مجلة أمريكية: روسيا لن تكرر السيناريو “المهين” في عهد غورباتشوف
السياسية – رصد:
سلط تقرير لمجلة “American National Interest” الضوء على مخاوف واشنطن من روسيا ومستقبل العلاقات، منوها بأن العديد من الروس لا يرغبون في رؤية تكرار للسيناريو “المهين” في عهد غورباتشوف.
وقال دميتري سايمز، الناشر والرئيس التنفيذي للمجلة، في مقاله، إن روسيا هي خصم حازم للولايات المتحدة، إذ تعتقد حكومة بوتين، التي أعادت بناء الجيش، أن واشنطن تقود مسعى عدائيا يهدف إلى تقويض مواقفها الدولية واستقرارها الداخلي، هذا التصميم على المقاومة وتحدي أمريكا يخفف من رغبة موسكو في علاقة بناءة أكثر مع الجانب الأمريكي، على عكس عهد الاتحاد السوفيتي.
ولفت المحلل إلى أن مستقبل العلاقات الأمريكية الروسية هو خيار أمريكا إلى حد كبير، وسيعتمد على مدى دقة تعريف إدارة بايدن لمصالحها الأساسية، فإذا لم تستطع الولايات المتحدة قبول أي شيء أقل من الهيمنة التي لا جدال فيها، فإن روسيا ستثبت بلا شك أنها عائق خطير، وعلى استعداد لتحديه.
وتابع الناشر قائلا إن روسيا مع ذلك تظل دولة مهمة لأمريكا، وبمعيار أساسي واحد، الدولة الأكثر أهمية: إنها الدولة الوحيدة القادرة على تدمير الولايات المتحدة فعليا (physically)، ولكن سينتهي ذلك إلى تدمير روسيا أيضا، إذ أن التاريخ يقدم أمثلة وفيرة من القادة الذين تسببوا عن غير قصد في كوارث مثل الحرب العالمية الأولى.
وكقوة اقتصادية، من الواضح أن روسيا ليست في نفس المجموعة مع الولايات المتحدة والصين، ولكن لا ينبغي استبعاد قدراتها. إذ يحتل اقتصادها المرتبة الحادية عشرة في العالم من حيث الناتج المحلي الإجمالي، ومن حيث القوة الشرائية، التي يعتبرها العديد من الاقتصاديين مؤشرا أكثر موثوقية، فهي تحتل المرتبة السادسة بعد الصين والولايات المتحدة والهند واليابان وألمانيا. وبينما تشتهر روسيا باعتمادها المفرط على صادرات الطاقة، فإن تقدمها المتنوع في التكنولوجيا العسكرية والفضاء والقدرات السيبرانية، ومؤخرا لقاحات كوفيد 19، تثبت أنها دولة متقدمة ناهيك عن الثقافة والقوى العاملة المتعلمة فيها تعليما عاليا.
ولعل الأهم من ذلك هو دور الكرملين كموازن جيوسياسي في المنافسة بين الصين والغرب، إذ أن شعور بكين بأن موسكو تساند ظهرها من المرجح أن يشجع الصين ويجعلها أكثر حزما من الناحية الجيوسياسية ضد الولايات المتحدة وحلفائها.
ولفت الكاتب إلى أنه بعد محاولات موسكو “الفاشلة” لأن تصبح شريكا صغيرا للولايات المتحدة في التسعينيات، أصبح السلوك الدولي الروسي صريحا وواضحا بشكل متزايد في القرن الجديد تحت قيادة الرئيس فلاديمير بوتين.
“إذن ما هي أهداف الولايات المتحدة في التعامل مع روسيا؟”، يقول الناشر، إنه إذا قامت أمريكا بمحاولة أخرى للهيمنة العالمية غير المشروطة، فإن روسيا ستظل عقبة في الطريق مهما كان الأمر، ما لم تهزم عسكريا أو تنهار بالطبع. وكما يتضح من الزوال الذاتي للاتحاد السوفيتي، لا يمكن استبعاد مثل هذه النتيجة، ولكن سيكون من الامر المتهور جعلها هدفا عمليا للسياسة الخارجية الأمريكية، ما قد إلى المخاطرة بوقوع حرب أهلية في بلد به عدة آلاف من الأسلحة النووية، إضافة إلى ذلك، من المرجح أن يؤدي الضغط الذي ستمارسه هذه السياسة على روسيا إلى رد شرس وقوي من موسكو، إذ تسمح العقيدة العسكرية الروسية بالاستخدام الأول للأسلحة النووية إذا كان بقاء الدولة وقواتها المسلحة على المحك. وإذا اندلع صراع في دول البلطيق أو في شرق أوكرانيا، فمن المرجح أن تتطلب أي مشاركة واسعة النطاق لقوات الناتو قمع القيادة الروسية وقدرات الدفاع الجوي حول موسكو وسانت بطرسبرغ. لن يكون من الصعب تخيل النتيجة، وبتعمق المواجهة، يمكن للمرء بسهولة أن يتوقع بالضبط نوع الرد الروسي الذي يقلق الولايات المتحدة بالفعل على كافة الأصعدة.
ولكن يمكن لواشنطن أن تهيء مناخا يسمح بشراكة محدودة: أولا وقبل كل شيء، لتجنب صراع عسكري، وثانيا، لتجنب دفع روسيا إلى أحضان الصين.
كما لفت الكاتب إلى أن فرض العقوبات يعتبر في بعض الظروف أداة مفيدة، شريطة ألا يكون من المفترض أن تعزل روسيا وتضعفها فحسب، بل تحث على سلوك روسي أكثر مرونة. ومن الواضح أن روسيا ترغب في رفع العقوبات، أو على الأقل الحصول على تخفيف حقيقي، على أن يلاقي الغرب سلوك مرن بالمقابل من جانب موسكو، ومع ذلك، لكي ينجح هذا النهج، لا يتوقع من موسكو تقديم تنازلات كبيرة، على أمل في أن تأتي المعاملة الغربية بالمثل في وقت لاحق، هذا السيناريو مشابه لما حدث في عهد غورباتشوف. إن الإصرار على أن تكرر موسكو ما يعتبره العديد من الروس نهجا فاشلا ومهينا هو الخلط بين خلط بين المطلوب والواقع.
إذ إن العديد من الروس لا يرغبون في رؤية تكرار للسيناريو “المهين” للاتحاد السوفيتي الراحل في عهد غورباتشوف.
وفي نهاية المقال لفت الناشر إلى أنه مع ذلك، لا ينبغي المبالغة في التحدي الذي تمثله روسيا الناشئة أو المبالغة في تبسيطها. مثل معظم التحديات في التاريخ، يمكن معالجتها من خلال مزيج من القوة والإغراء.
* المصدر: روسيا اليوم
* المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب