بقلم: فرانسوا بروسو (صحيفة “لو دفواغ- ” le devoir الكندية, الناطق باللغة الفرنسية- ترجمة:أسماء بجاش, الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”)

في بداية فبراير 2021، أعلن الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن سحب الولايات المتحدة الدعم الذي تقدمه للحرب القاتلة التي تشنها المملكة العربية السعودية على جارتها الجنوبية اليمن منذ أواخر مارس من العام 2015.

وأضاف, أن “هذه الحرب يجب أن تتوقف” وذلك من خلال إنهاء الدعم الاستراتيجي الذي تقدمه الإدارة الأمريكية للرياض المنضوية تحت رايتها دول التحالف العربي العسكري, ومبيعات ما يسمى بالذخائر “الدقيقة” – التي تسببت على الرغم من “دقتها” وربما بسببها- في معاناة لا توصف للسكان المدنيين في هذا البلد.

كان دونالد ترامب قد زاد من هذه المساعدات ــ والذي أطلق عليه اسم “عدم التدخل” في المؤسسة العسكرية، في حين نستطيع أن نجد أمثلة عديدة على العكس من ذلك والذي أكد على أنه دعم غير مشروط وحماسي للدكتاتورية السعودية.

وبعد ثلاثة أسابيع، عملت حكومة بايدن على ضرب هذه النقطة وذلك من خلال نشر تقرير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية – CIA  الذي يقول إن ولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان، كان بلا شك من يقف وراء عملية اغتيال الصحفي جمال خاشقجي مطلع أكتوبر 2018 في القنصلية السعودية في مدينة إسطنبول التركية.

ولكن هل تبشر هاتين البادرتين القويتان بنقطة تحول جديدة في العلاقة التي تربط  الولايات المتحدة الأمريكية مع شركائها في منطقة الخليج الفارسي والأهم من ذلك، مع النظام السعودي؟

من الممكن لأنه بعيداً عن الطفرة “الأخلاقية” المتقلبة في العلاقة التي اتسمت على نحو منهجي لما يقرب من سبعة عقود بالسخرية الاقتصادية والجيوستراتيجية والسياسية الكبيرة، واليوم هناك أسباب بنيوية قادرة على تغيير هذه العلاقة بصورة جذرية.

كان اتفاق كوينسي* التاريخي بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية بمثابة اتفاقا مع الشيطان.

ففي جوهره: أشتري منكم نفطكم الذي أحتاجه بكل تأكيد، وفي المقابل أحميكم استراتيجياً من خلال تزويدكم بالأسلحة بشكل غير محدود، وأغض الطرف عن الدكتاتورية الإسلامية، والنظام الملكي المطلق، والحروب الظالمة، والأيدي المقطوعة للصوص، والنساء المحجبات، والمعارضين المقتولين على أي حال”.

لم تعد هذه الاتفاقية قابلة للاستمرار في العام 2021, فحتى بداية القرن الحادي والعشرين، كان ما يقرب من ثلث النفط المستهلك في الولايات المتحدة الأمريكية يأتي من منطقة الخليج الفارسي.

واليوم، تنتج الولايات المتحدة نفس القدر من النفط الذي تحصل عليه من الخارج، ولا يأتي سوى 13% فقط من هذا النفط من دول الخليج.

والآن, تشتري الولايات المتحدة المزيد من النفط… من المكسيك أكثر من ما تشتريه من النظام السعودي!

وهذا ناهيك عن الانحدار والانخفاض المبرمج والمخطط له في مجال الهيدروكربونات في معادلة الطاقة في الأعوام المقبلة, حيث تعتبر الأولوية الإستراتيجية لجو بايدن الداعم الكبير للطاقات الخضراء.

ومن ناحية أخرى، فقد تغيرت المعادلة العسكرية بشكل أساسي أيضاً, حيث كان التحالف مع النظام السعودي، الذي تم تشكيله في عهد الاتحاد السوفيتي، يهدف إلى مواجهة الأعداء الذين لم يعودوا موجودين.

وعلى الجانب الأخلاقي، لا تزال الازدواجية بالتأكيد حاضرة جداً من خلال الدبلوماسية، ولكن بعض الأمور لم تعد تمر الآن: حتى أن محمد بن سلمان الذي يدعو إلى التحديث والإصلاحات المجتمعية “منافقاً”.

وبعد ذلك هناك مسألة إيران, حيث تجسد السعودية والرياض خطا متشددا ضد إيران, ولكن هذا الخط له خصومه في واشنطن, حيث يتعين عليهم أن يفسحوا المجال لمحاولة إعادة إدماج طهران في الدبلوماسية العالمية، من خلال إعادة إطلاق العنان للمناقشات بشأن الوجود النووي والاستراتيجي لإيران في المنطقة.

اليوم، هل سيؤدي سخط جو بايدن الصادق من الحرب في اليمن واغتيال الدولة إلى الانفصال؟

دعونا لا نتسرع في العمل, نظراً لكون التعقيدات القديمة صعبة للغاية, فبعد الكشف عن وجود 15 من الإرهابيين السعوديين من أصل 19 شخص من مرتكبي أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001, لم يهز هذا التحالف.

واليوم، جماعات الضغط نشطة, وفي مواجهة إيران باعتبارها العدو المطلق، حيث أصبحت إسرائيل والسعودية (إلى جانب البحرين والإمارات العربية المتحدة) حلفاء بحكم الأمر الواقع.

أعقب نشر “تقرير” المخابرات الأمريكية الشهير, بيان لوزير الخارجية أنتوني بلنيكن، الذي قال فيه أساسا “إعادة تقويم: نعم، تمزق: لا”.

وبعد ذلك، حتى بعد ذلك الإخطار السري الصريح من جهاز المخابرات حول الذنب القاتل لمحمد بن سلمان، لم يتخذ أي إجراء- باستثناء رفض الرئيس جو بايدن، يوم الخميس الماضي الحديث معه عبر الهاتف.

لذا كن حذراً, فالمقاومة قوية, لكن الصفائح التكوينية تتحرك، بشكل لا يوصف.

*فرانسوا بروسو: كاتب عمود مختص في الشؤون الدولية في راديو كندا الدولي.

* اتفاق كوينسي تم التوصل إليه في 14 فبراير 1945 وذلك على متن الطراد يو أس أس كوينسي, بين الملك عبد العزيز آل سعود مؤسس المملكة العربية السعودية والرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت.

*  المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر وبالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع