تنصيب بايدن هو إعلان لبدء معركة داخلية وخارجية
بسام أبو شريف*
الجهات الأكثر اهتماما بما جرى في واشنطن حتى الآن – وتبعات وابعاد ذلك على مجريات الأمور داخل الولايات المتحدة وخارجها، هي المؤسسات الأمنية الاسرائيلية، وكافة مراكز البحث، والمعاهد الجامعية التابعة لها، والسبب ” أو الأسباب “، هي معرفة أجهزة الأمن الاسرائيلية بأن السنوات الأربع، التي مضت ” وحكم فيها ترامب وتحكم “، شهدت تبعية فائقة، وغير مسبوقة اسرائيلية لسياسات الرئيس ترامب، والتي نفذت في الشرق الأوسط بواسطة نتنياهو ( توأم ترامب العنصري )، على أنها انتصارات غير مسبوقة للدولة العنصرية اليهودية، لكن الأمور لم تعد تحتسب في اسرائيل ( من قبل حكامها الحقيقيين أي أجهزة الأمن )، كما كانت تحتسب قبل تنصيب بايدن ليس لأن بايدن أقل تأييدا، ودعما لاسرائيل من ترامب، بل لأن حسابات بايدن لخدمة اسرائيل تختلف عن حسابات ترامب لخدمة الصهيونية، فترامب تعامل مع الأهداف الاستراتيجية البعيدة المدى للحركة الصهيونية بينما يتعاطى بايدن مع أهدافها المرحلية .
ترامب كان يتصرف، ويقرر انطلاقا من ثقته بأنه سيحكم اربع سنوات اخرى ستمكنه من استكمال المشروع الاستراتيجي الصهيوني، وهو : –
( السيطرة على منابع النفط والغاز في الشرق الأوسط كوسيلة للسيطرة على القرار الدولي، أو دخول اسرائيل كشريك رئيسي في صنع القرار الدولي )، وبما أن هذا الأمر كان سيتم من خلال سيطرة الصهيونية على القرار الاميركي، وتحكمها بالقرار الاميركي، ونفوذ اميركا في العالم ” رصيدا وحاضرا ومستقبلا “، فستصبح اسرائيل، هي صانع القرار الذي يتفاوض مع الصين، وروسيا حول أوضاع، ومصالح تعم الكرة الأرضية .
كان ترامب عميلا صريحا للصهاينة، ولم يتردد في شرح مهمته في البيت الأبيض منذ حملته الانتخابية للعام 2016، فقد قال حرفيا : ( سيسجل التاريخ أنني أنجزت لاسرائيل مالم ينجزه أحد، وأعطيتها أكثر مما تحلم به )، وترامب كان واضحا أيضا في أن ولاءه هو للصهيونية وليس للولايات المتحدة الاميركية، وسار في نهج أراده الصهاينة، وهو اختطاف الولايات المتحدة كقوة، ونفوذ، وأسرار تكنولوجية وتسلح متقدم، ونفوذ سياسي ان لزم الأمر، واتباع اسلوب الصهاينة الارهابي لتحقيق ذلك العنف – الاغتيالات – العمليات العسكرية الكبيرة السرية، ومن دون علم الكونغرس .
فوز بايدن كان أول ضربة توجه لهذا الدور، الذي رسم لترامب للتنفيذ لذلك حاول ترامب وعصابته، وعلى رأسها كوشنر، وبومبيو أن يضعوا عقبات كأداء في وجه أي محاولة لتغيير هذه الاستراتيجية في الشرق الأوسط، ولاشك أن الجميع لاحظوا التوتر الشديد وفقدان الأعصاب، الذي اتسمت به آخر أيام ترامب في البيت الأبيض : – العفو بالجملة عن مجرمين– العقوبات على سوريا، والعراق، واليمن، وايران، ولبنان، وكأنما يريد ترامب وأسياده استكمال المخطط في زمن بايدن لذلك، ومن هذه الزاوية تنصيب بايدن، هو البوابة التي يمكن من خلالها أن تحمي الولايات المتحدة وحدتها الداخلية، وعلاقاتها الدولية، ومصالح الولايات المتحدة، وواضح أن الأمر له شرط أساسي واحد، هو امتلاك بايدن الجرأة والارادة والحكمة لفصل مصالح الولايات المتحدة عن المشروع الصهيوني لايمكن لبايدن أن يخطو أي خطوة سليمة، ومنتجة على صعيد وحدة الصف الداخلي، وحماية المصالح الاميركية مالم يفصل مصلحة اميركا عن مصلحة اسرائيل، ويخطو بحزم وبقوة خارج اطار المخطط الصهيوني، ونحن نعلم أن ترامب والصهاينة يعدون العدة ” وقد بدأوا فعلا “، لخلق حالة من ازدواجية السلطة في الولايات المتحدة .
حزب العنصريين البيض ” تفوق البيض – وهم قوة “ان استخدمنا أرقام الانتخابات الأخيرة ” كبيرة، وهذا يستدل عليه من عدد الذين صوتوا لترامب، فهم يشكلون نصف المجتمع الاميركي، ويتحالف هؤلاء بقيادة ترامب موضوعيا وذاتيا مع العنصرية الحاكمة في اسرائيل والمسيطرة على الحياة العامة، وأجهزة الدولة في اسرائيل، ومع أحزاب وتجمعات عنصرية في اوروبا كانت، ومازالت تنتظر لحظة الانقضاض للسيطرة، الطبقة الحاكمة في اسرائيل وكافة أحزابها هي في وضع شبيه بوضع ترامب، ونصف المجتمع الاميركي، ولن يتمكن بايدن من بداية ” عهد بايدن “، مالم يخرج اميركا من هذه الدائرة، التي وضع ترامب بلاده فيها، أي دائرة الاستراتيجية الصهيونية .
هذا هو التحدي الأكبر في وجه بايدن، وهو الذي سيساعده على معالجة الوضع الداخلي والاقتصادي، والتجاري، والسياسي، بايدن يواجه الآن هو وفريقه جهودا مكثفة ( لم تشهد الولايات المتحدة مثلها من قبل )، من هيئات، ومنظمات، وشخصيات، وأغنياء لتثني بايدن عن العودة للاتفاق النووي ( كون العودة هي بداية عهد بايدن، وانسحاب واشنطن من استراتيجية اسرائيل )، ضغوط تتمثل في عروض مغرية لحلول للأزمة الداخلية، لكن ما يشجع، هو أن هنالك جهات في واشنطن تدفع باتجاه كشف الحقائق حول محاولات ترامب الانقلابية مما يجعل العروض محاولات مكشوفة لاتقاذ العنصريين .
يمكننا الخوض في تفاصيل هذه الأمور، وسرد المعلومات لكن المهم هنا ان نرى الخط الفاصل بين عهد بايدن الجديد، وانزلاق ادارة بايدن رغم أنفها نحو الاستراتيجية ذاتها، ويؤكد كلامنا ما أعلنه مستشار ترامب، ومبعوثه للشرق الأوسط من نصائح لبايدن قبل يوم من تنصيبه ( ننصح ونطلب من بايدن الاستمرار في استراتيجيتنا في الشرق الأوسط خدمة لمصالح اميركا )، هذا يوضح مدى قلق الأجهزة الحاكمة في اسرائيل .
مرة اخرى نقول انها فرصة ذهبية لمحور المقاومة، فالحلف العسكري الذي أقامه ترامب برئاسة اسرائيل في الشرق الأوسط أصبح جزء من قوات القيادة المركزية الاميركية في غرب آسيا، وهذا سيصعب على بايدن الغاءه الا اذا كان جريئا، وواضح الرؤية، ولذلك فان اقتراح انشاء حلف مواجه خطوة تكتيكية جيدة لكن الأفضل، هو أن تنشأ غرفة عمليات مشتركة، ودون اعلان لتبدأ فعليا مقاومة منسقة لهذا المشروع، وضرب أهداف العدو .
اعلانات سياسية صدرت قبل تنصيب بايدن بدقائق عن انتوني بلينكن، المرشح من بايدن لتولي وزارة الخارجية تشير الى التوجه العام للسياسة البايدنية في الشرق الأوسط ( وكنا قد أشرنا في مقال سابق الى توقعاتنا لبرنامج بايدن في السياسة الخارجية )، يقول بلينكن : –
1- سنعود لاتفاق المناخ، وسنعود لمنظمة الصحة العالمية، ونحن ندعم اتفاق ابراهام بين اسرائيل، ودول عربية لأن هذا سيضمن الأمن والاستقرار لاسرائيل، وسنعود للاتفاق الايراني النووي لأن خروجنا منه أتاح لايران مزيدا من التخصيب .
2- بلينكن أعلن تطمينا لاسرائيل بأن بايدن سيبقي اعتراف اميركا بالقدس عاصمة لاسرائيل ولن ينقل السفارة الاميركية من القدس، بل سيبقيها هناك، وقد يكون هذا التصريح مقدمة لاتخاذ موقف من التوسع الاستيطاني، الذي أصبح جنونيا، وأصبح ورقة رابحة بيد الأحزاب المتنافسة على مقاعد الكنيست، وأصبح سياسة مقرة اسرائيلية لايستطيع أحد وقفها لا بل ان هذه الجهات العنصرية المتطرفة، وهي الأغلبية في اسرائيل اليمينية شكلت فرقا مسلحة لمقاومة من يعارض أو يقف في وجه انشاء، وتوسيع المستوطنات الاسرائيلية، ولو كانت تلك الجهات المانعة من الشرطة، أو الجيش .
( نسخة عما خطط ترامب في الولايات المتحدة ومازال يخطط في الولايات المتحدة غيرها ) .
هذا يدل أن بايدن يحاول أن يفصل بين سياسته تجاه ايران، وسياسته تجاه اسرائيل، وهذا مستحيل، وقد يكون اعلان بلينكن يهدف الى طمأنة اسرائيل، وحلفائها من أنظمة الخليج ومفاده أن عودة اميركا للاتفاق النووي الايراني لاتعني وقوف بايدن ضد سيطرة اسرائيل على الخليج، بل هدفه ابعاد ايران بعزل موضوع الاتفاق عن حلف اسرائيل العسكري، وفي التطبيق العملي ما أعلنه بلينكن لايمكن تنفيذه .
فاسرائيل اشترطت سلفا على بايدن تبني شروطها لتعديل الاتفاق، وتضغط لمتابعة نفس الاستراتيجية، وهذا سيعني اصطدام السياستين، قد يكون تصريح بلينكن المبكر ” قبل التنصيب”، هو بالون اختبار لجر اوروبا للتعليق ومحاولة اخراج اسرائيل من ضمنها، لكن ينبغي أن نقول ان ما قلناه سابقا في رسالتنا لبايدن وبيلوسي: (فلسطين هي مفتاح الشرق الأوسط)، وكلما ابتعدا عن حقوق الشعب الفلسطيني فقدا القدرة على لعب دور في الشرق الأوسط.
* المصدر : رأي اليوم
* المادة التحليلية تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع