السياسية:

بعد سنوات من الجفاف في العلاقات والتوتر المتبادل، ترتفع منذ أشهر وتيرة لقاءات واتصالات رسمية بين المغرب ودول خليجية. فمنذ عام 2017 اندلعت “أزمة صامتة” بين الرباط وعواصم خليجية، إبان الأزمة بين قطر وكل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر، إلى جانب أسباب توتر أخرى كالتحالف العربي في اليمن، والصراع الداخلي الليبي، كلها عوامل أدّت إلى فتور العلاقات الدافئة بين الإمارات والسعودية من جهة، والمملكة المغربية من جهة أخرى، التي تُحاول الحفاظ على استقلال سياستها الخارجية في قضايا المنطقة.

لكن يبدو أن العلاقات المغربية الخليجية بدأت بالعودة إلى طبيعتها الأولى، مع التقدم المحرز في المصالحة الخليجية، التي تم الإعلان عنها في 5 يناير/كانون الثاني الماضي. فهل تفتح الرباط صفحة جديدة بيضاء مع بعض العواصم الخليجية؟

ملفات خلافية سيطرت على العلاقة بين المغرب ودول خليجية

شهدت علاقات المغرب ومحور السعودية – الإمارات حالة من التوتر؛ بسبب تباعد مواقف الطرفين بشأن ملفات خلافية عديدة. ومن أبرز هذه الملفات هو موقف الرباط المحايد من الحصار الذي فرضه الرباعي العربي على الدوحة، بداية من يونيو/حزيران 2017.

كما انسحبت الرباط من تحالف عسكري عربي، تقوده الرياض، وينفذ منذ عام 2015 عمليات عسكرية في اليمن، دعماً للقوات الموالية للحكومة في مواجهة الحوثيين، المدعومين من إيران.

وفي 27 مارس/آذار 2019، أعلن وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، في مؤتمر صحفي، عن “ضوابط لاستمرار التنسيق مع الإمارات والسعودية”.

وتلك الروابط هي أن السياسة الخارجية مسألة سيادية للمغرب، وأن التنسيق مع دول الخليج، خاصة السعودية والإمارات، يجب أن يكون وفق رغبة من الجانبين وليس حسب الطلب، وأن يشمل التنسيق جميع القضايا المهمة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مثل الأزمة الليبية.

وبدعم من دول عربية وغربية، بينها الإمارات، نازع اللواء المتقاعد، خليفة حفتر، منذ سنوات، السلطة الشرعية الليبية المعترف بها دولياً، في البلد الغني بالنفط. وفي 2020 تداولت مواقع مغربية أخباراً تفيد بسحب المغرب سفيره وقنصلَيْه في الإمارات؛ بسبب عدم تعيين سفير إماراتي بالرباط بعد عام من شغور المنصب.

خلال تلك الأزمة تعرضت الحكومة المغربية، ورئيسها سعد الدين العثماني، لاتهامات بالفشل في مواجهة جائحة “كورونا”، وبالعجز عن تلبية احتياجات المواطنين، من جانب ما قال مغاربة إنه “ذباب إلكتروني” تابع للإمارات.

هل تفتح صفحة جديدة في العلاقات الآن؟

لكن العلاقات المغربية الخليجية باتت تشهد تحسناً، خاصة بعد أن افتتحت الإمارات، في 4 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، قنصلية لها في إقليم الصحراء، المتنازع عليه بين الرباط وجبهة “البوليساريو”، المدعومة من الجزائر، جارة المغرب.

وفي الشهر نفسه، أعربت أبوظبي عن تأييدها لتحرك الرباط “عسكرياً” لضبط الوضع على معبر “الكركرات” الحدودي بين المغرب وموريتانيا، لوقف “استفزازات” جبهة “البوليساريو”، التي تستهدف تعطيل المعبر الحيوي.

كذلك، في 14 ديسمبر/كانون الأول الماضي، تم افتتاح قنصلية للبحرين في إقليم الصحراء، وهو موضع نزاع منذ 1975، بعد إنهاء الاحتلال الإسباني وجوده في المنطقة. وتحول هذا النزاع إلى مواجهة مسلحة بين الجانبين، توقفت عام 1991 بتوقيع اتفاق لوقف إطلاق النار، برعاية الأمم المتحدة.

أزمات المنطقة بدأت بالحلحلة، وهذا انعكس على علاقة الرباط بالخليج

يقول سعيد الصديقي، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة سيدي محمد بن عبدالله (حكومية) بمدينة فاس شمالي المغرب، لوكالة الأناضول: “رغم البرودة التي اتسمت بها علاقات المغرب مع بعض دول الخليج خلال السنوات القليلة الأخيرة، فإن ذلك لم يؤثر على توجهها العام”.

موضحاً أن “هذه الدول حافظت على علاقاتها في مستويات معقولة، فلا تقبل أي دولة منها أن تضحي بإرث كبير من التعاون السياسي والاقتصادي والعسكري راكمته عبر عقود من الزمان.. ولعل العلاقات الشخصية بين حكام هذه البلدان ظلت باستمرار الضمانة القوية لعدم تدهورها”.

يرى الصديقي أنه “يمكن تفسير عودة الدفء إلى هذه العلاقات بالتوافق بين هذه الدول على التغيرات السياسية في المنطقة العربية، التي بدأت مؤشراتها في كل من ليبيا، والعلاقات الخليجية البينية (المصالحة)، والإدارة الأمريكية الجديدة (برئاسة جو بايدن) والعلاقة مع إسرائيل”.

ويشهد النزاع الليبي انفراجاً سياسياً، فيما وقعت دول عربية، بينها الإمارات والبحرين والمغرب، عام 2020 اتفاقيات لتطبيع العلاقات مع إسرائيل.

وبخصوص مستقبل العلاقات المغربية الخليجية، قال الصديقي: “رغم أن هناك عوامل كثيرة تجمع بين هذه الدول، ويمكن أن تساعدها على تطوير علاقاتها وتمتينها إلى حد تشكيل تحالف سياسي في المنطقة، إلا أنها معرضة للتأثر الشديد بأي سوء فهم بينها، وهذه إحدى نقاط ضعفها”.

“المغرب نجحت بالثبات على موقفها المحايد”

من جهتها، تقول ياسمينة أبوالزهور، الباحثة في المعهد المغربي لتحليل السياسات، إن المغرب “حافظ على موقف الحياد طوال الأزمة مع حلفائه في مجلس التعاون الخليجي”. وفي دراسة بعنوان “رأب الصدع في منطقة الخليج: مجازفات المغرب ومكاسبه”، نُشرت في فبراير/شباط الماضي، أضافت ياسمينة أنه “عندما فرضت السعودية والإمارات والبحرين ومصر حصاراً على قطر في 2017، كان المغرب أمام موازنة دقيقة تجلت في الحفاظ على علاقته مع الدوحة دون معاداة الكتلة السعودية-الإماراتية”.

مضيفة: “على الرغم من التوترات المتقطعة مع محور الرياض أبوظبي، نجح صناع القرار في المملكة (المغرب) في الحفاظ على سياسة محايدة إزاء النزاع، وتمكنوا من تعزيز العلاقات مع قطر، وهدفت هذه السياسة إلى حماية المصالح الدبلوماسية والاقتصادية للمملكة”.

وأردفت: “على إثر التقدم المحرز في قمة العلا (الخليجية بالسعودية)، في يناير/كانون الثاني 2021 والتوصل إلى حل جزئي للأزمة (الخليجية)، من المرجح أن يكسب المغرب كثيراً من الدعم الاقتصادي والدبلوماسي”. وذهبت الباحثة إلى أن “سياسة الرباط الخارجية المستقلة والمحايدة في الخليج قد أثبتت للمجتمع الدولي أنها طرف إقليمي موثوق به”.

في السياق، يرتبط المغرب باتفاق للتعاون الاستراتيجي مع دول مجلس التعاون موقّع في الرياض عام 2012، ويشمل مجالات التعاون السياسي والاقتصادي والاستثماري والتجاري والسياحي والأمني والثقافي والعلمي وغيرها.

وفي 20 إبريل/ نيسان 2016 عقدت قمة خليجية مغربية في العاصمة السعودية الرياض، وكان لافتاً تأكيد القمة، على تشكيل “تكتل استراتيجي موحد” والالتزام “بالدفاع المشترك عن أمن بلدانهم واستقرارها”.

عربي بوست