بقلم: قاسم معدي

(موقع ” كخونيك بلاستين– “chronique palestine الفلسطيني, النسخة الفرنسية- ترجمة: أسماء بجاش-سبأ)

يمكن للمرء أن يأمل في الأفضل وأن يتمنى السلام العالمي في العام الجديد, من فريق السياسة الخارجية لإدارة الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن.

احتفل الديمقراطيون بانتخاب بايدن, حيث ينظر إليه على أن فترة حكمة قد تبشر بالعودة إلى العقل في السياسة الأميركية الخارجية.

والواقع أن سياسة ترامب الخارجية المتمثلة في الانسحاب من اتفاقيات التعاون الدولي، وتعزيز العداوات، وتصعيد التوترات مع الصين وكوريا الشمالية وإيران، أعطت بقية العالم الأمل في أن الرئيس الأمريكي المقبل لن يبدأ حرباً جديدة.

من المفارقات أن ترامب لم يتسبب في أي منها, رغم أنه كان قريبا جدا من ذلك بعد عملية اغتيال الجنرال قاسم سليماني، فإن سياسته في العالم وفي منطقة الشرق الأوسط على وجه الخصوص كانت سياسة انسحاب سياسية وعسكرية على حد سواء.

ومن ناحية أخرى فإن سجل أوباما، على العكس من ذلك، يشوبه قدر عظيم من العدوانية.

وذلك من خلال برنامجه وعملياته بدون طيار في كلاً من: باكستان وأفغانستان والعراق وسوريا وليبيا والصومال واليمن وأفريقيا وجنوب الصحراء الكبرى، حيث أشرف أوباما على هجمات جوية أكثر بعشرة أضعاف من تلك التي أشرف عليها الرئيس جورج دبليو بوش، إذ أسقط 26171 قنبلة في العام 2016 وحده, قتل على أثرها المئات من المدنيين.

وعلى نفس المنوال، نلاحظ تدمير ليبيا والمشاركة الواسعة النطاق في تدمير سوريا, وهما عمليتان عسكريتان مسؤولتان إلى حد كبير عن أزمة اللاجئين في العام 2015.

ولكن أوباما لم يكن وحده, حيث ساعده في ذلك فريق رفيع المستوى: وزيري الدفاع المتعاقبان روبرت غيتس وتشاك هاجل، ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون، ونائبه في ذلك الوقت الرئيس المنتخب الآن جو بايدن.

قدم في وزارة الدفاع والأخرى في صناعة الأسلحة:

انتهى بايدن الآن من اختيار فريقه الخاص، وفيما يتعلق بالسلام العالمي، فإن هذا الخيار لا يبدو واعدا للغاية.

أولاً, اختار الرئيس بايدن, الجنرال لويد أوستن – أحد أعضاء مجلس إدارة شركة “رايثيون تكنولوجيز -Raytheon Technologies” وهي شركة عملاقة مصنعة للأسلحة لديها عقود ضخمة مع البنتاغون- وزيراً للدفاع.

وحتى أكتوبر الماضي، كان أوستن يملك أسهماً ما قيمته نصف مليون دولار في شركة “رايثيون تكنولوجيز”، وهي أيضاً تعتبر واحدة من أكبر موردي الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية التي تقصف اليمن بشكلٍ مكثف منذ أواخر مارس من العام 2015.

لقد دمرت هذه الحرب اليمن, حيث تسببت في خلق أزمة إنسانية خطيرة، ناهيك عن جرائم الحرب التي لا حصر لها التي ارتكبها السعوديون ضد المدنيين.

إن تعيين أوستن في هذا المنصب لا يضعه في تضارب في المصالح فحسب، بل يقلل بشكل كبير من فرص إنهاء الحرب السعودية في اليمن.

مستشار لشؤون القنابل والسياسة المعادية لروسيا:

وفي سياق مماثل، اختار الرئيس بايدن, جيك سوليفان مستشاراً للأمن القومي, حيث  كان سوليفان يعمل مستشار هيلاري كلينتون عندما شغلت منصب وزيرة للخارجية خلال فترة إدارة أوباما.

كما وقد ضغط من أجل تدخل الولايات المتحدة في ليبيا, كما أيد أيضاً التدخل في سوريا.

وفي مذكراته “الخيارات الصعبة”، كتبت هيلاري كلينتون عن سوليفان: “كان دائماً إلى جانبي”.

لكنه لا يعطي نصيحته للمسؤولين الأمريكيين مثل كلينتون, فهو أيضا عضو في “التحالف من أجل أمن الديمقراطية” وهي مؤسسة فكرية وبحثية عبر الأطلسي ومناهضة لروسيا, كما تقوم بحملات ضد الروبوتات الروسية وما يعتبره دعاية روسية ضد الديمقراطيات الغربية.

والآن سوف يتمكن من الهمس في أذن بايدن بتوصياته العدوانية المناهضة لروسيا.

الطائرات بدون طيار والتستر على التعذيب وأموال صناعة الأسلحة:

ثم تأتي أفريل هاينز التي اختارها بايدن لمنصب مدير الاستخبارات الوطنية, عملت هاينز – التي بدأت حياتها المهنية بإنشاء محل لبيع الكتب ومقهى- في الحكومة في سن مبكرة.

وفي أكثر من عقد من الزمان بقليل، أصبحت نائبة مدير وكالة الاستخبارات المركزية في عهد الرئيس الأسبق أوباما، حيث عملت على وضع الإطار القانوني لبرنامج أوباما للطائرات بدون طيار والذي أسفر عن مقتل مئات من المدنيين.

تم تكليفها في العام 2015، بإعداد تقرير, ما إذا كان موظفو وكالة الاستخبارات المركزية سيعاقبون على عملية اختراق أجهزة الكمبيوتر الخاصة بمجلس الشيوخ وتدمير الأدلة على التعذيب في الولايات المتحدة, في الوقت الذي كان فيه مجلس الشيوخ يعمل على إعداد تقريره عن التعذيب, كما قررت هينز أنه لا ينبغي معاقبتهم، ونظمت حماية الأفراد المعنيين.

كما شغلت أيضا منصب مستشار لشركة “بالانتير تكنولوجيز-Palantir “Technology  وهي شركة مختصة بتعدين بيانات متهمة بمساعدة إدارة الرئيس السابق ترامب في تنفيذ برنامج احتجاز المهاجرين سيئة السمعة.

وهي عضو مجلس إدارة مركز الأمن الأمريكي الجديد – مركز ابحاث في مجال السياسات الأمنية والدفاعية، يتلقى تمويله من قبل شركات الأسلحة الكبرى مثل “لوكهيد مارتن- Lokheed Martin” و”نورثروب غرومان-Northrop “Grumman.

بيع الحرب في مجلس الشيوخ وإمدادات الحرب إلى وزارة الدفاع الأمريكية:

ولكن الأكثر إثارة للقلق بين كل تلك التعيينات التي عقدها بايدن هو تعيين وزير الخارجية، أنتوني بلنكين، الذي شغل منصب مساعد وزير الخارجية في عهد أوباما.

فهو ليس مؤيداً قوياً للتدخل العسكري في ليبيا وسوريا فحسب، بل إنه أثنى أيضاً على الحملة السعودية في اليمن, على الرغم من كل جرائم الحرب والأزمة الإنسانية التي ما زالت مستمرة.

يعود حماس بلينكن للعمليات العسكرية في الخارج إلى العام 2003 على الأقل, ففي ذلك العام، كان بلينكين يعمل مستشار السياسة الخارجية السيناتور جو بايدن عندما صوت لصالح الحرب في العراق.

وفي ذلك الوقت، لعب بلينكن دورا رئيسيا في تأمين الدعم لحرب الديمقراطيين في مجلس الشيوخ.

واليوم، يعتبر أنتوني بلينكن واحد من المساهمين المؤسسين للشركة ” ويست إي زك للاستشارات- “WestExec Advisors التي تم إنشاؤها في العام 2017.

تقدم الشركة، وفقاً لموقعها الإلكتروني “خبرة جيوسياسية وسياسية فريدة لمساعدة قادة الأعمال على اتخاذ أفضل القرارات في بيئة دولية معقدة وغير مستقرة” وذلك باستخدام: “شبكات الامتياز في مجالات الدفاع والسياسة الخارجية والاستخبارات والاقتصاد والأمن السيبراني وسرية البيانات والاتصالات الاستراتيجية”.

وهذا يعني بشكلٍ واضح وصريح، وفقاً لمشروع الرقابة الحكومية: “مساعدة شركات الدفاع على تسويق منتجاتها إلى وزارة الدفاع “البنتاجون” والوكالات الأخرى”.

كما تقدم “ويست إي زك” خدمات استشارية إلى مجموعة متنوعة من العملاء الذين توقع معهم الشركة اتفاقات عدم الإفشاء والبعض من زبائنها ما زالوا معروفين.

ومن بينهم شركة “شيلد – Shield AI” ، وهي شركة إسرائيلية للذكاء الاصطناعي ومراقبة الطائرات بدون طيار.

وهذا الأمر أكثر أهمية لأن بايدن كان دائماً مؤيداً لتقديم المساعدات العسكرية لإسرائيل وتعهد بمواصلتها.

فريق التدخل:

وبشكلٍ عام، يتميز فريق السياسة الخارجية الجديد في إدارة الرئيس بايدن بمزيج من الرؤى التدخلية والعسكرية المتطرفة، وممارسة الضغط على مبيعات الأسلحة، وتضارب المصالح، والتواطؤ بين مختلف القطاعات العامة والخاصة في تجارة الحرب.

وفي الوقت الذي يهرع فيه الديمقراطيون إلى طي صفحة فترة إدارة ترامب التي اتسمت بالانسحاب الاستراتيجي، بما في ذلك الانسحاب العسكري من منطقة الشرق الأوسط، يبدو أن بايدن قد جمع فريقاً لمواجهة أثار انسحاب ترامب، بتريقه الدقيق: المزيد من التدخل.

إن التدخل الذي أثبت أنه مدمر وكارثي لملايين الناس, من ليبيا إلى أفغانستان إلى فلسطين، وكل تدخل خارجي أميركي يخلف وراءه تعاقباً متواتراً للمدن والقرى التي أصبحت مجرد بقايا وأنقاض وحطام لما دمرته النيران, حيث لم يكن لهذه الأنقاض الوقت الكافي لتهدأ قبل وصول البعثة القادمة.

* المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.