توم باتشلور

وجدت دراسة حديثة أن أفراد [النوع البدائي الشبيه بالبشر المسمى] “نياندرتال” Neanderthals استطاعوا سماع الكلام وترجمة أفكارهم إلى شكل منطوق مستعينين بجهازهم السمعي، على منوال البشر المعاصرين إلى حد بعيد.

وقد استخدم الباحثون أشعة مقطعية عالية الدقة كي يعقدوا مقارنة بين نماذج حاسوبية افتراضية ثلاثية الأبعاد تكشف أجزاء الأذن لدى الإنسان العاقل [التسمية تطلق على الجنس البشري] من جهة والـ”نياندرتال”، الشديد الشبه بالإنسان، من جهة أخرى، إضافة إلى تحليل عدد من الحفريات القديمة.

بعد المقارنة، وجد العلماء أنه بعيداً من الفكرة التقليدية التي تقول إن قاطني الكهوف كانوا يكتفون بالهمهمة، تمتع أشباه البشر البدائيون من الـ”نياندرتال” بقدرة على إنتاج أصوات كلامية شأن البشر الحاليين، فضلاً عن أن جهازهم السمعي كان دقيقاً على شاكلة آذاننا، واشتمل على أذنين “مهيئتين” لتمييز تلك الترددات.

كذلك كشفت الدراسة، التي أعدها علماء من إسبانيا والولايات المتحدة، أن الـ”نياندرتال”، على منوال البشر، حظوا بنطاق ترددات سمعية عريض يتيح لأعداد كبيرة استخدام إشارات صوتية كثيرة وسهلة التمييز، ضمن نظام تواصل شفوي.

“إنه الدليل عن حق”، بحسب مرسيدس كوندي فالفيردي، أستاذة في “جامعة القلعة” في إسبانيا والباحثة الرئيسة في الدراسة.

من وجهة نظرها، “يدل توافر قدرات سمعية مماثلة، لا سيما نطاق الترددات السمعية، على أن الـ”نياندرتال” امتلكوا نظام تواصل معقداً وناجعاً يشبه التحادث بين البشر المعاصرين”.

قال الباحثون إنه كان في وسع الـ”النياندرتال” نطق كلمات من قبيل “مرحباً” أو “حسناً”، لو إنها حملت أي معنى بالنسبة إليهم.

معلوم أن البشر المعاصرين و”النياندرتال” نوعان من جنس واحد يُسمى “هومو” Homo، لكنهما يختلفان في الصفات. وتشير أدلة إلى أن حالات تزاوج بشكل أو بآخر قد حدثت بينهما منذ عشرات آلاف السنين. والأهم من ذلك، أن الدراسة الحديثة ترجح أن ذلك النوع البدائي استخدم الحروف الساكنة بشكل متزايد.

تذكيراً، شددت دراسة سابقة في هذا المجال على قدرة الـ”نياندرتال” في إنتاج أصوات حروف العلة. وفي المقابل، أشار رولف كوام، أستاذ الأنثروبولوجيا [علم الأجناس البشرية] في “جامعة بنغامتون” Binghamton University في نيويورك، “نعتقد أن ذلك التأكيد في غير محله، نظراً إلى أن استخدام الحروف الساكنة يشكل وسيلة في تضمين معلومات إضافية داخل الإشارة الصوتية، علاوة على أنه يميز الكلام واللغة البشريين عن أنماط التواصل الموجودة لدى جميع [الأنواع الحيوانية المُسماة] “الرئيسيات” primates الأخرى تقريباً”. وأضاف كوام، “يشكل تركز دراستنا على ذلك الأمر، جانباً مشوقاً حقاً من البحث، كذلك يُعد مقترحاً جديداً في ما يتعلق بالقدرات اللغوية التي تمتع بها أسلافنا الأحفوريون”.

أُخذت تلك الحفريات من موقع “أتابويركا” التاريخي، القريب من مدينة بورغوس في شمال إسبانيا، حيث عُثر على الدليل الأقدم الذي يؤكد وجود البشر في أوروبا الغربية. وقد اشتملت تلك البقايا على أجزاء من عظم الفك والأسنان، يرجع تاريخها إلى 1.2 مليون سنة مضت.

استطراداً، يقدم التحول في القدرات السمعية لدى الـ”نياندرتال”، مقارنةً بأسلافهم من “أتابويركا”، دعماً لأدلة أثرية تشير إلى أنماط سلوكية شديدة التعقيد، بما في ذلك تغيرات شهدتها تقنيات في شكل أدوات حجرية واستخدام النار.

بالنسبة إلى إغناسيو مارتينيز من “جامعة القلعة” الإسبانية، “تبعث هذه النتائج على رضا بالغ”.

“نعتقد، أننا، بعد ما يربو على قرن من البحث في هذه المسألة، قدمنا إجابة قاطعة عن سؤال بشأن القدرات الكلامية التي تمتع بها ذلك النوع البدائي”، بحسب مارتينيز.

وكذلك تطرق إلى تلك النتيجة نفسها أيضاً خوان لويس أرسواغا، أستاذ علم الحفريات في “جامعة كومبلوتنسي” Universidad Complutense de Madrid في مدريد والمدير المشارك لعمليات التنقيب في مواقع “أتابويركا”. وقد أعرب عن اعتقاده بإن الفريق نجح في الإجابة عن سؤال ظل “طوال عقود عدة أحد الأسئلة المركزية في دراسات تطور الإنسان، ومفاده، هل وُجد الشكل البشري من التواصل، واللغة المنطوقة، لدى أي نوع آخر من أسلاف الإنسان، لا سيما “نياندرتال”؟”.

نُشرت الدراسة، المعنونة “النياندرتال والإنسان الحديث امتلكا قدرات سمعية وكلامية مماثلة”، في مجلة ” نيتشر إيكولوجي أند إيفوليوشن” Nature Ecology and Evolution [التي تُعنى بالبيئة وتطور الأنواع الحية].