تصنيف الحوثيين “حركة إرهابية” وفشل التحالف في حرب اليمن
عبدالله محمد الفلالي*
بعد ستة أسابيع ونيف من الآن تحل الذكرى السادسة لانطلاقة “عاصفة الحزم” والتي هلل لها أغلب الكتاب العرب وصاروا يبشرون بقرب نهاية عبث “إيران وميليشياتها في المنطقة” وكانت معنوياتهم آنذاك مرتفعة وصوتهم عال، وكأن الجيوش العربية هبت ل”كسر الحصار عن غزة” وتحرير فلسطين، إلا أن المؤرخ المصري الكبير: محمد حسنين هيكل رحمه الله سار عكس التيار وراهن على فشل “التدخل في اليمن” لم يكن السيد هيكل آنذاك يقرأ الطالع ولا يخط في الرمل، وإنما بنى استنتاجه من واقع خبرته وتجربة التدخل المصري في اليمن(1962 -1967).
كسب السيد هيكل الرهان وصارت “المملكة العربية السعودية” تبحث عن مخرج لها من وحل اليمن، بعد تفكك التحالف وانسحاب “الإمارات العربية المتحدة” وانقسام المعسكر الداعم لتدخلها، وتأمين “قوات الحوثي” لصنعاء وانتقالها من الدفاع للهجوم، بحيث باتت تهدد أمن المملكة وتعرض منشآتها الحيوية للخطر.
الحمد لله أن بلدنا موريتانيا لم تشارك في تلك الحرب رغم الإغراءات الكبيرة التي قدمت للرئيس آنذاك، إلا أن انقسام الشارع والخشية من عودة الجنود في “توابيت” وما قد يترتب على ذلك من فوضى وتمرد في صفوف المؤسسة العسكرية جعلت الحكومة تعدل عن المشاركة في تلك الحرب التي <لا ناقة لنا فيها ولا جمل> فلازال شبح حرب الصحراء ماثلا بين عيني الضباط الذين شاركوا فيها وصاروا حكاما للبلد بسببها، خشيت الحكومة من مصير مماثل لمصير حكومة “المختار ولد داداه” الذي ابتلع الطعم وخضع للإغراءات المغربية التي استدرجته لحرب الصحراء، وصار تدخله فيما بعد مبررا للانقلاب عليه وسجنه في “سجن ولاته” قرابة 1400 كلم من العاصمة نواكشوط التي كان له الفضل في تأسيسها وجعلها عاصمة للدولة، وذلك بعد إنهاك الجنود ويأس الضباط من تحقيق نصر حاسم في الحرب، والهجمات المتكررة للبوليساريو على العاصمة نواكشوط وتهديدها لخط السكة الذي يمر عليه صادرات موريتانيا من الحديد، والتي تشكل نسبة معتبرة من الميزانية.
ورغم ما أشيع آنذاك أن الحكومة سمحت بتجنيد مواطنين للمشاركة في حرب اليمن إلا أننا لم نتأكد من صحة تلك الإشاعات، بيد أنا متأكدين أن الحكومة نفسها سعت لإنجاح عمل مواطنها: إسماعيل ولد الشيخ أحمد الذي كان يقود الجهود الأممية المبذولة لتحقيق السلام (2015-2018) والتي شهدت مفاوضات رعاها أمير الكويت الراحل: صباح الأحمد الصباح رحمه الله ومهد لها بإعلان هدنة طيلة أيام المفاوضات، وقد كاد الطرفان أن يتوصلا فيها لحل يضع حدا للحرب سنة 2016 لولا تدخل وضغوط من أطراف خارجية.
استقال المبعوث الأممي والمواطن الموريتاني: إسماعيل ولد الشيخ أحمد من مهمته بعد وصوله لطريق مسدود وتعنت “المعسكر الموالي للمملكة” الذي كان يرى أن كفة الحرب تميل لصالحه ولا شيء يدعوه لتقديم تنازلات “للحوثيين” وأن الحل يجب أن يكون وفق “المرجعيات الثلاث”، لم يرد إسماعيل ولد الشيخ أحمد إزعاج المملكة -وهو المقدم على الاستقالة- فحمل “الحوثيين” مسؤولية فشل مهمته، ثم عينته الحكومة وزيرا للشؤون الخارجية والمغتربين بعد تعيين سلفه: إسلكو ولد أحمد إزيد بيه سفيرا في المملكة المتحدة، وابتعثت الأمم المتحدة بعده المواطن البريطانى: “مارتن اغريفيث” لتحقيق السلام وقد ساعدته الظروف الإقليمية والدولية في جمع الطرفين وإبرام “اتفاق استوكهولم” والذي يبدو أنه كان النسخة الذي يراد لها أن تحل الأزمة اليمنية، لكن الحل لايزال بعيدا ف”الحوثيين” يتمتعون بقوة كبيرة وقد زاد الدعم الإيراني لهم بعد خروج ترامب من “الاتفاق النووي” وأثبتوا قدرتهم ومهارتهم في الحرب، وقد فقد حلفاء المملكة معظم أوراقهم التفاوضية وبات الحديث عن “المرجعيات الثلاث” التي تمسك بها إسماعيل ولد الشيخ أحمد من الماضي، فجاء المقترح الأمريكي بتصنيف الحوثيين جماعة إرهابية دعما للتحالف، يعفيه من تحمل “تبعات الحرب” ويعطيه حصانة من الملاحقة القانونية الدولية بحجة “ارتكاب جرائم حرب” كما أنه يعزز الموقف التفاوضي لحلفائه اليمنيين.
لن تدوم الحرب إلى الأبد وأعتقد أن نهاية الحرب في اليمن باتت قريبة، وربما تكون على طريقة “المصالحة الخليجية”، سنفرح لأي حل ينهي الحرب اليمنية ويوقف نزيف دم أبنائه ويبعد عنه شبح المجاعة، فاليمني تجري في عروقه الدماء العربية الإسلامية التي تجري في عروقنا.
والحمد لله أننا كموريتانيين لم ندخل اليمن إلا لأجل تحقيق السلام، فلا ثأرات لليمنيين معنا، كما أننا رعينا العلاقة التاريخية بيننا واليمن فجذور الكثير من القبائل الموريتانية يعود لذلك البلد وسلمنا من شر تلك الفتنة، وختاما نذكر بأبيات لعمرو بن معد يكرب صاحب الغارات الشهير:
الحربُ أوّلٌ ما تكونُ فُتيَّةً تسعى بزينتها لكلِّ جَهولِ
حتى إذا استَعَرَت وشَبَّ ضِرامُها عادت عجوزاً غيرَ ذاتِ خليلِ
شمطاءَ جَزَّت رأسَها وتَنَكَّرَت مكروهةً للشَّمِّ والتقبيلِ.
*كاتب موريتاني
* المصدر : رأي اليوم
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع