السياسية:

منذ أن أصدر الرئيس الفلسطيني محمود عباس مرسوماً بتحديد موعد الانتخابات الفلسطينية، بدا الموقف الفتحاوي مرتبكاً من كثرة التصريحات والتصريحات المتناقضة بشأن موقف الحركة من الانتخابات، والقضايا المتعلقة بها.

آخر هذه التصريحات ما صدر عن عضو المجلس الثوري للحركة، والمتحدث باسمها عبدالفتاح حمايل، الذي قال إن الرئيس “هدد خلال اجتماع المجلس الثوري للحركة الذي عقد في 26 يناير/كانون الثاني 2021 بإطلاق النار وقتل كل من يترشح من خارج قائمة فتح”.

اقتتال داخل فتح

قبيل اجتماع الفصائل الذي ستحتضنه القاهرة الأيام القادمة، وسيحدد بدوره مستقبل الانتخابات الفلسطينية من عدمها، والآلية التي ستشارك بها الكتل السياسية، جاءت تصريحات عبدالفتاح حمايل، عضو المجلس الثوري لحركة فتح والمتحدث باسمها بأن “المجلس الثوري وافق على توصية بقتل وإطلاق النار على كل من يترشح خارج قائمة حركة فتح في الانتخابات القادمة”.

هذه التصريحات التي أكدتها مصادر لـ”عربي بوست” فتحت الباب أمام احتمالات دخول الحركة في منعطف الاقتتال الداخلي، إذ تأتي هذه التهديدات بعد أيام قليلة فقط من إعلان مروان البرغوثي، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح والمعتقل في السجون الإسرائيلية، نيته الترشح للانتخابات الرئاسية الفلسطينية، وهو ما من شأنه أن يشتت أصوات الحركة، ويضعف من موقفها في الانتخابات القادمة.

ويتزامن تصريح الرئيس الفلسطيني محمود عباس في ظل عدم إجماع فتح على مرشحها لخوض سباق الرئاسة في الانتخابات الفلسطينية، فبعد أن أعلن رئيس الوزراء محمد اشتية أن عباس هو من سيمثل الحركة في سباق الانتخابات الرئاسية، نفى عباس زكي عضو لجنتها المركزية وجود اتفاق نهائي حول المرشح الذي سينافس في الانتخابات.

ونقيض تصريحات حمايل كشف تيسير نصر الله، عضو المجلس الثوري لحركة فتح، لـ”عربي بوست” أن “التصريحات المنسوبة للرئيس محمود عباس حرفت عن سياقها، لأنه في اجتماع المجلس الثوري لم يطلق تصريحات بهذا العنف، بل كان خطابه يتسم بالوحدة، وما جاء من تصريحات نقلها حمايل سيتم النظر بها من خلال الحركة التي لها الحق باتخاذ الإجراء القانوني والإداري في حال كان حديثه يحمل سياقات تضر بصورة الحركة قبيل الانتخابات القادمة”.

أما الوزير السابق حاتم عبد القادر، أحد المعارضين لسياسة الرئيس محمود عباس والمقرب من مروان البرغوثي، فصرح لـ”عربي بوست”: “نحن أمام تحدٍّ تاريخي لم تشهده فتح منذ سنوات، فما تعيشه الحركة الآن من ضعف بموقفه، وتفكك بنيتها التنظيمية هو نتاج لسياسات الإقصاء التي مارسها الرئيس محمود عباس خلال سنوات بحق أبنائها، كما أن الحركة لم تشهد استقطاباً حاداً بهذا الشكل الذي نشهده الآن”.

وأضاف المتحدث: “نحن نقف مع الرئيس كونه يمثل الشرعية الفلسطينية، ونمد أيدينا للوحدة سواء في الوحدة التنظيمية أو الانتخابات القادمة، لكن ذلك يتوقف عند الشروط التي ستُحددها اللجنة المركزية لاختيار ممثليها في حال شملت أبناء الحركة، وكافة تياراتها، أو خضعت لإقصاء لأسماء محددة، فسيكون لنا موقف آخر”.

تصريحات عباس قبل الانتخابات الفلسطينية

اعتاد الرئيس الفلسطيني محمود عباس استخدام تصريحات نارية بهذا الشكل؛ لأن سياسته في التعامل مع معارضيه قامت على مبدأ التهديد بقطع الرواتب، والفصل من الحركة، لكن الوصول لهذا المستوى العدواني نابع بالضرورة من حجم الضغط الذي يعيشه.

إياد القرا، رئيس التحرير السابق لـ”صحيفة فلسطين” اليومية من غزة، قال لـ”عربي بوست”: “إن الصراع الدائر داخل حركة فتح لم يعد صراعاً بين دحلان وعباس، بل صراعاً متعدد الأقطاب، فالقيادات الثلاث في اللجنة المركزية (البرغوثي، الرجوب، العالول) تتحضر منذ سنوات لمعركة الخلافة، فالوصول لزعامة الحركة يمهد الطريق لرئاسة السلطة كون المنافس الخارجي الأول لفتح والمتمثل بحركة حماس لم يبدِ استعداداً بعد للمنافسة على كرسي الرئاسة”.

وأضاف المتحدث: “نحن أمام مجموعة من السيناريوهات، أولها استمرار الرئيس محمود عباس بسياسة إقصاء منتقديه وعزلهم، ولو وصل الأمر إلى حد الاغتيالات السياسية، ما يعني إقبال الساحة على مشهد دموي سيكون له ما بعده، أما السيناريو الثاني فهو رضوخ الرئيس لشروط معارضيه، وضمهم لقائمة الحركة مثل دحلان والبرغوثي، ومنحهم أولوية على رأس القائمة، ما يعني فتح صراع مع الرجوب والعالول”.

إقصاءات الرئيس

ومنذ أن تولى محمود عباس هرم السلطة وزعامة حركة فتح سنة 2005، تعامل بإقصاء واضح للتيارات المعارضة له من داخل الحركة وخارجها، بدءاً من إزاحة الحرس القديم المحسوبين على الرئيس السابق ياسر عرفات، والعمل على إبعادهم، وتهميشهم من المشهد السياسي وصناعة القرار.

إقصاءات الرئيس تمددت إلى ظهور بوادر انشقاق بين عباس وغريمه الأول محمد دحلان، هذا الأخير الذي فُصل من عضوية اللجنة المركزية للحركة منتصف 2011، ثم أُصدر بحقه قراراً بالملاحقة القضائية في 2016 بتهم تتعلق بالفساد والرشوة واستغلال النفوذ.

من جهته أسس دحلان جسماً تنظيمياً مستقلاً عن فتح تحت مسمى التيار الإصلاحي الديمقراطي، وعمل على استقطاب أصوات وقيادات الحركة التاريخية، واستطاع الاستحواذ على ثلث نواب كتلة فتح البرلمانية بـ16 نائباً، والعشرات من قيادات المجلس الثوري والقيادات المركزية التي خضعت لتهميش وإقصاء من قبل الرئيس.

وفي المشهد الحالي، بات المشهد معرضاً لتفكك أكبر، فتيارات الحركة منقسمة بين تيار يقود عباس ودحلان والبرغوثي، وتيارات موازية في اللجنة المركزية يقودها محمود العالول، وجبريل الرجوب وحسين الشيخ.

الخلافات الحادة التي تشهدها فتح في هذا التوقيت تعيد تكرار تجربة 2003 حينما قاد دحلان احتجاجات ضد الرئيس السابق عرفات، وحاول الإطاحة به من خلال تجييش أبناء الأجهزة الأمنية ضد عرفات، وصلت إلى حد الإعدامات الميدانية لقيادات الطرفين.

ذو الفقار سويرجو، الكاتب والمحلل السياسي قال لـ”عربي بوست” إن “المشهد الفتحاوي الداخلي يفتح الباب أمام احتمالات خطيرة على مستقبل الحركة، والنظام السياسي الفلسطيني برمته، فتيارات الحركة تجيش نفسها لمعركة الخلافة، اعتقاداً منها أنها آخر انتخابات قد تشهدها الأراضي الفلسطينية في حقبة عباس، وفي حال لم تحظَ بمكاسب سياسية ووظيفية تناسب تطلعاتها قد نشهد تكرار لتجربة 2003”.

وأضاف المتحدث أن “عباس يشعر بضغط خارجي قوي دفعه لاتخاذ قرار الانتخابات، لكنه لم يكن مدروساً بالشكل الكافي، إذ إن مفاجأة البرغوثي ودحلان ستربك مشهد الانتخابات الفلسطينية، وتخلط الأوراق، وقد تطيح بما يخطط عباس لتنفيذه، لذلك كان التصريح نارياً، ولم نعتد عليه من قبله”.

وتابع المتحدث: “أما السيناريو الثالث فهو قيام الرئيس بإرجاء موعد الانتخابات الرئاسية، والاكتفاء بانتخابات المجلس التشريعي والمجلس الوطني إلى حين ترتيب البيت الفتحاوي، وهذا سيُبقي النظام السياسي الفلسطيني مشلولاً، كون موقع الرئاسة الفلسطينية سيبقى فاقداً للشرعية”.

* موقع عربي بوست