يكاد الحجر ينطق!
السياسية – رصد:
تحت العنوان أعلاه، كتب المحلل السياسي، رامي الشاعر، في صحيفة”زافترا”
في بيان صادر عن البيت الأبيض، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية، عن تصنيف دولتي الإمارات والبحرين “شريكين أمنيين رئيسيين” لها.
وربط بيان البيت الأبيض هذا التصنيف بتطبيع العلاقات بين البحرين والإمارات وإسرائيل، قائلاً إنه “يعكس شجاعتهما غير العادية وتصميمهما وزعامتهما”. كما أشار البيان إلى أن البلدين شاركا في التدريبات العسكرية الأمريكية خلال الثلاثين عاماً الماضية.
وبينما تستضيف البحرين الأسطول الخامس للبحرية الأمريكية، وزهاء 5000 جندي أمريكي، يعد ميناء جبل علي الإماراتي أكثر ميناء مزدحم للسفن الحربية الأمريكية تحت الطلب خارج الولايات المتحدة الأمريكية، وتستضيف الإمارات 3500 جندي أمريكي، أغلبيتهم في قاعدة الظفرة الجوية في أبو ظبي.
كذلك تستخدم الولايات المتحدة الأمريكية تسمية “الحليف الرئيسي من خارج الناتو” لوصف علاقتها بدولة الكويت، التي تستضيف القيادة الأمامية للجيش الأمريكي المركزي، وهو التصنيف الذي يمنح الدولة اعتبارات مالية وعسكرية خاصة لدول ليست من بين أعضاء الناتو.
يأتي البيان الصادر عن البيت الأبيض في الأيام الأخيرة لإدارة الرئيس دونالد ترامب، الذي أقام علاقات وثيقة مع دول الخليج خلال فترة حكمه لأسباب، منها موقفه المتشدد من إيران. ويأتي ذلك أيضاً بعد انضمام البحرين والإمارات العربية المتحدة إلى مصر والمملكة العربية السعودية في البدء في حل أزمة المقاطعة الخليجية مع قطر، والتي تستضيف هي الأخرى قاعدة العديد الجوية التي تعدّ قاعدة العمليات الأمامية للقيادة المركزية.
ويعد التصنيف كـ “شريك أمني رئيسي” حالة فريدة لدولتي الإمارات والبحرين، لأنه يعترف بالشراكة الأمنية الاستثنائية المتمثلة في استضافة الآلاف من الجنود الأمريكيين والبحارة والطيارين ومشاة البحرية والتزام كل دولة بمكافحة التطرف العنيف في جميع أنحاء المنطقة.
منذ عامين تقريباً أثار النحات السوري، نزار علي بدر، مشاعر لجنة التحكيم في برنامج “أرابز غوت تالينت” Arabs Got Talent، بلوحاته التي استخدم فيها حجارة جبل صافون السوري، والتي جعلت “الحجر ينطق”، وفقاً لتعليق الفنان المصري، أحمد حلمي، أحد أعضاء لجنة التحكيم. حيث اكتسب بدر شهرة واسعة باستخدامه أحجار جبل صافون للتعبير عن آلام ومعاناة الشعب السوري التي يعيشها منذ اندلاع الحرب في سوريا. لم تكن موهبة بدر وحدها هي ما أثارت مشاعر الجمهور ولجنة التحكيم، بقدر ما أثار الجميع تعقيد وصعوبة وعمق الوضع المأساوي لا في سوريا وحدها، وإنما في اليمن وفلسطين وليبيا ولبنان والعراق وغيرها من مناطق العالم العربي، الوضع الذي جعل “الحجارة تنطق”، دون أن يتمكن من سماعها الإنسان العربي، أو ربما أنه يسمعها ويسد أذنيه عمداً رغبة منه بدفن رأسه في الرمال، والاكتفاء بتصريحات رنانة عن السلام والحرية وحقوق الإنسان، دون أن يكون لهذه التصريحات أي أساس من منطق أو عقل أو أدنى علاقة بالواقع المحيط في المنطقة العربية.
تفتخر الإدارة الأمريكية المنصرفة بقدرتها على التوصل إلى موائمات واتفاقات تطبيع لم تتمكن أي إدارة أمريكية من التوصل إليها ربما منذ إدارة الرئيس الأمريكي، جيمي كارتر، الذي توصل إلى اتفاقية كامب ديفيد، 17 سبتمبر 1978، بين مصر وإسرائيل.
تفتخر باستضافة آلاف الجنود الأمريكيين في بعض الدول العربية على حساب هذه الدول، التي تضخ مليارات الدولارات من ثرواتها الطبيعية في الاقتصاد الأمريكي، بغرض تنمية المجمع العسكري الأمريكي، وتسليح الجيش الأمريكي، وقوات الناتو، وتسعى لتوسعهم في العالم، حتى ولو كان ذلك على حساب العجز في موازنات تلك الدول العربية، والديون التي تورثها الحكومات لأجيال عربية قادمة، تولد وفي عنقها ديون مستحقة تمثل نصف موازنة تكاليف المؤسسة العسكرية الأمريكية، البالغة تريليون دولار تقريباً، والتي تقول التقديرات إن الدول العربية الغنية هي من تتحملها.
لهذا السبب إذن تسعى الإدارات الأمريكية المتعاقبة في الحفاظ على التوتر بين دول الخليج وإيران، والسعي لاستمرار الأزمات المختلفة في جميع أنحاء الشرق الأوسط والعالم العربي، وربط أي انفراج أو حل للأزمات بضمان المصالح الأمريكية والإسرائيلية ومصالح الحلفاء.
لهذا السبب إذن تجري عرقلة إحراز أي تقدم على مسارات حل الأزمات السورية واللبنانية واليمنية والليبية، لأن المطلوب بعد ذلك فوراً تقديم المساعدات المادية لهذه البلدان، حتى تتمكن من تجاوز آثار الأزمة، وإعادة إنعاش الاقتصاد.
تحتاج سوريا إلى 200 مليار دولار، واليمن إلى 100 مليار ولبنان إلى 50 مليار. تعجز الدول العربية الغنية عن تأمين حتى ربع هذه المساعدات لسلسلة من العوامل والأسباب المختلفة، التي تعززها دوائر صنع القرار في واشنطن والغرب، تماماً كما كان الوضع إبان الاتحاد السوفيتي، حينما كان “الخطر السوفيتي” هو المارد الوهمي، الذي تجتمع من أجل مكافحته موارد وقوى “العالم الحر”، اليوم يؤدي “الخطر الإيراني” نفس هذا الدور بالنسبة للعالم العربي، ويتم اختراع سياسة العقوبات الاقتصادية والحصار للتحكم بلدان المنطقة ووضعها أمام الأمر الواقع، وتهديدها دائماً بالعقوبات الاقتصادية، فتصبح أغنى الدول العربية عاجزة عن التصرف في مواردها وثرواتها، ولا تجرؤ على تحويل دعم بمليون دولار قبل الالتزام بشروط بنكية توافق عليها واشنطن شخصياً.
إن “الحجارة قد نطقت” من فرط تجاوز الوضع لأي حدود منطقية وعقلانية. والتخلص من هذا الوضع المؤسف لن يتم سوى بجهود مشتركة، ونأمل أن يكون لدى الإدارة الأمريكية الجديدة تصور عن كيفية التعاون مع روسيا والصين لتوظيف تلك الجهود في عودة دور هيئة الأمم المتحدة لحل كل القضايا الدولية الإنسانية والبيئية والسياسية العالقة، ولعل المصالحة الخليجية تكون مدخلاً لعودة الدور العربي الفعّال في حل الأزمات التي تمر بها بعض البلدان العربية، حتى تتمكن دول المنطقة من حماية سيادتها واستقلالها وتكامل أراضيها وعودة علاقات الاحترام المتبادل وحسن الجوار مع إيران وتركيا لما فيه خير وسلام ومصلحة الأطراف جميعاً، وما يجلب تطور وازدهار شعوب وبلدان المنطقة.
ينبغي حصول تقدم ملموس في اجتماع اللجنة الدستورية المصغرة لصياغة الدستور السوري في جنيف، 25 من الشهر الجاري.
وان يتم تشكيل حكومة إنقاذ وطنية في لبنان خلال شهرين.
وتثبيت الاتفاق بين الجنوب والشمال في اليمن، وإيجاد لغة مشتركة مع الحوثيين لما فيه من خدمة للوحدة اليمنية.وان تتم استعادة الوحدة الفلسطينية.
كل ما تقدم لا يحتاج لمساعدة مالية؛ قدر الحاجة لإرادة سياسية، تتمكن من وضع قاعدة أساسية ومتينة، تتمكن عبرها الإمكانيات والثروات المادية الضخمة المساهمة في إنقاذ وإنعاش البلدان المعنية، وتجاوز كل القيود، والتحرر من تحكم الغرب فيها.
إن العامل الذاتي الخاص بكل أزمة إقليمية يظل في نهاية المطاف هو المحرك الأساسي للتغلب على كل المصاعب الخارجية المؤثرة اقتصادياً وعسكرياً وأمنياً، وإذا لم تبدأ المبادرة من القوى المتنازعة داخلياً في تسهيل مهمة المبعوثين الشخصيين للأمين العام لهيئة الأمم المتحدة، وتنفيذ قرارات مجلس الأمن الخاصة بها، فلن تحل تلك الأزمات، بل ستتنامى آثارها الكارثية على الشعوب، ولن تكفي ساعتها كل أحجار جبل صافون، وجميع جبال المنطقة، في التعبير عن كم المعاناة التي ستتضاعف جراء ذلك.
رامي الشاعر
كاتب ومحلل سياسي
* المصدر : روسيا اليوم
* المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب