تعليقات الرئيس الأمريكي بقوله إن “من يتهم الآخرين بالقتل لا بد أنه يعكس طبيعته”، في إشارة لبايدن نفسه.

وتُعد قائمة المستهدفين الشيشانيين جزءاً من حملة أوسع لإسكات خصوم بوتين، إذ كانت السلطات الروسية قد اعتقلت المعارض الروسي البارز نافالني، الشهر الماضي، فور وصوله إلى موسكو بعد نجاته من محاولة تسميمه بغاز أعصاب في سيبيريا العام الماضي.

وتشمل قائمة المستهدفين الشيشانيين متمردين سابقين قاتلوا ضد روسيا ويريدون وطناً مستقلاً، بالإضافة إلى متطرفين تابعين لتنظيم الدولة الإسلامية في الشام والعراق (داعش)، يسعون إلى إقامة إمارة إسلامية في القوقاز، ووقع آخرون ضحية الاستهداف الروسي لمجرد نشرهم مقاطع فيديو تنتقد الرئيس الشيشاني رمضان قديروف، الحليف المقرب لفلاديمير بوتين.

قديروف حليف بوتين

ويقول محلّلون إنَّ عمليات الاغتيال تحمل بصمة أجهزة الأمن الروسية التابعة لجهاز الأمن الفيدرالي الروسي، بالتعاون مع فرق الموت الشيشانية بقيادة رمضان قديروف.

قال ألكسندر كفاخادزه، الزميل الباحث في المؤسسة الجورجية للدراسات الاستراتيجية والدولية، “شهدت الاغتيالات المُحدّدة الهدف زيادةً كبيرةً خلال العامين الماضيين”، مضيفاً أنَّ “جهاز الأمن الفيدرالي الروسي كثيراً ما يحاول استخدام فرق الموت التابعة لقديروف بما يخدم مصالحه الخاصة. لا يستطيع قديروف التصرف من تلقاء نفسه بمعزل عن جهاز الأمن الفيدرالي والمخابرات الروسية”.

تولّى رمضان قديروف السلطة في عام 2007، بعد 3 سنوات من اغتيال والده، أحمد قديروف. استخدم قديروف الأموال الروسية لإعادة بناء الشيشان وتعهّد بالولاء لبوتين في المقابل. ساد مناخ القمع والترهيب خلال حكم قديروف، حيث أصبحت عمليات الاختفاء القسري والتعذيب هي القاعدة وليست الاستثناء في الشيشان. 

تجاوزت انتهاكات قديروف حدود الشيشان. في عام 2009، اغتيل عمر إسرائيلوف، الحارس الشخصي السابق للرئيس الشيشاني، في فيينا، بعد أن قال علناً إنَّه تعرّض للتعذيب على يد الزعيم رمضان قديروف. ارتفع عدد ضحايا رجال قديروف، إذ نفّذوا 6 عمليات اغتيال في إسطنبول وحدها، واستهدفوا بالقتل آخرين في فرنسا وألمانيا وأوكرانيا.

يدرك عبداللاييف تماماً قدرات أجهزة الأمن الروسية ورجال قديروف. انتقل إلى النمسا عام 2017 بعد أن قضى فترات في المملكة العربية السعودية وأوكرانيا وجورجيا. استطاع في نهاية المطاف الحصول على حق اللجوء في النمسا جزئياً، على أساس أنَّه مستهدف بالاغتيال من قوات الأمن الشيشانية.

يعتبر اسم عبداللاييف الأقل بروزاً بين بقية الأسماء المدرجة في قائمة الاغتيال، فهو ليس مقاتلاً سابقاً أو عضواً في جماعة متطرفة، على عكس الآخرين.

يعتقد عبداللاييف أنَّه على هذه القائمة بسبب صداقته الوثيقة مع زليمخان خانغوشفيلي، أحد القادة السابقين للمتمردين الذي لقى مصرعه بعد إطلاق النار عليه من مسافة قريبة في منتزه كلاينر تيرغارتن في برلين. واتهمت ألمانيا مواطناً روسياً باغتيال خانغوشفيلي، ولم ترد الحكومة الروسية على طلب صحيفة The Times البريطانية للتعليق في الأسبوع الماضي.

كان عبداللاييف قد تلقى قبل عدة أشهر مكالمة تهديد من رجل شيشاني يزعم أنَّه موجود في برلين ويحذره بإبقاء فمه مغلقاً أو مواجهة العواقب. وثمة أشخاص زعموا أنَّهم ضباط في المخابرات الروسية زاروا والديه في الشيشان وهدّدوهما.

وقال عبداللاييف إنَّ أجهزة الأمن النمساوية تتواصل معه ويقولون إنَّهم يراقبون التهديدات المحتملة، لكنهم لم يوفروا له أي سبل أخرى للحماية.

نُسب إلى المخابرات الروسية أيضاً تدبير حادثة قتل مقاتل سابق -يُعرف باسم زونا واسمه مدرج على قائمة الاغتيالات- في تفجير سيارة مفخخة بأوكرانيا. أما الرجلان الآخران المدرجان على نفس القائمة فكانا متطرفين على صلة بجماعات مسلحة، من بينها تنظيم داعش وما يسمى بإمارة القوقاز الإسلامية.

وشملت أهداف أخرى منشقين ينتقدون قديروف علناً. في العام الماضي، نجح تومسو عبدالرحمنوف، أحد أبرز منتقدي الرئيس الشيشاني الذي كان يعيش في السويد، في التغلّب على رجل هاجمه في شقته وحاول قتله بمطرقة. نشر عبدالرحمنوف مقطع فيديو على الإنترنت يظهر القاتل ملقى على الأرض ملطخاً بالدماء. وعندما سأله باللغة الروسية: “مَن أرسلك؟” و “من أي بلد أنت؟”، أجاب الرجل: “من موسكو. إنَّهم يحتجزون أمي”.

كان عبدالرحمنوف محظوظاً، إذ عُثرت على جثة المدون الشيشاني المنشق عمران علييف في غرفته بأحد فنادق مدينة ليل الفرنسية قبل أسابيع فقط. وقالت الشرطة إنَّ جثته بها أكثر من 135 طعنة.

عربي بوست