السياسية:

“سنُركع أمريكا، وسنطلق برامج لرؤوس حربية انزلاقية أسرع من الصوت وصواريخ نووية تنطلق من الغواصات”، بهذه التهديدات استبق كيم جونغ أون، رئيس كوريا الشمالية، وصول جو بايدن، متسبباً في تصعيد خطير للتوتر في شرق آسيا.

وجاءت هذه التهديدات في المؤتمر الثامن لحزب العمال الكوري (WPK) الذي عقد في أوائل يناير/كانون الثاني مصحوباً بعروض عسكرية تتضمن أسلحة كوريا الشمالية الضاربة.

على عكس معظم دول العالم التي استبشرت بقدوم بايدن، اتخذ زعيم كوريا الشمالي موقفاً صارماً، بل وحتى تصادمياً تجاه الولايات المتحدة، وكانت صور الصواريخ معبِّرة تماماً.

فلماذا يعود زعيم كوريا الشمالية إلى سياسة استعراض الصواريخ، وتصعيد خطابه تجاه الولايات المتحدة، فيما يبدو أنه وأدٌ نهائي لسياسة التفاوض على مستوى القمة التي أطلقها مع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وأدت إلى وقف الصراخ المتبادل بين أمريكا وكوريا الشمالية، والذي وصل لذروته بتباهي ترامب وكيم بالزر النووي لبلديهما.

فترة صعبة

هذا التهديد العسكري لم يستطع إخفاء التحديات الاقتصادية والسياسية المحتملة الخطيرة التي يواجهها زعيم كوريا الشمالية، حسبما ورد في تقرير لمجلة The National Interest الأمريكية.

فلقد كان هذا أول اجتماع لحزب العمال الكوري منذ أربع سنوات. كانت الفترة الفاصلة بين الاجتماعين صعبة على كوريا الشمالية؛ إذ أظهرت الصين انزعاجها من بيونغ يانغ بالموافقة على عقوبات إضافية من جانب الأمم المتحدة على البلاد لإجرائها تجارب صاروخية وتجارب نووية.

ثم كثفت إدارة ترامب ضغوطها على نظام كيم، وبلغت ذروتها بتهديدات ترامب بـ”النار والغضب”.

لفترة وجيزة، كان هناك أمل في أن تؤدي المفاوضات إلى تغيير العلاقة بين واشنطن وبيونغ يانغ، لكن انهيار عام 2019 في قمة هانوي بفيتنام؛ حيث طلب الجانبان الكثير من الآخر، أنهى إلى حد كبير من الاتصال بين الحكومتين.

الآن أدت هزيمة ترامب إلى وضع العلاقة بأكملها في موضع تساؤل: هل سيعود جو بايدن إلى سياسة إدارة أوباما المتمثلة في “الصبر الاستراتيجي” التي لم تنجح أم يسعى إلى توسيع الانفتاح المحدود لإدارة ترامب؟ 

لقد استخدم كيم المؤتمر لإعادة تأكيد التزام النظام بالأسلحة النووية، وخلط هذا الموقف بالإهانات والتهديدات.

ويعتقد بعض المحللين أن كيم كان يغلق إمكانية إجراء مفاوضات مع الإدارة الأمريكية الجديدة، وحذر Cheong Seong-chang من مركز ويلسون: “بيونغ يانغ توضح أنها لا تنوي استئناف محادثات نزع السلاح النووي مع الولايات المتحدة” على الإطلاق الآن.

يعتقد كيم أن النظام “ليس لديه آمال كبيرة في تغيير الولايات المتحدة لسياستها تجاه كوريا الشمالية”.

ومع ذلك، فليس معنى خطاب زعيم كوريا الشمالية العدائي أنه أغلق فرص التفاوض، وبدلاً من ذلك، بدا أن كيم يناور من أجل تحقيق مكاسب.

