السياسية:

في ظل صدور تقرير استخباراتي أمريكي يؤكد تدخل روسيا في الانتخابات الأخيرة، وفرض واشنطن عقوبات على مسؤولين صينيين قبل اللقاء الأول بين البلدين في ألاسكا، هل يمكن أن يتحول التعاون بين موسكو وبكين إلى تحالف عسكري؟

وسوف يعقد أول اجتماع رسمي بين الولايات المتحدة والصين في ألاسكا نهاية الأسبوع الجاري بين وزير الخارجية أنتوني بلينكن ونظيره الصيني، فيما وصفته وسائل الإعلام الأمريكية “البارد”، إذ استبقته الخارجية الأمريكية اليوم الأربعاء 17 مارس/آذار بفرض عقوبات على 24 مسؤولاً في الصين وهونغ كونغ بسبب ما تصفه واشنطن بالقمع الصيني لهونغ كونغ.

وتزامن ذلك مع صدور تقرير استخباراتي أمريكي حول الانتخابات الأخيرة – جرت في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي – وسلط الضوء على الدور الذي سعت روسيا للعبه بغرض مساعدة الرئيس السابق دونالد ترامب على الفوز بفترة رئاسية ثانية، وهو نفس الاستنتاج الذي توصلت إليه أجهزة التحقيق الأمريكية في انتخابات 2016 التي فاز فيها ترامب دون التوصل لأدلة دامغة على “التورط الروسي”، بحسب تقرير لشبكة CNN.

هل تتحالف الصين وروسيا؟

وفي هذا السياق، نشرت مجلة The National Interest الأمريكية تقريراً رصد التكهنات التي انتشرت مؤخراً بشأن إمكانية قيام تحالف بين روسيا والصين؛ إذ قال أحد الخبراء الصينيين في منتدى أقيم في الصين مؤخراً: “الولايات المتحدة لديها حلفاء كثر. والصين أيضاً يمكنها أن تحظى بحلفاء”، وكان التصور السائد بين الخبراء هو أن ذلك مستبعد. ففي النهاية، كيف يمكنهما مساعدة بعضهما مساعدة حقيقية؟ فروسيا لن تعتمد على بحرية جيش التحرير الشعبي الصيني في خضم صراع على بحر البلطيق بقدر ما لن يعتمد الصينيون على البحرية الروسية لتغيير مسار الأمور في بحر الصين الجنوبي.

ولنا أن نتصور أن  شراكة أمنية متطورة بين البلدين الآسيويين الضخمين قد ينتج عنها كفاءات صناعية عسكرية، وهما بالفعل يتعاونان في تصنيع مروحية عمودية ثقيلة، ولكن ماذا لو تعاونا تعاوناً حقيقياً في تصنيع قاذفات ومدمرات أيضاً؟ بل وغواصات وحاملات طائرات؟ قليلون هم من درسوا هذا الاحتمال بجدية، على أنه لا يزال يبدو بعيد المنال.

ولكن يبدو أن مقالاً نُشر مؤخراً في صحيفة Independent Military Review للخبير العسكري الروسي ألكسندر شيروكوراد يبدد هذه الشكوك المنتشرة. فلا يتبنى كاتب المقال فكرة الدفاع الجوي والصاروخي المشترك بين روسيا والصين في القطب الشمالي فحسب، بل إنه يطرح أيضاً على نحو غير متوقع مفهوماً جديداً بالكامل يتمثل في تمكين غواصات الصواريخ البالستية الصينية النووية SSBN من الحصول على دعم قوي من موانئ القطب الشمالي الروسية.

فوائد التحالف البحري بين موسكو وبكين

ودعونا نستعرض منطق المحلل العسكري الروسي شيروكوراد. يبدأ المحلل الروسي مقالته بداية غامضة بإشارته إلى التصريحات الغريبة بعض الشيء التي أدلى بها وزير الخارجية الأمريكي السابق مايك بومبيو في فنلندا أوائل شهر مايو/أيار الماضي.

فبومبيو “انفجر في خطاب غاضب موجه للإمبراطورية السماوية (الصين)”، وفقاً للمحلل العسكري الروسي الذي قال إن وزير الخارجية الأمريكي اتهم بكين بمحاولة تحويل القطب الشمالي إلى بحر الصين الجنوبي. وقال شيروكوراد مبدياً استغرابه من تركيز كبير الدبلوماسيين الأمريكيين الواضح على طريق بحر الشمال (NSR): “بالنظر إلى جغرافية طرق التجارة الأمريكية، فأصحاب السفن الأمريكيون لا يعنيهم طريق البحر الشمالي بقدر ما لا يعنيهم السفر إلى المريخ”.

أول حاملة طائرات صينية لياونينغ تشارك في عرض عسكري في بحر الصين الجنوبي في أبريل من العام الماضي يرافقه سفن حربية وطائرات مقاتلة/ رويترز

وبعد ذلك، يلقي شيروكوراد، الذي لديه معرفة كبيرة بعمليات الغواصات ومنطقة القطب الشمالي، “طوق نجاة” لبومبيو، مشيراً إلى أن وزير الخارجية كان يعني بحديثه ما أشار إليه أحدث تقرير لوزارة الدفاع عن القوة العسكرية الصينية: “خطط بكين العسكرية في القطب الشمالي يمكن أن تشمل نشر غواصات في المنطقة لتردع الهجمات النووية”. والجدير بالذكر أن الجملة التالية مباشرة في تقرير الحكومة الأمريكية كانت تشير إلى إمكانية نشوب صدامات روسية صينية على طول مسار بحر الشمال، على سبيل المثال، فيما يتعلق بنشر كاسحات الجليد غير الروسية على طول هذا الطريق.

وبشكل مفاجئ قليلاً، يؤكد هذا المحلل العسكري الروسي أن المخاوف الأمريكية منطقية من منظور الاستراتيجية النووية والبحرية. وعلل ذلك بإشارة مختصرة إلى استراتيجية غواصات الصواريخ البالستية أثناء الحرب الباردة أوضح فيها أن جنرالات البحرية السوفييت تعرضوا لحرج بالغ عام 1962 حين “تبين أن جميع غواصات الصواريخ الروسية لا جدوى لها أمام منظومة الحرب المضادة للغواصات ASW الأمريكية”.

ففي حين أن الغواصات السوفييتية كانت تمثل تهديداً قوياً للمدن الأوروبية، شعر خبراء الاستراتيجيات في الكرملين بالانزعاج من نشر الولايات المتحدة لغواصات الصواريخ البالستية الأمريكية في قواعدها في هولي لوك (المملكة المتحدة)، وروتا (إسبانيا) وكذلك بيرل هاربر. فمن هذه القواعد المتقدمة، يمكنها المرور بسهولة إلى المناطق التي تستقر بها غواصاتهم وضرب أهداف داخل الاتحاد السوفييتي.

وفي المقابل، “كان يتعين على الغواصات السوفييتية، لتتمكن من إطلاق أسلحتها وضرب الأراضي الأمريكية، السفر مسافة تتراوح بين  7000 و8000 كيلومتر للوصول إلى مناطق الغواصات ثم  العودة”.

وبطبيعة الحال، مكّنت زيادة مدى صواريخ السوفييت من تغيير مناطق الغواصات لصالحهم، حتى يتمكنوا في النهاية من ضرب أهداف أمريكية من “جانب الرصيف البحري”. ومكّن هذا الاتجاه البحرية السوفييتية من الاستفادة من الجغرافيا الطبيعية والمناخ.

وبحلول الثمانينيات، واظبت البحرية السوفييتية على إرسال غواصات الصواريخ البالستية تحت جليد القطب الشمالي. ويوضح شيروكورود أن غواصات الصواريخ البالستية الروسية كان بإمكانها اختراق الجليد الذي يصل سمكه إلى مترين لإطلاق وابل من صواريخها النووية.

وبالعودة إلى منظومة الردع الصينية تحت سطح البحر والتشابهات المحتملة بينها وبين الأزمات البحرية السوفيتية السابقة، يشير هذا الخبير العسكري الروسي إلى أن الساحل الصيني، من الناحية الجغرافية، تفصله “مسافة شاسعة” عن أهداف في قلب أمريكا. وفضلاً عن ذلك، فهو يعتبر شبكات غواصات الصواريخ البالستية الصينية عرضة بدرجة كبيرة لخطر قوى معادية في مناطق المحيط المفتوحة في آسيا والمحيط الهادئ.

حرب باردة جديدة؟

وهنا يلقي شيروكوراد بقنبلته. ويؤكد أن “الصينيين بمغامرتهم بالذهاب إلى القطب الشمالي يضربون عصفورين بحجر واحد: الحد من درجة عرضتهم للخطر بشكل كبير وتقليص المسافة بينهم وبين الأهداف المحتملة في الوقت نفسه”. ويُقدّر أن عمليات نشر غواصات الصواريخ البالستية الصينية في القطب الشمالي ستقلل من مسافات طيران الصواريخ ثلاث مرات ونصف تقريباً.

وإذا لم تكن مناقشة هذه الفكرة علناً في إحدى الصحف الروسية الكبرى مزعجة بما يكفي، يذهب شيروكورود إلى أبعد من ذلك في الحديث عن الحرب الباردة الجديدة. وكتب قائلاً: “في المستقبل، قد يبدأ الاتحاد الروسي وجمهورية الصين الشعبية أيضاً في إنشاء منظومة مشتركة مضادة للطائرات ومنظومة دفاع مضادة للصواريخ في القطب الشمالي …”. ويقول، كما يعتقد، إن الولايات المتحدة في كل الأحوال “تخطط لشن ضربات” على كل من الصين وروسيا عبر القطب الشمالي منذ الخمسينيات.

غواصة الصواريخ الباليستية الأمريكية “أوهايو”

ومن الواضح بدرجة معقولة أن هذا التعاون في مجال الدفاع الجوي والصاروخي له أيضاً أن يدعم عنصر الغواصات في التعاون الاستراتيجي الروسي الصيني في القطب الشمالي، لكن المحلل الروسي يدلي بعد ذلك بأغرب تصريح في هذا الصدد: “في جزرنا القطبية،  بإمكان الصين نشر منظومات اتصالات وإمدادات لغواصات الصواريخ الاستراتيجية الخاصة بها”. ويتساءل شيروكورود في الفقرة الأخيرة من مقاله إن كان لمثل هذه الخطوات أن تُعرّض روسيا للخطر ويجيب عن سؤاله إجابة قاطعة: “كلا بالتأكيد”.

وفي الختام، لا بد من التأكيد على أنه لا ينبغي تضخيم أهمية هذا المقال. فما يعتقده خبير استراتيجي روسي واحد لا يساوي نهجاً جديداً لتعاون استراتيجي بين روسيا والصين، ناهيك عن اتفاقية تعاون عسكري ثنائية ملموسة لنشر أسلحة نووية ثمينة.

ولم تقدم موسكو ولا بكين أي شيء قريب من تصريح رسمي يعبر عن مثل هذه الأفكار الغريبة. على أنه ثمة احتمال ضئيل بأن هذه الرؤية الفريدة للمستقبل يمكن أن تؤتي أكلها في العقود المقبلة إذا لم تتغير هذه الاتجاهات الحالية نحو الحرب الباردة. وسيكون لموسكو حينئذ بنيتها التحتية الكاملة في القطب الشمالي (العسكرية والتجارية) بأموال ومساعدة هندسية صينية كبيرة. وفي المقابل، ستصبح لدى بكين وسيلة يمكن الاعتماد عليها لضرب أمريكا، وبالتالي تعزيز ردعها النووي.

عربي بوست