نصر القريطي

هل حقاً عقد الأمريكان العزم على معاقبة السعودية أو على الأقل تقديم “المهفوف” محمد ابن سلمان كقربانٍ يمحون به خطاياهم أمام الرأي العام العالمي على الأقل.

تصريحات الإدارة الأمريكية منذ تولي بايدن زمام الأمور وحتى اليوم بدت وكأنها تمهد الطريق لعلاقة جديدة مع حلفاءها تقوم على ما اسمته بالالتزام بالقيم الأمريكية لكن الانتقائية الواضحة في هذه المفاعيل الجديدة تؤكد بأن المصلحة هي القيمة الأمريكية الأعلى ولا عزاء للواهمين بقيم الديمقراطية والعدالة الأمريكية الزائفة.

في السياق نقلت عدة وسائل إعلام أمريكية عن مسئولين في إدارة بايدن أن البيت الأبيض اختار عدم معاقبة ولي العهد السعودي بشكل مباشر على الرغم مما افصح عنه التقرير الذي رفعت عنه السرية بشأن جريمة تصفية المعارض السعودي البارز جمال خاشقجي.

التقرير السري الأمريكي الذي أكد بأن معاونين مباشرين لابن سلمان قادوا عملية اغتيال خاشقجي بل وأكد بأنه من غير الممكن أن تتم هذه العملية دون علمٍ أو توجيهٍ مباشرٍ من ابن سلمان لم يشفع للضحية في بعض الانصاف الذي تستحقه ذكراه على الأقل فالقيم الأمريكية التي قررت ادارة بايدن إعلاءها لا تشمل الصدام مع الحلفاء المربحين وفق اقرارات مسئولي البيت الأبيض.

على هذا الصعيد نقلت “صحيفة نيويورك تايمز” عن مسؤول أمريكي رفيع تأكيده بأن معاقبة ولي العهد السعودي ستضع  واشنطن بموقف عدائي مع الرياض مؤكدةً أن بايدن لن يخاطر بعلاقته مع السعودية مقابل معاقبة قتلى خاشقجي.

الاسطوانة المشروخة لإعلاء قيم العدالة الأمريكية تتحطم دوماً على صخرة المصالح الأمريكية فبايدن حاله كحال ترامب ومن قبله أوباما وكل رئيسيٍ أمريكيٍ سابقٍ أو لاحق لا يمانعون من وضع أيديهم في أيدي القتلة طالما وأن المصلحة الأمريكية تقتضي مداهنة ذاك القاتل ولو كانت جريمته مشهودة ومفضوحة ولا غبار عليها.

التناقض الأمريكي الذي تبع الكشف عن التقرير السري بشأن مقتل خاشقجي لم يقتصر على استثناء ولي العهد السعودي من العقوبات المباشرة تحاشياً لخسارة علاقة الود مع المملكة لكنه ذهب ألى ابعد من ذلك بكثير.

وفقاً لما نقلته شبكة “سي إن إن” عن المتحدث باسم البيت الأبيض فإن واشنطن أعلنت بصراحةٍ أنها تريد انهاء الحرب السعودية على بلادنا لكنه أيضاً ملتزمة بحماية المملكة بل وزيادة القواعد العسكرية فيها.

هل من المنطقي أن تزيد واشنطن من قواعدها العسكرية في بلدٍ تريد اجباره على ايقاف عدوانه على بلدٍ آخر.. إنها قمة السخرية من العالم أجمع فاليد التي تصر على الامساك بالسكين للإسهام في ذبح الضحية ليس من المنطقي أنها هي من ستعمل على انقاذ الضحية حتى لو كان ذاك كصحوة ضميرٍ متأخرة.

إصرار الأمريكان على استثناء القاتل المهفوف محمد ابن سلمان من العقاب ولو على جريمة واحدة هي اغتيال مواطنه جمال خاشقجي يجعل من غير المنطقي الايمان بأن علاقات واشنطن مع الرياض ستتماشى مع قيم العدالة والحرية الأمريكية الصارخة بل إنه تناقضٌ صارخ ومفضوح بين الحقائق على الأرض والدعايات في وسائل الإعلام والمحافل الدولية.

الإشارة الأمريكية بأن واشنطن شرعت في معاقبة قتلة “خاشقجي” لكنها لن تلمس طرف ثوب ابن سلمان يجعل من مجرد التفكير في تصديق أن الأمريكان يريدون ايقاف هذه الحرب ورفع الحصار المفروض عليها نوعاً من الـ”فنتازيا” غير الواقعية فكيف بمعاقبة القتلة على جرائم الحرب التي ترتكب في بلادنا منذ ست سنين وبهمجية وبربرية لم يسبق لها مثيلٌ في التاريخ قديمه والحديث.

الحديث عن تركيز إدارة بايدن على إنهاء الصراع في اليمن كما تسميه مع التعهد باستمرار اقامة القواعد في السعودية ودعمها عسكرياً هو كمن يدعو الناس للإيمان والتقوى لكنه يرحب بهم في ملاهيه الليلية.

إعلان واشنطن عن عقوبات تشمل 76 سعودياً قيادتهم هي من الأذرع الرئيسية لابن سلمان دون أن يتم حتى توجيه توبيخٍ أمريكيٍ له على وحشيته ولا انسانيته يؤكد بأن تغيير قواعد التعامل الأمريكي مع الرياض ليس أكثر من آلية ابتزازٍ جديدة للمهفوف وأبيه تحت يافطة إعلاء قيم العدالة الأمريكية.

وفقاً لرئيس لجنة الاستخبارات بالكونجرس الأمريكي فإنه لا يكفي فرض عقوبات إذا ثبت تورط ولي العهد السعودي في جريمة قتل خاشقجي لكنه أكد أيضاً بأن واشنطن فشلت طويلا في تحميل السعودية مسؤولية تصفيته على الرغم من الاعترافات ووضوح الأدلة.

“صحيفة بوليتيكو” أكدت نقلاً عن مسئولين في وزارة الخزانة الأمريكية بأن ابن سلمان لن تتم معاقبته.. ولعل تلك هي خلاصة معادلة تطبيق العدالة على الأذيال عند اللزوم فيما تحتفظ واشنطن برأس حليفتها الأفعى الذي كانت وستظل علاقاتهما قائمةً على المصالح بعيداً عن كل ضوضاء إعلاء قيم العدالة الأمريكية.