ومن المؤكد أنه يدرك أن واشنطن تعتقد أن المعاناة الاقتصادية لكوريا الشمالية توفر لها أداة ضغط، وهو لا يريد أن يبدأ المحادثات على هذا النحو من الضعف، جادل جون ديلوري من جامعة يونسي بأن خطاب كيم لا يبدو أنه يقول للولايات المتحدة “أنتِ ميؤوس منك، بل أنا فقط لست مهتماً بالتعامل معك”، ولوم الولايات المتحدة على فشل التفاوض.

ركَّز كيم وحزب العمال الكوري حنقهما على أمريكا. أوضح كيم في خطابه: “يجب أن تركز أنشطتنا السياسية الخارجية للمضي قدماً على قمع وإخضاع الولايات المتحدة، وهي العقبة الأساسية، وأكبر عدو ضد تطورنا الثوري”، حسب تعبيره.

ولكن عرض كيم طريقة للمُضي قدماً، موضحاً أن “المفتاح لتأسيس علاقة كوريا الشمالية والولايات المتحدة المتجددة. العلاقات هي تراجع واشنطن عن سياستها العدائية ضد كوريا الشمالية”.

هذا أيضاً ليس كلاماً جديداً بالطبع، لكن الافتقار إلى أي معنى ثابت لما يمكن اعتباره “سياسة عدائية” للولايات المتحدة يحتمل أن يمنح بايدن مجالاً للمناورة.

أسلحة ضاربة، وهذا ما يقلق أمريكا

دعم كيم وحزب العمال الكوري الخطاب الصارم بوعود بتطوير أسلحة ضاربة. وأوضح أن الحصول على أسلحة نووية كان “هدفاً استراتيجياً لكوريا الشمالية” و”جهداً ذا أهمية كبرى في تاريخ الأمة الكورية”.

ومع ذلك، كانت هذه مجرد بداية، حيث أعلن عن نيته “زيادة تعزيز الردع الكوري النووي”.

قدم كيم برنامجاً طموحاً بشكل لافت للنظر. قد تكون الرؤوس الحربية المحسّنة وأقمار الاستطلاع والمركبات الجوية غير المأهولة أقل المبادرات طموحاً.

والأكثر تهديداً للولايات المتحدة هو الأسلحة النووية التكتيكية، والصواريخ الباليستية التي تُطلق من الغواصات، و”رأس حربي انزلاقي تفوق سرعته سرعة الصوت”.

ولكن أكثر ما يقلق واشنطن سيكون الصواريخ الباليستية الجديدة العابرة للقارات طويلة المدى التي تستخدم وقوداً صلباً وتحمل رؤوساً حربية متعددة.

ويعد سلاح كوريا الشمالية الجديد الصاروخ هواسونغ-16 (Hwasong-16) بمثابة وحش مرعب، يمكن أن يغير قواعد اللعبة بين أمريكا وبيونغ يانغ.

يمكن للصاروخ هاويسينغ 16 الذي عرض مؤخراً في عرض عسكري أن يحمل رؤوساً نووية متعددة في صاروخ واحد مما يزيد فرصه في ضرب أي مدينة أمريكية.

مرة أخرى، ومع ذلك، هناك القليل من الجديد هنا. تضمن العرض العسكري في أكتوبر/تشرين الأول 2020 عرضاً دراماتيكياً لطموحات بيونغ يانغ؛ حيث احتوى على مجموعة متنوعة من الأسلحة التقليدية الجديدة، وسلط الضوء بشكل خاص على الصواريخ الجديدة، والصواريخ الإقليمية، والصواريخ الباليستية العابرة للقارات.

وتضمن العرض العسكري الآخر الذي أعقب المؤتمر إطلاق غواصات جديدة وصواريخ تكتيكية مختلفة.

لكن اللافت أن كيم قدم أجندته الواسعة على أنها دفاعية. وأوضح: “الواقع يظهر أننا بحاجة إلى تعزيز قدرات الدفاع الوطني دون لحظة تردد لردع التهديدات النووية للولايات المتحدة ولإحلال السلام والازدهار في شبه الجزيرة الكورية”.

كانت أمريكا هي محور الخطاب والعدو اللدود والعقبة الأساسية أمام الأمة الكورية التي يجب التغلب عليها وجعلها تجثو على ركبتيهما.

لكن اللافت أن كيم عرض قائمة أمنيات أكثر من الواقع.

بالنظر إلى المتاعب الاقتصادية للنظام، فإن تمويل مثل هذه الترسانة – فضلاً عن الفوز بأي مساعدة فنية صينية أو روسية ضرورية – لن يكون عملاً سهلاً.

يقول أنكيت باندا إلى أنه “وفقاً لجميع المؤشرات المتاحة، يواجه كيم البيئة الاقتصادية الداخلية الأكثر خطورة اليوم منذ أن ورث السلطة”.

ولهذا السبب على ما يبدو، قام كيم بعد أن أصبح الأمين العام الجديد بتعديل وزاري لتعزيز قبضته على السلطة، على الأرجح.

إرضاء الصين لمحاصرة كوريا

إذا تمكنت إدارة بايدن من سحب العلاقات مع جمهورية الصين الشعبية من حافة الهاوية، فقد تثبت بكين أنها مفيدة في دفع التعامل مع كوريا الشمالية.

اليوم تحسنت العلاقة بين كوريا الشمالية وجمهورية الصين الشعبية كثيراً عما كانت عليه قبل ثلاث سنوات.

في الواقع، قدم شي جين بينغ تهنئته بسرعة إلى كيم لحضور المؤتمر، ومع ذلك، لن ترحب الصين بما تعتبره سلوكاً متهوراً، وأصبحت بيونغ يانغ أكثر اعتماداً على مساعدات الطاقة والغذاء في جمهورية الصين الشعبية.

من غير المرجح أن تتصرف بكين ضد حديث كوريا الشمالية عن الأسلحة ما دام الأمر مجرد حديث، ولكنها سترد بقوة على التطورات العملية التي من المحتمل أن تؤدي إلى رد أمريكي. على الرغم من أن الصين ليس لديها حافز كبير لمساعدة الجهود الأمريكية، فإنها تأمل في تقليل التوترات مع واشنطن.

بالنظر إلى هذه البيئة الصعبة، لا ينبغي أن يكون مفاجئاً أن ترك كيم الباب الدبلوماسي مفتوحاً، قائلاً إنه لم “يستبعد الدبلوماسية”.

رسالة كيم لبايدن من هذا التصعيد

واستبق المؤتمر تنصيب الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن والتدريبات العسكرية المشتركة المخطط لها بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية.

يعتقد باندا أن “جهود التحديث المخططة لكيم تهدف إلى تقديم إشارة إلى إدارة بايدن”.

هدف كيم هو توجيه اهتمام الأمريكيين على مسألة وقف الأسلحة الإضافية التي أعلن عنها بدلاً من التحرك لمواجهة الأسلحة التي كانت قائمة.

ومع ذلك، إذا لم تستجب واشنطن بشكل إيجابي، فمن المرجح أن يثير كيم التوترات.

سيكون قيام كوريا الشمالية تجارب الصواريخ خطوة تالية واضحة، (على الرغم من الاستياء الصيني المحتمل)، حيث تعتبر التجارب النووية خياراً أكثر استفزازاً وتتيح زيادة الضغط على إدارة بايدن. مثل هذا الإجراء من شأنه أن يجعل الانتقام الأمريكي محتملاً ويعقد أي مبادرة لاحقة لرفع أو تعليق العقوبات.

التحدي الرئيسي للرئيس الأمريكي الجديد هو الوقت. لن تكون كوريا الشمالية أولوية، بالنظر إلى المخاوف المحلية المتعددة، فضلاً عن التحديات الدولية الفورية التي تشمل إيران والصين. أشار بايدن إلى أنه سيكون على استعداد لمقابلة كيم بـ “الشروط”، وهو ما قد يشير إلى رغبة الولايات المتحدة في توقيع كوريا اتفاقية نزع السلاح النووي، فإن مثل هذه المبادرة لا يمكن أن تأتي إلا بعد أن يقوم فريق السياسة الخارجية القادم بمراجعة السياسة تجاه بيونغ يانغ.

الحل على الطريقة الإيرانية؟

جاءت علامة إيجابية للمستقبل من رئيس وكالة المخابرات المركزية المحتمل ويليام بيرنز، الذي شارك في المحادثات النووية لإدارة أوباما مع طهران.

وأكد أنه “لم يكن أبداً منتقداً لقرار الرئيس ترامب غير التقليدي لبدء الدبلوماسية في القمة عبر لقائه مع زعيم كوريا الشمالية”، والذي وصفه في ذلك الوقت بأنه “يستحق المحاولة”.

لقد بدا واقعياً في رفضه لاحتمال نزع السلاح النووي الكامل ولاحظ أن “الأمر يستحق أخذ صفحة من كتاب المفاوضات الخارجية مع الإيرانيين والنظر في الخطوات المؤقتة التي يمكن اتخاذها والتي تحافظ على تطلعات نزع السلاح النووي الكامل دون تنفيذها بشكل سريع”.

خشية أن تتجه الحكومتان نحو المواجهة قبل أن تتاح لهما فرصة الانخراط، ترى المجلة الأمريكية أنه يجب على الإدارة الأمريكية أن تشير إلى رغبتها في الحديث مع كوريا الشمالية، حتى لو كان هناك بعض الوقت للاستعداد.

يمكن إرسال هذه الرسالة حتى من خلال بيان موجز من قِبَل الرئيس أو أحد كبار مساعديه. سيكون الهدف هو التأكد من أن كيم يفهم أنه لا يحتاج إلى العودة إلى الأيام الخوالي من الاستفزازات الدورية لجذب انتباه بايدن، وأن القيام بذلك سيجعل تخفيف العقوبات أقل احتمالاً.

يجب على الإدارة أيضاً أن تنظر في تعليق مؤقت للعقوبات مؤقتاً وسيكون مهماً من الناحية الرمزية أن تعرض مثل هذا التعليق على كوريا الجنوبية.

كانت حكومة كوريا الجنوبية تأمل في الحصول على بعض المؤشرات الإيجابية من الشمال في مؤتمر حزب العمال الكوري الشمالي، لكن لم يكن هناك شيء قريب.

لم تكن هناك سوى شكاوى بشأن التدريبات العسكرية المشتركة بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، واتهامات بأن الجنوب نكث بوعده “لضمان السلام والاستقرار العسكري”، ومطالبات لسيول بشكل أساسي بقطع علاقات تحالفها مع أمريكا، وإهانات إضافية من شقيقة كيم، كيم يو- جونغ.

يبدو أن الزعيم الكوري الشمالي قرر أن كوريا الجنوبية لن تفعل شيئاً مهماً دون موافقة واشنطن (وهو أمر صحيح إلى حد ما). يمكن لإدارة بايدن مساعدة كل من الولايات المتحدة وجمهورية كوريا من خلال تمكين سيول.

من وجهة نظر واشنطن، لم ينتج عن مؤتمر الحزب الكثير من الخير. ومع ذلك، كان هناك القليل من السوء، فقط إعادة التأكيد من الزعيم الكوري على السياسة الحالية.

ويجب على إدارة بايدن الجديدة أن ترد الجميل. لن تكون هناك عودة إلى “الصبر الاستراتيجي” كما كان في عهد أوباما، ولكن يبدو أن الأقرب من ذلك أن بايدن سيبني على سياسات ترامب.

من المرجح أن يحدث هذا إذا استمر كيم في تعليق الاختبارات النووية.

وفي هذا الإطار، يجب على إدارة بايدن القادمة أن تشجع كوريا الشمالية على ضبط النفس من خلال الإشارة إلى اهتمامها بالبناء على إعلان سنغافورة والانفتاح المفاجئ الذي نفذه ترامب مع كيم، والذي بدا أنه كيمياء شخصية بين زعيمين غريبي الأطوار.

واليوم هناك حاجة إلى فتح قناة للتفاهم بين بايدن الرئيس الأمريكي التقليدي وكيم رجل المفاجآت، أو كما سمَّاه ترامب رجل الصواريخ.

وكالات