السياسية : رصد

وليد فارس “الأمين العام للمجموعة الأطلسية النيابية”

كيف نفهم موقف إدارة جو بايدن من الصراع في اليمن، في المرحلة الحالية وفي المراحل الآتية، على ضوء ما سمعناه من مسؤوليها منذ 20 يناير (كانون الثاني)، خلال الحملة الانتخابية، وسنوات إدارتَي دونالد ترمب وباراك أوباما؟ وبالتالي كيف نستشرف موقفها من الدورين العربي والإيراني في تلك البلاد المنقسمة؟ إذا أردنا تبسيط المعقدات واستخلاص الأساسات في مقال محدود، نعود إلى ماض ليس ببعيد نربطه بحاضر يتطوّر أمام أعيننا لفهم المعادلة القائمة ومستقبلها تدريجاً.

القاعدة

بدأ اليمن يأخذ بعداً وطنياً لدى الرأي العام الأميركي، وبالتالي لدى أصحاب القرار على مرحلتين، المرحلة الأولى، بدأت بعد 11 سبتمبر (أيلول) مع توسع القاعدة في اليمن، لا سيما مع بروز نجم العولقي إثر تنظيمه عمليات إرهابية داخل الولايات المتحدة، و أدت، ما سُمي “الحرب على الارهاب” في عهد جورج بوش، إلى انطلاق عمليات عسكرية وأمنية ضدّ “القاعدة في الجزيرة العربية”، بواسطة القصف الجوي عبر الـ “درون”، أو العمليات الخاصة والبحرية، واستمرت بضرب التكفيريين (المعروفين بالجهاديين في الغرب) لعقد ونصف العقد في حرب لا هوادة فيها حتى الآن، والجدير بالذكر أنه خلال هذه المواجهة الطويلة، ضغطت اللوبيات “الإسلاموية” من إخوانية وغيرها على واشنطن كي تميّز بين القوى الإخوانية التي وُصفت بأنها “معتدلة” وتلك التي وُصفت “بالسلفية الجهادية” الداعمة للقاعدة، مع العلم أن هنالك تواصلاً بين الإثنتين.

انتفاضة الحوثيين

شاءت المفارقات بتوسع انطلاقة العمليات الحوثية، المدعومة أساساً من النظام الإيراني، ضدّ الحدود السعودية والحكومة المركزية في حوالى 2010، بعد دخول باراك أوباما البيت الأبيض في 2009، والجدير بالذكر أنه كان بعث برسالة إلى الخامنئي في يونيو (حزيران) 2009 لفتح جسر الحوار الذي أدى بعد ست سنوات إلى الاتفاق النووي مع طهران.

مع تفجّر الحرب الأهلية في اليمن منذ 2011 وسيطرة الحوثيين على صنعاء ومناطق واسعة في الشمال، حاولت إدارة أوباما الوقوف في منتصف الطريق ما بين الميليشيات المدعومة من إيران وسائر الأطراف في مختلف مناطق البلاد، ومع تكاثف الحوار بين واشنطن وطهران، عمدت الإدارة إلى عدم إغاظة القيادة الإيرانية كي لا تسقط المفاوضات، وعندما أعلنت المملكة العربية السعودية قيام تحالف عربي وإسلامي لصد الحوثيين ودعم الحكومة الشرعية، لم تبدِ الإدارة حماسة كبيرة للتدخل إلى جانب التحالف، بل آثرت الالتزام بأمن الأراضي السعودية فحسب، أما حلفاء الإدارة في الكونغرس فبدأوا بالضغط عبر مشاريع قانون لوقف العمليات العسكرية ضد الحوثيين، وخلال تلك التعقيدات السياسية كانت الثابتة الوحيدة لواشنطن استمرار العمليات ضد القاعدة.

مقاومة الحوثيين

عندما وصلت القوات المؤيدة لإيران إلى أبواب عدن، وكادت تسيطر على البلاد بكاملها، تصدت لها القوات الجنوبية ودحرتها شمالاً، وشنّ التحالف العربي سلسلة حملات لدفعها شمالاً وغرباً، وحتى بداية 2017، استمرت واشنطن على موقفها بالضغط لوقف العمليات العسكرية والإبقاء على “ستاتيسكو” في اليمن، والتوصل إلى “مؤتمر مصالحة” يضم “أنصار الله”، وضمان وجودهم في التركيبة السلطوية، وقبول الأطراف ببعضها بعضاً وانسحاب التحالف من اليمن.

سياسة 2017

مع وصول دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، طرأ تغيير في السياسة تجاه اليمن، في إطار إعادة تموضع واشنطن في الشرق الأوسط، فمنذ مشاركته في قمة الرياض في يونيو 2017، حضّ ترمب قيادات أكثر من 50 زعيماً عربياً ومسلماً على “مواجهة الإرهابيين بمن فيهم القاعدة وداعش، وإخراجهم من تلك الدول، والتصدي للنظام الإيراني وميليشياته في المنطقة”، ما عنى بخصوص اليمن دعماً أميركياً للحكومة الشرعية، والمقاومة الجنوبية والتحالف العربي بقيادة السعودية، في مواجهة الميليشيات الحوثية، مع إبقاء مكافحة التكفيريين سياسة دائمة، فتبدلت المواقف إذ وفّر البنتاغون دعماً لوجستياً لعمليات التحالف، وصّعد وزير الخارجية مايك بومبيو لهجة الولايات المتحدة ضد “التدخل الإيراني” في اليمن، وتم تشديد الحصار البحري على الميليشيات الحوثية.

سياسة ترمب تجاه اليمن

سياسة إدارة ترمب وضعت اليمن تحت إطار “التحالف العالمي لمواجهة خطر إيران”، وأعطت الضوء الأخضر للسعودية، وحلفائها في الإمارات والبحرين والحكومة اليمنية لمواجهة الحوثيين والضغط عليهم ميدانياً للتراجع إلى مناطقهم والقبول بتفاوض حول يمنٍ خال من الميليشيات، كما عززت واشنطن تحالفها مع الرياض عسكرياً لمواجهة الميليشيات الإيرانية في العراق وسوريا وصولاً إلى ضرب قيادتها العليا.

إلا أن إدارة ترمب تعرّضت إلى ضغوطات كبيرة داخلية من قبل اللوبي الإيراني وحلفائه في مجمع المصالح المرتبطة بالاتفاق النووي، فبين قمة الرياض في 2017 حتى انتهاء تحقيق مولر في 2019، لم تتمكن المجموعة العاملة على الملفين الإيراني واليمني من التقدم أكثر مما كان متوقعاً منذ بداية العهد، إذ إن تحقيق مولر الذي أضاع أكثر من سنتين من عمر رئاسة ترمب من ناحية، وضغط المعارضة (منذ 2019 باتت أكثرية في مجلس النواب) على ملف دور التحالف في اليمن من ناحية ثانية، خلطا الأوراق في واشنطن حيال الموقف من اليمن.

أضف إلى ذلك المواجهات بين قوات الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي في الجنوب، وهو ما أربك معادلات الحسم، حتى أنهته السعودية  عبر “اتفاق الرياض” في 2019.

لهذا، فإن إدارة ترمب، على الرغم من جهودها ضد الدور الإيراني في المنطقة ككل، لم تحسم الوضع في اليمن لمصلحة الدولة والتحالف. هل أرادت التركيز على اليمن والحوثيين في فترة رئاسية ثانية؟ ربما، لكن المفارقة أن إدارته وضعت الحوثيين على لائحة الإرهاب في الأسابيع الأخيرة للرئاسة، مع ما عنى ذلك أنها لن تطبق بدقة أو حتى إطلاقاً، وقد اعتقد الكثيرون وقتها أن فريق بايدن لن يتمكن من إزالة هذا التصنيف بسرعة، واعترضتُ على هذا التحليل وقتها، لقناعتي أن إدارة بايدن ستغير السياسة الأميركية برمتها حيال اليمن.

سياسة بايدن واليمن

بتلخيص أولي بات واضحاً، وعلى الرغم من فوارق قد تنمو مع الوقت، أن سياسة بايدن الخارجية هي نفسها سياسة أوباما مع مسافة الوقت والظروف، وينطبق ذلك على ملف اليمن حيث يحاول فريق بايدن العودة إلى الوراء بتدرج وتأن.

انطلقت الخارجية ومجلس الأمن القومي فور تسلم فريق بايدن البيت الأبيض إلى التأكيد أن واشنطن “لها علاقة تاريخية ثابتة مع السعودية”، وأن تغيير السياسة تجاه اليمن لن يمسّ بها، وهذا صحيح، فالبيت الأبيض والإدارة لا يهدفان إلى تغيير العلاقة مع الرياض، ولكن يريدان تغيير سياستها في اليمن.

إذاً، الطمأنة الأولى للسعودية كانت أن واشنطن ستقف معها “إذا أطلق الحوثيون صواريخ صوب أراضيها”، وفي الوقت نفسه، تقريباً، أعلنت إدارة بايدن أنها ستجمد بعض المعدات العسكرية، بما فيها ذخائر ذكية، المشتراة لها “بهدف مراجعة القرارات التنفيذية للإدارة السابقة”، أضف إلى ذلك، ضجة من حلفاء الإدارة في الكونغرس، من مؤيدي العودة السريعة إلى الاتفاق مع إيران لإصدار مشروع قانون “يدعو إلى وقف التدخل الخارجي في اليمن”.

في أوساط الإدارة كلام عن حلّ الأزمة عبر حوار وطني ينتهي “بحكومة وحدة وطنية” تضمّ الحوثيين وكل الأطراف، كما أسلفنا في مقالات سابقة.

لكن بعد مرور بضعة أسابيع على تولي فريق الرئيس بايدن السلطة، تتوضح صورة ما تريده هذه الإدارة الآن، وليس بالضرورة بعد عام، في ملف اليمن.

أولاً، تريد الحفاظ على العلاقة الثنائية الجيدة مع الرياض، ليس فحسب بسبب العلاقات التاريخية، بل لأن الرياض تحولت، منذ خمس سنوات ركناً أساسياً من الأمن الإقليمي، وقوة موازنة لإيران.

ثانياً، أي حل للأزمة لا يمكن أن يتجسّد، من دون شراكة مع السعوديين، فإذا أرادت إدارة بايدن أن تنجز حلاً في اليمن، فالمرور عبرهم إجباري.

ثالثاً، تتصاعد الضغوطات على البيت الأبيض، من دول أوروبية وكتلة مصالح الاتفاق النووي، لإيجاد حل للأزمة.

رابعاً، تحاول طهران الاستفادة من المعادلة وتصعّد لتصل إلى “ثمن أفضل” في التسوية اليمنية.

في هذه المرحلة، تتجه إدارة بايدن إلى العودة التدريجية إلى الاتفاق، وبالتالي إرضاء القيادة الإيرانية “بشيء ما مع الحوثيين”. لكن، في الوقت نفسه، تريد طمأنة السعودية والالتزام بأمنها الوطني، وكأن البيت البيض يهمس للرياض، لا تقلقوا، نحن إلى جانبكم دائماً لكن دعونا نهندس الإخراج، وكأنهم يهمسون لطهران أيضاً، إهدأي، سيكون هناك مستقبل للحوثيين في اليمن، أما الآن فلنرتب العودة غير الهائجة إلى الاتفاق.

هذا في المدى القصير، والمنظور، لكن، الأمور قد تتغير في نهاية العام.

المصدر : الاندبندنت

* المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع