السياسية – رصد :

علي محسن حميد*

عدن الاسترتيجية ليست الميناء وحده الذي كان في عهده الذهبي الميناء الثالث في العالم بعد مينائي نيويورك وليفربول البريطاني .عدن هي المطار أيضا.مطار خورمكسرمقر القاعدة العسكرية الجوية البريطانية التي كانت الأهم في المنطقة وكانت تحمي مصالح بريطانيا شرق السويس ومنه كانت تنطلق الهجمات الجوية البريطانية للقضاء على ثورة 14 اكتوبر وخصوصا ضد ثوار ردفان.في ربيع 1964 استقبل المطار 2000 جندي بريطاني معززين بالدبابات وطائرات الهيلوكبتر وقاذفات القنابل فيما سمي ب”عملية كسارة البندق” للقضاء على الثورة المسلحة بقيادة الجبهة القومية .

هذا المطار قد يقرر اليوم مصير الوحدة اليمنية بقاء أو رحيلا.لماذا لأنه هو وليس الميناء الذي ستطأه قدما الرئيس هادي إيذانا بإعادة الاعتبار لمنصبه السامي بكل مايتضمنه من معان وأهداف ولبدئه ممارسته لاختصاصاته الوطنية و الدستورية التي حال التحالف دن قيامه بها عمدا وقصدا لإنضاج مايطبخه من سموم لوحدة اليمن والكيان اليمني وللنسيج الاجتماعي.انتظر اليمنيون أربعة عشر شهرا لتشكيل حكومة وفق، وددت هنا أن أكتب كلمة “وفاق” بدلا من وفق ولكن… وفق اتفاق الرياض الموقع في 5 نوفمبر2019 وهذا يعني أن فراغا حكوميا بكل مترتباته لم يؤذ المعنيين المقيمين في الرياض أو يستفز وطنيتهم لإنهائه .لو كان اليمن يعيش وضعا حتى شبه طبيعي حالت ظروف داخلية غير متأثرة بنفوذ خارجي دون التشكيل الحكومي في زمن مقبول لهان الأمر وتم بلع علقمه.وضع اليمن الحالي هو الأكثر خطورة في تاريخه اللاحق لوحدة 1990 بين شطريه وفيه قد يكون اليمن أولايكون. في وضع كالوضع الحالي يفترض أن كل سلطة فيه هي سلطة حرب نظيفة اليد والوقت لديها من ذهب، لاتضيع وقتا ولاموارد لأن ضياع الإثنين يؤدي إلى إهراق المزيد من الدماء ونزيف الموارد وإضعاف فرص الحل السلمي وينذر بتحقيق الأطماع المعلنة والمستترة لمن لايريدون أن تقوم لليمن قائمة. هذا إذا كانت هذه السلطات المتنافرة جميعها التي تفتقر لتأييد الشعب تقدرقيمة الوطن وما يضيفه أو يخصمه الوقت من مصالح اليمنيين في السلام والاستقرار ولن أقول الرفاه الاجتماعي لأن هذا التعبير لم يأت على لسان مسؤل يمني على الإطلاق .

تشكلت الحكومة في 18 ديسمبر في الرياض واستدعي الوزراء لأداء القسم في الرياض خلافا لما نص عليه الاتفاق عن عودة الرئيس هادي إلى عدن وأداء يمين الولاء للوطن أمامه في مدينة عدن المفترض أن تحترم قيمتها كل الأطراف باعتبارها العاصمة السياسية المؤقتة. لم يعود هادي. ولم يؤد الوزراء يمين الولاء الوطني أمامه في وطنهم وكان الاستثناء الوحيد الوزير الناصري حسين عبد الرحمن الأغبري الذي تمسك باتفاق الرياض وأصر على أن يقسم اليمين في عدن وليس في عاصمة دولة هي طرف أساسي في مأساتنا.. أطراف الصراع في اليمن من الخارج هم السعودية والإمارات وامريكا وبريطانيا ومن الداخل حلفاءهم ،المجلس الانتقالي والسلفيين و”قوات حراس الجمهورية” بقيادة طارق محمد عبد الله صالح الذي أسهم مع أسرته وبطانتها الفاسدة في ضياع الجمهورية والوطن وأتى متأخرا للبحث عنها كأجير لايدعمه عمق داخلي ويوظفه طرف خارجي لاشأن له بالجمهورية ومايهمه هو مافي هذه الجمهورية من موانئ ومطارات وجزر وثروات ويوظف الأنيميا الوطنية وفقر الدم الأخلاقي عنده وعند غيره كمعاول هدم للوحدة الوطنية ولتحقيق مآربه الاستعمارية التوسعية.حادث المطار في 30 ديسمبر 2020 له معان وأبعاد خطيرة لأنه لم يكن بالهجوم العادي وربما شاءت الأقدار ألا يصاب رئيس الحكومة ووزراؤه في مقتل لكي لاتتوفر الفرصة وتكتمل الذريعة لتحويل عدن إلى ساحة حرب بين طرفين غير متكافئين ، الانتقالي، الانقلابي سابقا، وهادي الذي أضعفه “التحالف” ولكنه يستمد قوة سياسية محدودة من قوى غير عربية، لفرض أمر واقع في الجنوب هو إعلان دولة انفصالية تقودها قوى محلية في خدمة أهداف الإمارات المستعدة أن تضحي مقابل هذه اللُقية الاستراتيجية بعلاقاتها مع السعودية أو تتقاسم معها الكنز اليمني الذي لم يقدر أصحابه قيمته.

إن أطماع الإمارات ، اسبرطة الشرق، تبز المطامع السعودية التي تنحصر في تفتيت النسيج الاجتماعي اليمني لصالح السلفية الوهابية لنصبح صورة مشوهة لمجتمعها بدون ماض وتاريخ وحضارة ودور، واقتطاع جزء من اليمن بالاحتلال يمكنها من الإطلالة على بحر العرب وإضعاف سلطنة عمان وينتهك القرار 2216(ابريل 2015) قراردعم وحدة اليمن واستقراره وسيادته وسلامة أراضيه وعودة الشرعية ليس فقط إلى عدن بل إلى صنعاء وصعدة لتحقيق طموح هادي برفع علم الجمهورية كما قال على جبل مرّان. لم يسأل أحدا نفسه لماذا لم يعد أحدا يتحدث عن 2216 وهل هناك تماه بين مصالح الأطراف الداخلية والخارجية المتناحرة التي لاتريد للحرب خاتمة وتخدم الأوضاع الحالية مصالحها الضيقة.

أهداف الهجوم على مطار عدن:

-1 رسالة قوة ورسالة سياسية إلى الرئيس هادي بأنه إذا فكرجديا بالمجيئ إلى عدن فحياته في خطر ومن ثم فعليه أن يعي أن عودته إليها تساوي حياته.

2- ليفهم هادي بأن عدم عودته إلى عدن تنتقص من شرعيته ونفوذه على أطراف الصراع لأن الشرعية تكتسب بممارسة السلطة على التراب الوطني وبالمؤسسات الثلاث للشرعية ،التنفيذية والبرلمانية والقضائية وليس بشرعية يختزلها البعض بشخصه ، بجانب الاستقلال في صنع القرار والسيطرة على موارد الدولة وأراضيها ومياهها وأجوائها وعلى القرار العسكري وعلى القوات المسلحة وقوات الأمن وحيازة الرضا الشعبي العام.

3- بقاء هادي في الرياض يسيل لعاب الانفصاليين وأصحاب المشاريع الصغيرة المؤقتة والحريصين على استمرار الحرب وعدم الحسم والمتورطين والتائهين وطنيا وأصحاب الولاءين ومن لايريدون أن يفقدوا الدجاجة التي تبيض ذهبا.هؤلاء مع شرعية لايريدون لها النصرويسهمون في إضعافها مهما بالغوا في رطانتهم وتزلفهم.

4- بقاء هادي في الرياض ومنعه من الوصول إلى مطار عدن من ممهدات تفكيك تدريجي لليمن حذر منه السيدين عمرو موسى وفؤاد السنيورة في مقال مشترك في الأهرام في نوفمبر 2014 ويفرض أمرا واقعا وفي خاتمة المطاف يتطور إلى الأسوأ ويتضاد مع مصالح اليمنيين وبناء عليه سيأتي وقت يكون فيه هادي تحت ضغط واقع جديد لايجد فيه مايتحدث عنه ولا حتى عن شرعيته وضع أشبه بوضع فلسطين 1967 والمستوطنات الإسرائيلية التي جعلت وتجعل من قيام دولة فلسطينية عملية مستحيلة وخاصة في ضوء التماهي الامريكي الكامل مع المشروع الصهيوني والتراخي الاوربي حيال هذا المشروع التوسعي الاستعماري.

5- إن شرعية هادي هي المستهدفة من الهجوم المُحكم التنفيذ والتوقيت وانتقاء الهدف ويقينا أن الهجوم أضعفه فوق ضعفه.

6- لو استقام الحال منذ البداية لشكل هادي ،مجموعة أزمة، برئاسته تكون في حالة انعقاد دائم لمناقشة ومواجهة أي أزمة ووضع الحلول لها.

7- إن قرار الهجوم على المطار لم يكن قرارا لفئة يمنية ما وإنما قرارا خارجيا وعلى كل اليمنيين التمعن في هذه الحقيقة وأبعادها ومخاطرها وأن لايستبعدوهذا الاحتمال.

8 – اليمن يضيع من بين أيدي أبنائه الذين لم يعودوا صناع قراره ومصيره وبعد ست سنوات من الحرب والدمار والتجويع والحصار وفشل الحل العسكري لاسبيل لليمنيين إلا سبيل السلام وإعلان كل الأطراف المتصارعة هدنة طويلة تمكن مبعوث الأمم المتحدة من القيام بمهمته لتحقيق مصالحة وطنية هي وحدها من سيصون اليمن ووحدته وتحقق مصالح كل الأطراف. إن وطنية اليمنيين على المحك.

* كاتب ودبلوماسي يمني
* المصدر : رأي اليوم
* المادة التحليلية تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع