بسام أبو شريف*

هزيمة اسرائيل أصبحت أقرب بنسبة تتوازى مع انتشارها ، وتمددها في المنطقة خاصة عند “البوابة الخلفية ” ، كما سمى ترامب ” منطقة الخليج واليمن والسودان ” .

إذ ستجد اسرائيل نفسها مضطرة ( ان هي أرادت أن تنفذ المخطط الاستراتيجي الاميركي في الشرق الأوسط ) للانغماس بشكل متدرج في صراع لايمكن لها أن تخوضه دون كسر القاعدة الأساسية ، وهي ” عدم استعداد اسرائيل لبذل الدم اليهودي دفاعا عن أنظمة خليجية تحتقرها اسرائيل ، أو لاتحترمها ، وستظهر للعيان أن اسطورة الجيش الذي لايقهر ماهي الاقصص مفبركة عن بطولات ادعتها اسرائيل في حروب شنتها القوى الامبريالية الكبرى ، وعلى رأسها الولايات المتحدة الاميركية ، فالشعوب ستقاوم كما يفعل الشعب العربي البطل في اليمن ، وسينكشف بأن عروش الحلفاء من دول الخليج ، والجزيرة ماهي الا عروش من قش ، أو قصب في أحسن الأحوال ، وستغرق اسرائيل في الوحل السميك كما غرقت قوات واشنطن والناتو في افغانستان ، وهذا سيؤدي الى هزيمة اسرائيل كما هزم النازيون في برلين بعد أن غطسوا في وحل اوروبا ، التي سيطروا عليها هذا اذا لم يقع طرف قوي من محور المقاومة في شباك المجموعة الصهيونية ” الخبيثة ” ، التي دخلت البيت الأبيض لتحل محل الصهيوني الصريح ترامب .

خطاب الوداع الذي سجله دونالد ترامب ، وبث بعد خروجه من البيت الأبيض ، وقبل تنصيب بايدن بدقائق ليس خطاب وداع … بل هو خطاب وعد للاميركيين الذين صوتوا له …. وعد بأنهم سيعودون لسدة الحكم !! خطاب الوعد الترامبي كان خطاب قائد لتيار جارف يشكل على الأقل نصف الاميركيين ، ويرتبط سياسيا ، ومعنويا ، وفكريا مع تيارات مشابهة ، ومماثلة تعمل بنشاط ، وفاعلية في دول اوروبية عديدة ، وبشكل خاص تعمل بنشاط ، وقوة في اسرائيل أيضا .

انه تيار الفاشية العنصري المستند لما بشر به ، ونشره ، وعبأ له دونالد ترامب بصراحة ووقاحة ، وبثقة تامة من القدرة على صناعة المستقبل ، الذي ترسمه الاستراتيجية الصهيونية للسيطرة على العالم ، خطاب ترامب الذي يعد أتباعه بالنصر…. صيغ بدقة يجب معها أن تعاد قراءته أكثر من مرة ، فالخطاب تسيطر عليه نكهة المتأكد من أن من دخل البيت الأبيض ليحل مكانه لن يتمكن من السير للأمام الا على أنغام استراتيجية ترامب ، وما حققه كأمر.

ليس مهما عند ترامب أن يعيد بايدن الصلة بوكالات الأمم المتحدة طالما أن الهدف ، هو السطرة عليها من خلال أثار قرارات ترامب المعاقبة لتلك الوكالات ، وليس مهما لدى ترامب أن تعود الولايات المتحدة لاتفاقية المناخ ، وحتى لو عادت لاتفاقية السماء المفتوحة ، وجددت حيوية اتفاق سالت 1- 2– 3 ، المهم لدى ترامب ، هو استراتيجيته في الشرق الأوسط لأنها هي مفتاح السيطرة على العالم ، وليس وكالات الأمم المتحدة .

في الواقع كما ترسمه استراتيجية ترامب لوبقي ترامب في البيت الأبيض لكان استهل عمله في المكتب لبيضاوي بتوقيع القررات ، التي وقعها بايدن ، هذا مصدر من مصادر الثقة الكبيرة التي تحدث فيها في خطاب الوعد ، ترامب تمكن من تمتين الطعم في الصنارة في حلق الشرق الأوسط ، فلم يعد مهما الاستمرار في خطوات هجومية هامشية كان الهدف منها تقوية وضعه السياسي ، ونفوذه ، ورهبة قراراته الصدامية ، والتي أوصلت العالم أكثر من مرة الى حافة الحرب ….. قلنا ان ترامب لم يسقط لأن سقوط ترامب لامعنى له سوى سقوط خططه ومشاريعه الصهيونية التي لم يتم التركيز على متابعتها وتنفيذها الا في الشرق الأوسط .

بايدن وفريقه أعلنا الولاء لترامب قبل التنصيب وبعد التنصيب

الولاء لترامب ، هو الولاء لخططه ، ومشاريعه ، وتثبيتها ، ومتابعة تنفيذها ، لنر كيف أعلن بايدن ، وفريقه الولاء لترامب : يمكننا الاستناد الى ما أدلى به وزير خارجية بايدن أمام لجنة الكونغرس الخاضعة لصلاحيته ليكون وزير خارجية الولايات المتحدة ، ولتصريحاته للصحافة ، ولما أبلغه رسميا لاسرائيل عبر يوسي كوهين ، وفي انصات هاتفي مع نتنياهو والمستند الثاني ، هو ما قالته مسؤولة جهاز الاستخبارات الوطني حول ايران ، والاتفاق النووي ، وما صرح به بايدن وانتوني بلينكن حول ايران ، والاتفاق النووي الجديد .

جدير أن يشار هنا الى أن لتمرير أجزاء مما قاله بايدن ، ووزير خارجيته ، ورئيس جهاز استخباراته جاء بعد اتصال هاتفي من نتنياهو ، واتصالاات مباشرة في واشنطن مع انتوني بلينكن الذي تربطه باسرائيل علاقات عميقة ، وعائلية ، ودينية ، بايدن قال : لن نسمح ابدا لايران امتلاك سلاح نووي ، وعلى ايران أن تلتزم بالاتفاق حتى نعود له .

ومسؤولة الاستخبارات قالت : – ” لايمكن العودة للاتفاق النووي ، فنحن سنعود للاتفاق على أساس مفاوضة لصياغة بنود جديدة ” ، أما بلينكن فقال :- ” ان أي اتفاق يجب أن يتضمن تجميد الصناعة الصاروخية والتخصيبية ولمدد زمنية طويلة – هذا ما طالب به نتنياهو ” ، هذا يعني بأن بايدن ملتزم بسياسة دونالد ترامب تجاه ايران ، وانه سيستمر في استعراض العضلات كما فعل ترامب ، ولن يوقف برنامج ترامب ، الذي وضع قيد التنفيذ قبل خروجه من البيت الأبيض: –

1- لتفعيل داعش في العراق ، وسوريا بعمليات تفجيرية ، واعتداءات على الجيشين العراقي والسوري .
2- تفعيل دور اسرائيل بحرب اغتيالات ، وعمليات تدمير لمنشآت في كل من ايران والعراق وسوريا ، ولبنان .

ليس هذا فحسب ، بل سيبقي بايدن على تصنيف أنصار الله في اليمن تنظيما ارهابيا ليبرر الاستمرار في تسليح ، ودعم الغارات ، والهجمات الوحشية على شعب اليمن ، وتشديد حصار التجويع ضده ( وبيت القصيد ، هو الحلف العدواني الجديد ، الذي أقامه ترامب ، وضم اسرائيل له …. ماهو موقف بايدن منه ؟

اعتبر ترامب انه رئيس ناضج ، ومتفوق على غيره من الرؤساء كونه لم يشن حربا خلال ولايته ، وكونه أقام حلفا عسكريا وسياسيا ، في الشرق الأوسط يحمي مصالح اميركا ، ويضمن أمن اسرائيل .

بالنسبة للرئيس ترامب والمعسكر ، الذي يمثله ( العنصرية العدوانية التي تستهدف شطب فلسطين ، وتدمير القومية العربية ) ، فان مقياس النجاح ، هو ما أعلنه عن صفقة القرن والمدى الذي قطعته تنفيذا ، وبالتحديد : –

1- تسليح اسرائيل لتبقى القوة الأكبر في الشرق الأوسط .
2- تسليح أطراف الحلف ليكونوا تحت تصرف اسرائيل قائدة الحلف .
3- ربط اسرائيل بدول الحلف باتفاقيات اعتراف متبادل ، ودفاع مشترك ، واستثمار مشترك وتبادل تجاري حر ، وفتح حدود ، وأجواء ، وبحار أمام اسرائيل .
4- اقامة قواعد عند باب المندب ، ومضائق تيران .
واتفاق على الأهداف : –
1- شطب فلسطين .
2- تدمير اليمن .
3- استنزاف العراق ، وسوريا .
4- ضرب أطراف محور المقاومة .
5- انهاك ايران ، وحصارها ،واستنزافها .

خطاب الوعد ، الذي ألقاه ترامب تزامن مع شرح واضح ، وصريح لسياسة بايدن الخارجية ونقطة الثقل المركزية فيها ” ايران والشرق الأوسط ” ، جاءت على لسان انتوني بلينكن وزير الخارجية الاميركي الجديد عندما كان يشرح السياسة البايدانية قبل اقرار ترشيحه من الكونغرس ، كانت السياسة الخارجية التي شرحها الوزير الجديد هي سياسة ترامب والاستناد لها للمتابعة مستقبلا ، وهذا اعلان لانتصار ترامب وليس سقوطه كما يحلم البعض .

الآتي أعظم : –

لا أعتقد أن الانتماء الديني ، أو القبلي ، أو العرقي يلعب دورا أساسيا في تقرير سياسة المسؤول ، لكنني مقتنع علميا أن لهذه الانتماءات تأثير هام على تفكير المسؤول ، وان المحيط الاجتماعي للرئيس يلعب دورا هاما في التأثير على قراراته وتوجهاته ، وعلى الأقل قد يمنعه من اتخاذ مواقف حاسمة تخدم مصلحة البلد تحت ضغط الروابط ، والتأثيرات الاجتماعية .

والتاريخ يسجل مهارة عالية لقادة الحركة الصهيونية في استغلال هذه النواحي الاجتماعية للضغط على أصحاب القرار، التاريخ يسجل للحركة الصهيونية استخدام المال والنساء والعاهرات ، والشذوذ ، والادمان لدى مسؤولين كبار للضغط عليهم باتخاذ قرار لصالحهم والتاريخ أيضا يسجل استغلال الأوضاع المالية لدولة بأكملها للوصول الى مآربهم كما جرى عندما دفع روتشيلد لانجلترا أموالا لبنكها المركزي ، الذي كان منهارا كي يستصدر وعد بلفور ، وكانت أول مفاوضات قد جرت مع روتشيلد في جبل طارق، لهذا من المهم أن نعرف تفاصيل المؤثرات العائلية والاجتماعية على بايدن، ووزير خارجيته ، ومديرة استخباراته ومستشاريه للأمن القومي ، اذ تشكل هذه العوامل المحيطة به عاملا جوهريا في توجهاته وقراراته.

( بايدن هو صديق حميم لاسرائيل ، وهو داعم لها ولتفوقها طيلة حياته السياسية يضاف لذلك أن ابنيه متزوجان من يهوديتين متدينتين ، ولذلك فان أحفاده هم حسب القانون الاسرائيلي اسرائيليون ، ويخدمون في جيش اسرائيل ) ، أما وزير خارجيته ، فهو يهودي من أب وأم يهوديين، وزوج أمه “لاحقا”، هو ممن يقال انه من الناجين من معسكرات الاعتقال النازية هذا الوزير ، هو أشد الداعمين لاسرائيل حماسا ، وأعلن سلفا : –

1- أن ادارة بايدن تدعم صفقة ” ابراهيم “، وستتابعها .
2- ان القدس ستبقى موحدة ، وعاصمة اسرائيل، ولن تنتقل سفارة الولايات المتحدة منها.
3- دعم الحلف العربي الاسرائيلي لأنه يضمن أمن اسرائيل، واستقرارها.

ومما نستطيع أن نلاحظه، هو ان هنالك تضارب خفي بين توجهات الرئيس بايدن لكيفية التعاطي مع الاتفاق النووي الايراني، وبين تصريحات “مصححة”، لما قاله بايدن صدرت عن مديرة استخباراته ذات الولاء الصهيوني ، فبايدن يغرد بالنسبة للاتفاق النووي بما يوحي نيته فصل موضوع فلسطين، وصفقة القرن عن العلاقة مع ايران بينما تصحح مديرة المخابرات بربط الموضوعين.

الخلاصة ستكون خداع، ونفاق ومكر، ومحاولات ضرب محور المقاومة لصالح حلف ابراهيم.

لن يسقط ترامب الا بسقوط مخططاته، ومشاريعه في الشرق الأوسط ، فكل سياساته الخارجية ربطت بالشرق الأوسط ، لذلك فان السياسة الخارجية خلال السنوات الأربع القادمة ستكون “الشرق الأوسط”، وهذا يلقي على عاتق محور المقاومة مسؤولية كبيرة خاصة قيادة هذا المحور، أي طهران ]يجب أن يكون حذرا، والقاعدة الاولى هي أن يكون المحور المقاوم قويا، وضاربا، ورادعا، ويبرهن أن مغامرات اسرائيل العسكرية لن تمر دون عقاب، وأن تحرير القدس لاتنازل عنه ، وأن حقوق الشعب الفلسطيني لابد من الوصول اليها.

التفاوض مع الماكرين يجب أن يكون ذكيا، لكن الأساس هو أن يستند لقوة ميدانية فاعلة ترهب الأعداء…. وهذه فرصة محور المقاومة الذهبية.

* المصدر : رأي اليوم
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع