السياسية :

اتسمت التطورات السياسية في المنطقة في الأيام الأخيرة بوجود رغبة حقيقية للمنافسين الإقليميين لنزع فتيل الأزمات والتوترات وفتح المجال الدبلوماسي لتقليص الخلافات. إن التسوية ورفع العقوبات عن قطر في مجلس التعاون الخليجي وإشارات خفض التصعيد من السعودية والإمارات مع تركيا هي نتيجة تشكيل مثل هذه الأجواء. في غضون ذلك ، أعلنت قطر استعدادها للتوسط في العلاقات بين إيران والسعودية ، وهو ما رحبت به إيران مباشرة لتثار بذلك التكهنات حول واحدة من أكثر القضايا تعقيدًا وأهمية في المنطقة ، وهي العلاقات الإيرانية السعودية.

لكن أولاً ، ما مدى الاستعدادات المتاحة لمثل هذا التهدئة ، وما هي دوافعها وعقباتها؟ بالمقابل ما هي دوافع قطر من هذا المقترح؟ وهي الدولة التي كانت حتى وقت قريب تحت الضغط لقطع العلاقات مع إيران ، في حين أنها الآن تدعو الدول المحاصِرة لقبول مقترحها. وغني عن البيان أن خطوة الدوحة هذه هي بمثابة طعن قطري للسعودية والإمارات في أعقاب فشلهم في فرض شروطهم على قطر ؛ أي هي رسالة ضد أجواء التسوية. وبالنظر إلى الترابط الموجود بين الإجابات على هذين السؤالين ، نبدأ التحليل بالسؤال الثاني.

تمت التسوية بين قطر والدول المحاصرة الأسبوع الماضي في أجواء تركت خلفها العديد من الأسئلة دون إجابة. حيث كان من أهم نقاط الغموض في هذه التسوية بوادر استمرار الخلافات السابقة حول سياسات قطر الإقليمية في العلاقات مع إيران وجماعة الإخوان المسلمين. في قمة العلا الأخيرة ، كرر ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ، الاتهامات الباطلة والسابقة للرياض ضد طهران ، وبعد ذلك بوقت قصير ، جعل أنور قرقاش ، المتحدث غير الرسمي للسياسة الخارجية الإماراتية ، استكمال عملية المصالحة مشروطا بمراجعة قطر لعلاقاتها مع إيران.

وفي الوقت نفسه ، فإن رسالة قطر حول استعدادها لتهدئة التوترات بين الدول العربية ، وخاصة السعودية وإيران ، تعني أولاً أن الدوحة غير مستعدة لتغيير نهجها في العلاقات الودية مع جارتها الشمالية المهمة وتعتبرها تتعارض مع مصالحها الوطنية. لكن من ناحية أخرى ، فإن الرسالة الأكثر أهمية هي أن قطر ، في الوقت الذي تعلن فيه عن استعدادها للعب دور الوسيط ، تؤكد في الواقع أنها مستعدة لحل أحد أهم التحديات في استكمال عملية المصالحة ، والتي تظهر جليا في التصريحات التبريرية للمسؤولون السعوديون والإماراتيون بأنها مصدر قلق في العلاقات مع قطر.

بمعنى آخر ، يؤكد الرد القطري تجاه طلب الدول المحاصرة ، أن نجاح العملية الدبلوماسية التي تم تشكيلها لحل الأزمة في مجلس التعاون يعتمد على استمرار هذه العملية فيما يتعلق بعلاقات هذه الدول مع ايران. الآن ، من خلال فهم أهداف الدوحة ، يمكن دراسة تحديات ودوافع الوساطة في الخلافات بين إيران والمملكة العربية السعودية برؤية حل القضايا المتنازع عليها.

في البداية ، يجب القول إن عقبات الوساطة هي بالأساس على السعودية ، لأن إيران أعلنت مرارًا استعدادها لإجراء محادثات شاملة مع جيرانها في مجلس التعاون ، وخاصة السعودية ، لحل الخلافات ، وبعد إعلان الدوحة رغبتها في التوسط ، أعلنت طهران مجددا عن استعدادها للمحادثات. وقال المتحدث باسم الحكومة الايرانية علي ربيعي: “إن جمهورية إيران الإسلامية دعمت على الدوام الحد من التوترات الإقليمية وحاولت ضمان أمن المنطقة من قبل الدول الخليجية ، وفي هذا الصدد ، اقترحت مشاريع مفيدة ، بما في ذلك تشكيل منتدى حوار إقليمي ، وميثاق عدم الاعتداء ، ومبادرة هرمز للسلام ، وخطة وزير الخارجية المكونة من أربع نقاط لحل الأزمة اليمنية ، ودور إيران النشط في محادثات السلام اليمنية.

وكما يتضح في هذه الإجابة ، فإن طهران تعتبر شمولية المحادثات حول القضايا الإقليمية ، وخاصة قضية الأزمة اليمنية ، من شروط تحقيق خفض التصعيد. كما يتضح من التسوية غير الكاملة للنزاع مع قطر ، لن تتمكن السعودية من تجاوز تحديات العلاقات مع جيرانها دون الإرادة لطرح كل الخلافات على الطاولة. لم تُظهر السعودية حتى الآن أي رخاوة في التفاوض على أزمة اليمن في علاقاتها مع إيران ، وعلى الرغم من الهزيمة الكاملة على مسرح الحرب اليمنية ، فإنها لا تزال تصر على النهج الخاطئ للماضي.

على الرغم من أن تغيير الحكومة في الولايات المتحدة كان غير سار بالنسبة للسعوديين ، إلا أنه قد يكون أيضًا فرصة لإعادة النظر في سياسات الرياض التي وصلت الى طريق مسدود في زيادة مواجهة محور المقاومة ، وحتى مساعدة السعوديين على الخروج من المستنقع اليمني بتكلفة أقل.

* المصدر : الوقت التحليلي
* المادة التحليلية تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع