علي محسن حميد*

أولا لي تحفظ على تسمية “أنصار الله” التي أراها تقسيمية وليست توحيدية وتذكر كثيرين بما نواه قولا الشهيد محمد محمود الزبيري في مؤتمر عمران عام 1964 من تسمية معارضي المشير السلال والدور المصري في اليمن ب”حزب الله” ووقتها انبرى له الأستاذ محسن العيني قائلا ونحن من سنكون “حزب الشيطان”؟.

كانت معارضة الزبيري نيابة عن تنظيم جماعة الإخوان التي تماهى موقفها من ثورة سبتمبر1962 وجمهوريتها مع الموقف السعودي ولم يفطن وقتها كثيرون إلى ارتباط الزبيري بالجماعة وكونه المؤسس في القاهرة لفرعها اليمني.سيضع أناس كثيرون أنفسهم مكان الأستاذ العيني ويقولون ل”أنصار الله” ومن ليسوا منكم هل هم من أنصار الشيطان؟

إن الثنائية الاستقطابية الحادة ، أنصار الله بمواجهة من يضاددهم غير تصالحية ولا تقبل القسمة على أكثرمن إثنين. الحوثيون تسميتي المفضلة لهم وواقعهم وسلوكهم يؤكد هذا.التسمية، أنصار الله، مخالفة واضحة للدستور ولقانون الأحزاب اللذان لايجيزان قيام أحزاب دينية أو طائفية أو مناطقية.

سألت المرحوم الدكتور عبد الكريم الإرياني كيف تم قبول الحوثيين في الحوار الوطني قبل تسجيل أنفسهم في اللجنة الوطنية للأحزاب وكان رده لقد طلبنا منهم ذلك وكان موقفهم أن ليس في الدستور مايرغمهم على ذلك.

في هذا الصدد فإن حزب الإصلاح، إخوان اليمن، والسلفيين بمختلف تسمياتهم كانوا السباقين لانتهاك هذين المرجعين الدستوري والقانوني المجمع عليهما من كل الأطياف. لقد مكّن العدوان على اليمن في 26 مارس 2015 الذي تحالف ضده علي عبد الله صالح بقواته العسكرية وأمنه ومناصريه مع الحوثيين من مضاعفة قوة الحوثيين كما كان الحال في حروب صعدة الستة(2004 2010) وقداستمر تحالفهما الشامل حتى نوفمبر 2017 ومعارضة هؤلاء الآن للحوثيين نجاسة كاملة.

صنف وفاوض :

قبل أيام نشرت الخارجية الامريكية رسالة لوزيرها بومبيو وجهها إلى الكونجرس مفادها أنه ينوي إدراج الحوثيين في قوائم الإرهاب وقبل ذلك كان قد أدرجهم ضمن الجماعات ذات الاهتمام الخاص أو القلق الخاص .هلل حلفاء الحوثيين القدامى وخصومهم لهذا التحول في الموقف الامريكي وكأنه البلسم لجراح اليمنيين الغائرة ويحل محل قرص الدواء وكيس الطعام والأهم سيوفر السلام المفقود الذي لايريدونه وسيحلحل صراع المصالح المحلية والإقليمية والدولية المعقدة في اليمن الذي لاصلة له بمصالح اليمنيين وكيانهم الوطني .

في هذا الصدد سبق لوزارة الداخلية السعودية أن صنفت في 7 مارس 2015 الإخوان المسلمين والقاعدة وداعش وحزب الله داخل المملكة وجبهة النصرة والحوثيين ، بهذا الترتيب، جماعات إرهابية، الأهرام 8 مارس 2015،.ورغم هذا التصنيف فقد تطلبت مصلحة السعودية أن تستضيف منذ عام 2015 وحتى اليوم قائدي حزب”الإصلاح” الإخواني السيدين محمد اليدومي وعبد الوهاب الآنسي وغيرهما في أراضيها وأن تتفاوض سرا مع “أنصار الله” في السعودية وخارجها .

ليس هذا فحسب ولكنها لاتعترض على جهود المبعوث الدولي جريفيتس للتفاوض مع الحوثيين لإيجاد حل سياسي للحرب التي بدأتها وتقول صراحة بأن الحل السلمي هو السبيل الوحيد لإنهاء الحرب.التصنيف الامريكي لن يكتب له النجاح وأتى في الساعة الحادية عشرعندما لم يبق لإدارة ترامب في السلطة سوى عشرة أيام وكأن بومبيو استيقظ فجأة على شيء غاب عن باله طوال ست سنوات.

بومبيو يدرك مقدما فشل مسعاه بالنظر إلى انشغال صناع القانون في واشنطن بما ارتكبه الرئيس ترامب من انتهاك للدستور بتحريضه غوغائه على الهجوم على مبنى الكونجرس وتسببهم بتشويه الديمقراطية الامريكية ومقتل خمسة أشخاص من بينهم ضابط حراسة.

أراد بومبيو التعبير عن وفائه وهو الصهيوني المعروف بتقديم هدية لحلفاء امريكا في الحرب على اليمن قبيل مغادرته وزارته ولكن هذه الهدية المسمومة لن تلقى النجاح لأن للإدارة الجديدة بقيادة جو بايدن وحزبه الديمقراطي موقفا مختلفا لأن لِيَسارييه فيه نفوذا بَيّنا وتريد وقف الحرب وليس تعقيد مساعي الحل السلمي.

رسالة بومبيولاتخدم المصالح العاجلة لليمنيين في إنهاء حرب شتت شملهم ومزقت وطنهم وحولت 80% منهم إلى متلقين لمعونات خارجية ليبقوا على قيد الحياة وأظهرت من جديد أوعمدت إلى إظهار انقسام مجلس التعاون الخليجي التي أيدت ثلاث من دوله هي السعودية والإمارات والبحرين النوايا البومبية بينما صمتت ثلاث أخرى هي الكويت وعمان وقطر.

إن الحوثيين لايوصفون إلا ب”الجماعة الحوثية الإرهابية” من قبل وسائل إعلام سعودية وبعض الخليجية وبعض العربية وبالتالي فالتصنيف لن يؤذيهم بقدر مايؤذي عند تنفيذه اليمنيين الممدودة أياديهم السفلى إلى الخارج ويعقد مشكلة اليمن ولايسهم في حلها .

تصنف الإدارة الامريكية حركة طالبان كجماعة إرهابية ومع هذا تتفاوض معها علنا في الدوحة والتصنيف لم يضعف الحركة التي حرمت ب”مقاومتها” أو قل إن أردت ب”إرهابها” الذي لم يتوقف قوات الاحتلال الامريكي في أفغانستان من البقاء المريح لأمد طويل لتراقب منها الصين وباكستان وروسيا الاتحادية والخليج أيضا وهاهي على وشك الرحيل بدون نصر وترك بلد دمرته مع مخلوقها القاعدة ووكلائها وشركائها وإعادة افغانستان إلى الخلف عشرات السنين .

أفغانستان بدون تسوية سلمية داخلية ستصبح لامحالة في قبضة طالبان من جديد باعتبارها القوة المسلحة والمنظمة الأقوى. هذا درس يجب أن يستوعبه اليمنييون.إن تصنيف الحوثيين لايعني إلغاءهم من الخريطة السياسية وإعدام دورهم التفاوضي الذي لاغنى عنه طالما أن الحرب تراوح مكانها وقطبيها الخليجيين مهتمان فقط بالمياه وليس باليابسة (اليابسة أعني بها هنا صنعاء وهي تعني في اليمن أيضا الخبز الذي كان يأكله الفقراء وحده لضيق ذات اليد وهو الوضع الحالي لغالبيتهم ).

هل أراد بومبيو وضع العصا في عجلة الإدارة الجديدة وهو يعي أن الكونجرس سيرفض رسالته وأن الإدارة الجديدة قد لاتعتبر نفسها ملزمة بالميراث الحربي الجمهوري والديمقراطي معا وقد تلغيه أو في أفضل الأحوال قد توظفه كعصا للضغط على الحوثيين بأن يكونوا أكثر جدية ومرونة في إنجاح مهمة المبعوث الدولي للحل السلمي وتقديم تنازلات مقابل جزرة تقدم لهم كإنهاء الحصارين الجوي والبحري في المحافظات ال13 التي يسيطرون عليها.

موقف اليمنيين:

هلل خصوم الحوثيين وكل لسببه ولمصلحته وكأن الانتصار عليهم سيحققه هذا القرار الذي لم يستقبل بارتياح بل عورض من قبل كل المنظمات الدولية الإنسانية ومن قبل الأمم المتحدة والاتحاد الاوربي ليس فقط لتأثيره السلبي الخانق على تدفق المساعدات الإغاثية والطبية وحركة من يقوم بها.

إن البعد الإنساني يقابل باستهانة من يمنيين يريدون حلا عسكريا هم غير قادرين عليه ولايدفعون بأبنائهم إلى الميدان لتحقيقه لأنه ممنوع عليهم من قبل من أعلِنت الحرب من عاصمته في 26 مارس 2015 وهو الذي يسلح ويمون الطائرات المغيرة في الجو ويوجه الطيارين وهم يقصفون ويقتلون وهو الذي سيقرر متى ستتوقف الحرب.

لقد ظلت جبهة نهم لتحرير صنعاء مشتعلة إعلاميا لأكثر من سنة ولم يتقدم جنودها بوصة واحدة وظل الإعلام يبشر باستكمال “تحرير” صعدة لأشهر طويلة وكان كل ذلك جزء من حرب إعلامية صرفة تسخن البارداللامرئي ولاتمت لما لم يحدث في الميدان بصلة.طريق السلام في اليمن مسدودعسكريا وقد أثبتت الحرب عدم جدواها لجهة فشل أطراف في تحقيق ماكانت تأمله منها، كدك صنعاء حجرا فوق حجر.

صحيح أن الدماء لاتزال تنزف وارتكاب جرائم الحرب متواصل من قبل كل الأطراف وكل هذا ليس سوى إرهاب متعدد الأطراف.

* المصدر : رأي اليوم
* المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع