ما هي مفرزات “المصالحة الخليجيّة” على “إسرائيل” ودول المنطقة؟
السياسية – رصد :
في ظل عودة دولة قطر إلى الحضن الخليجيّ والادعاء بأنّ صفحة الخلافات قد طويت إلى غير رجعة، بعد إعلان إعادة العلاقات الكاملة بين الدوحة ودول المقاطعة (السعودية، والإمارات، والبحرين، ومصر)، فيما يبقى الكيان الصهيونيّ الغاصب، الحاضر الغائب في تلك الأحداث بسبب رغبته العارمة في إتمام المصالحة على أحسن وجه، لمحاولة تحقيق هدفين أساسيين، الأول يتمثل في إنشاء جبهة موحدة ضد طهران ورفع الضغوط عليها، والآخر في الضغط على النظام الإخوانيّ في قطر لتخفيف أو إنهاء دعمه لحركة المقاومة الإسلاميّة “حماس” في غزة، ذات الإيديولوجيّة نفسها.
الضغط على حماس
بالنظر إلى العلاقات المنفصلة بين تل أبيب وكل من الرياض والدوحة، من المؤكّد أنّ الكيان الغاشم سيحاول استغلال المصالحة الخليجيّة بكل ما أوتي من قوة لزيادة الضغط على حركة “حماس” التي تربطها علاقات جيدة مع قطر، عقب الجهود الأمريكيّة المكثفة التي أدت لتسوية الأزمة التي نشبت بين الدول الخليجية في 5 من يونيو/حزيران عام 2017.
وبحسب صحيفة “إسرائيل هيوم” العبريّة، والمقربة من رئيس وزراء العدو، بنيامين نتنياهو، فإنّ هذه المصالحة ستسمح بإرساء جبهة مستقرة وموحدة أكثر مقابل خصوم الكيان في المنطقة، ومن المحتمل في الواقع أن نسمع في الأيام المقبلة أن لهذا الاتفاق أيضاً ثمن، بالمال أو السلاح أو كليهما، ناهيك عن أنّ قطر الدولة الغنية بالغاز هي لاعبة مركزية في محور الإخوان المسلمين، وهو سبب أساس للعداوة التي سادت بينها وبين جيرانها في الخليج الفارسي، وعلى هذا النحو من المفترض أن تكون الآن عنصراً مهدئاً إزاء تركيا، وعنصراً ناشطاً أكثر في مساعي التواصل والردع إزاء “حماس” في غزة.
بالإضافة إلى ذلك، يجري الحديث عن احتمال عقد مصالحة بين تركيا الإخوانيّة الحليف الأبرز للدوحة، وعدد من الدول في المنطقة، وفي مقدمتها مصر والسعودية، بالإضافة إلى الكيان الصهيونيّ، ويؤكّد الإعلام الإسرائيليّ أنّ هذه الجهود تأتي في سياق تحالفات جديدة في المنطقة بين عدد من الدول العربية وتل أبيب، مقابل الحلف القطريّ – التركيّ الذي يقدم الدعم لحركة حماس في قطاع غزة المحاصر.
ومن المعرف أنّ النظامين القطريّ والتركيّ يدعمان بشدة جماعة “الإخوان المسلمين” والجماعات المرتبطة بها في عدة دول، في حين تصنفها السعودية ومصر والإمارات، منظمة إرهابيّة، ويشكل هذا الخلاف جزءاً من صراع كبير لتزعم العالم الإسلاميّ.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أنّ الدوحة تستفيد بشكل كبير من قرار “المصالحة الخليجيّة” الأخير، فإلى جانب مزاياه السياسيّة والاقتصاديّة، فهو يزيح عن كاهلها عبء ثقيل فيما يتعلق بمونديال 2022 الذي سينظم على أراضيها، حيث إنّ قطر تريد الوصول إلى هذا الحدث كمنتصرة لا كدولة تعاني من النزاعات.
قطر والتطبيع
في الوقت الذي ستجني فيه قطر ثمار الاتفاق الذي قدمته إدارة ترامب على طبق من ذهب، ستستغل تل أبيب أيضاً هذا الاتفاق الذي أقيم في الأساس على شرف وجودها في المنطقة، لإدخال الدوحة إلى حظيرة التطبيع الأمريكيّة خلال الأيام الأخيرة لإدارة ترامب في البيت الأبيض، خاصة وأنّ لدى العدو الغاصب “مكاتب مصالح” في الدوحة وقد شغله أفراد من وزارة الخارجية على نحو ثابت على مدى سنوات طويلة، ما يشكل فرصة للكيان لضم قطر إلى قائمة الخيانة (الإمارات والبحرين والسودان والمغرب)، في ظل العلاقات الجيدة بين الموساد (استخبارات العدو) و قطر.
وتشير بعض التحليلات إلى أنّ قطر لو لم تكن مشغولة في حربها الضروس مع السعودية طوال السنوات الماضية، لكانت وبكل تأكيد من أوائل الدول التي وقّعت على اتفاقات العار التي لا يسمح للعملاء بمعرفة مضمونها، وبعد المصالحة الخليجيّة هذه من المحتمل أنّ يؤدي التطبيع مع قطر في حال إتمامه، إلى تسريع إعلان “العلاقات العلنيّة” مع دول أخرى في الخليج الفارسي وعلى رأسها السعودية، التي تتمنى إظهار علاقاتها بالكيان بشكل علنيّ لمنافسة الإمارات في العلاقات مع العدو، لكن ظروفها الإسلاميّة والسياسيّة لا تسمح بذلك ابداً.
وتؤكد صحيفة “جيروزاليم بوست” العبريّة، أنّ العلاقات بين قطر والكيان الصهيونيّ تعود إلى التسعينات، وكانت في ذلك الوقت أكثر وداً من علاقات السعودية والإمارات بتل أبيب، لكن الأمور تغيرت كثيراً عن تلك الفترة لأسباب مختلفة، أبرزها تحالف قطر العسكريّ مع تركيا، والدعم الذي تقدمه لحركات المقاومة في غزة.
وفي الوقت ذاته، شكّكت الصحيفة في أن يتغير سلوك قطر بعد المصالحة الخليجية، وأن تقوم بدور إيجابيّ على الساحة الفلسطينيّة، موضحة أن العدو الصهيونيّ لا ينظر بعين الرضا عن أيّ محاولات قطريّة تركيّة لتعزيز نفوذ حماس بعد المصالحة، في الوقت الذي يرى فيه كثيرون أنّ الدوحة تلعب دوراً مزدوجاً، حيث تبدو منفتحة على إقامة علاقات مع العدو الغاشم وقريبة من الجماعات المؤيدة لتل أبيب في واشنطن، لكنها ترعى في الآن ذاته الجماعات الإسلاميّة وبعضها متطرف كجبهة النصرة الإرهابيّة التي دعمتها الدوحة لسنوات في سوريا باعتراف رسميّ وبالتعاون مع الرياض.
العلاقات مع الإخوان
رغم أنّ الرياض صعدت من جهودها في الفترة الأخيرة واستطاعت حل أزمتها المستمرة مع قطر منذ أكثر من ثلاث سنوات، بالتزامن مع اقتراب موعد رحيل الرئيس الأمريكيّ، دونالد ترامب (المعروف بتقاربه من آل سعود) بعد خسارته في الانتخابات الأخيرة، محاولة من ولي العهد السعوديّ، محمد بن سلمان، لكسب ود الإدارة القادمة للرئيس الجديد جو بايدن من جهة، وتقديم ذكرى الوداع إلى ترامب الذي حول المملكة إلى “بقرة حلوب” لواشنطن في عهده، من جهة أخرى، إلا أنّ السعودية وحلفها لا يمكن أن يتهاونوا في علاقاتهم مع الإخوان بأيّ شكل من الأشكال، لأنّهم يجدون في هذا التنظيم تهديداً حقيقيّاً بكل ما تعنيه كلمه تهديد من معنى.
وإنّ أسباب المصالحة معروفة للقاصي والداني وعنوانها العريض ” تعزيز الجبهة المعاديّة للجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة”، ناهيك عن أنّها ستكون بمثابة هدية لبايدن، بعد أنّ أصبح محمد بن سلمان يشعر وكأنه في “مرمى النيران” بعد هزيمة ترامب في الانتخابات ويريد صفقة مع قطر ليظهر أنّه مستعد وجاهز لتقديم الطاعة.
وكانت مطالب القيادتين السعودية والإماراتيّة من قطر قد تركزت على تخفيف حدة قناة الجزيرة الناطقة بالعربيّة والتابعة لنظام آل ثاني، وانهاء انتقادها للسعودية، في الوقت الذي تتهم القناة بأنّها “أداة دعائية للنظام القطريّ”، فيما رفضت الدوحة التنازل عن شروطها قبل المحادثات، وطلبت إجراءات “بناء الثقة” مثل رفع الحظر الجويّ والسماح بحريّة تنقل المواطنين القطريين إلى الدول التي فرضت الحظر.
المصدر : موقع الوقت التحليلي
المادة الصحفية : تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع