ترتيبات جديدة للوقود في اليمن… الحكومة نحو توحيد الاستيراد والتوزيع
السياسية – رصد:
محمد راجح
كشفت مصادر مطلعة في الشركة اليمنية للنفط والبنك المركزي اليمني في عدن، عن ترتيبات جديدة لتنظيم استيراد المشتقات النفطية التجارية وحصر توزيعها في جميع المحافظات عبر شركة النفط الحكومية فقط، بحيث يتولى البنك المركزي عملية توفير العملة الأجنبية لتجار الوقود، ومساعدتهم على فتح الاعتمادات المستندية لاستيراد البنزين والديزل.
وقالت المصادر لـ”العربي الجديد”، إن هناك مساعي حثيثة لإحداث تغيير شامل في السياسة المالية خلال الفترة القادمة، بما يؤدي إلى تعزيز قدرة البنك المركزي وتوفير العملات الصعبة مثل الدولار، بهدف تمكينه من الإيفاء بالتزاماته وأهمها تغطية متطلبات الاستيراد وتغطية احتياجات الأسواق المحلية من السلع الأساسية.
ووفق المصادر، يتوقع البنك المركزي، عقب تشكيل الحكومة الجديدة، الحصول على موارد مالية، سواء عبر وديعة خارجية من السعودية، أو من الموارد العامة التي تأمل السلطات المالية الحكومية أن ترفع الجهات التي لا تمثلها مثل المجلس الانتقالي الجنوبي أو الحوثيين، يدها عنها لتتاح لهذه السلطات الرسمية تحصيلها وإعادة الدورة النقدية وتوحيد قنواتها عبر البنك المركزي اليمني في عدن.
وبينما تهدف الترتيبات الجديدة إلى إعادة ضبط موارد الدولة وتنظيم عمليات استيراد الوقود، فإن القلق يسيطر على المواطنين والأنشطة الاقتصادية المختلفة في العديد من المدن، حيث ظل الوقود في قلب الصراع بين الأطراف المتناحرة على مدار السنوات الست الأخيرة.
وتلوح في الأفق أزمة جديدة في الوقود في العديد من المناطق الواقعة شمال وغرب البلاد، حيث يشكو سائقو مركبات وشاحنات ومزارعون وصناعيون من صعوبة بالغة في الحصول على احتياجاتهم الكافية من البنزين والديزل، مع قيام السلطات المعنية بتقنين ضخ الكميات المتوفرة لديها عبر مجموعة محدودة من محطات التعبئة في صنعاء ومناطق أخرى، فيما انخفضت حدة الأزمة التي كانت تعاني منها مدن أخرى مثل عدن ومحافظات في جنوب اليمن منذ مطلع الأسبوع الماضي.
وقال المحلل المالي والمصرفي، نشوان سلام، إن التشوهات الحاصلة في سوق الوقود عميقة وواسعة نتيجة للصراع الدائر في البلاد والانقسام المالي الحاصل، وهو ما قد يصعب عمل المؤسسات الحكومية، لأنها تحتاج إلى ترتيب وتوحيد تنفيذ أي إجراءات تقوم بها.
وأشار سلام، في حديث لـ”العربي الجديد”، إلى عدم ارتباط البنك المركزي في عدن بفروعه، خصوصاً في صنعاء، أو فرع الحديدة غربي اليمن الذي تعتزم الأمم المتحددة استخدامه كحل وسط لتوحيد القنوات المالية بين طرفي الصراع، وفقاً لاتفاق استوكهولم الموقع قبل عامين.
ولفت إلى مخلفات وتبعات الصراع الذي شهدته عدن ومحافظات يمنية في جنوب اليمن بين الحكومة والمجلس الانتقالي الجنوبي، والذي تسبب في تعطيل وشل حركة مرافق عامة حيوية مثل مصافي عدن، التي تركز عليها عملية استيراد المشتقات النفطية، إضافة إلى المصافي الأخرى لتكرير النفط في حضرموت ومأرب، وافتقاد محافظة شبوة النفطية التي تشهد حركة واسعة لترتيب القطاع النفطي والغازي في اليمن لوجود مصفاة لتكرير النفط.
وتعتزم الحكومة اليمنية الجديدة عقب تشكيلها، العمل على تفعيل الإدارات العامة لموارد الدولة، بما فيها عملية استئناف الإيرادات النفطية والغازية والضريبية والجمركية إلى البنك المركزي في العاصمة المؤقتة للحكومة.
لكن هناك من يرى أن ما سيتم اتخاذه من قرارات لتنظيم استيراد المشتقات النفطية قد يزيد لهيب أزمة مستمرة بالأساس مع صنعاء والمناطق الخاضعة لنفوذ الحوثيين التي تشكو من استمرار احتجاز السفن المحملة بالوقود ومنعها من المرور إلى ميناء الحديدة.
ولم تتعاف الأسواق والقطاعات الاقتصادية مثل الزراعة والصناعة من تبعات وآثار الأزمة السابقة التي تجتاح البلاد بشكل متواصل منذ منتصف العام الحالي، إضافة إلى تبعاتها في تفاقم الأزمات الغذائية والمعيشية، وتشديد إجراءات التفتيش في الموانئ على السفن المحملة بالوقود.
في الأثناء، نظمت شركة النفط اليمنية الخاضعة لسيطرة الحوثيين، في وقت سابق من ديسمبر/كانون الأول الجاري، وقفة احتجاجية أمام مكتب الأمم المتحدة في صنعاء، للتنديد بما قالت إنه استمرار احتجاز سفن المشتقات النفطية من قبل التحالف والحكومة اليمنية.
المسؤولون في الشركة أكدوا استمرار احتجاز نحو 10 سفن محملة بالوقود، أهمها السفينة “بندج فكتوري” التي وصلت فترة احتجازها إلى 8 أشهر ونصف، وبلغت الغرامات عليها نحو 5 ملايين دولار، وهو ما يعادل قيمة الشحنة.
وقطع الطرفان، الحكومة اليمنية والحوثيون، في استوكهولم على أنفسهم التزاما يتمثل في استخدام إيرادات موانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى المحصلة من استيراد الوقود كالضرائب والجمارك في دفع رواتب موظفي القطاع العام في كل اليمن، إلا أن التقدم في هذا الملف ما زال بطيئاً، وهو ما قد يفاقم الوضع المعيشي المتردي.
وتصل فاتورة الأجور والمرتبات في اليمن إلى حوالي 75 مليار ريال شهرياً، منها 50 مليار ريال (الدولار يعادل 780 ريالا) لموظفي الخدمة المدنية يستفيد منها 1.25 مليون موظف وأسرهم.
في المقابل، بلغت حصة الحكومة من إنتاج النفط الخام التي سلمتها للمصافي المحلية وصدّرتها للخارج 34.3 مليون برميل عام 2014. وبافتراض انخفاض القدرة الإنتاجية لحقول النفط حالياً نتيجة الحرب بنحو 50%، تبقى هناك إمكانية لتعبئة 1.8 مليار دولار سنوياً، بما يمثل 97% من إجمالي مرتبات موظفي الدولة، في حال حصلت الحكومة اليمنية على تسهيلات أكبر لإعادة التصدير والتوافق على تضييق هوة الانقسام المالي، واستئناف تصدير الغاز الطبيعي المسال الذي بلغت حصة الحكومة منه 753.5 مليون دولار عام 2014، وفق محللين اقتصاديين.
ولن يقتصر الأثر الإيجابي لاستئناف إنتاج وتصدير النفط والغاز على دفع المرتبات، بل سيمتد إلى كل المؤشرات والموازين الاقتصادية الكلية، بما في ذلك تمويل واردات السلع الأساسية بسعر الصرف الرسمي، وتهدئة تقلبات سعر الصرف، والحد من موجات التضخم، واستئناف الدورة النقدية في الاقتصاد، وتخفيف حدة الأزمة الإنسانية في البلاد.
وقال الباحث الاقتصادي منير القواس، إن أزمة الوقود فاقمت الأوضاع المعيشية والإنسانية في اليمن بصورة تفوق قدرات السلطات المحلية والأممية على التعامل معها، وهو ما دفع الأمم المتحدة، منذ منتصف ديسمبر/كانون الأول، إلى إطلاق سلسلة تحذيرات من مجاعة شاملة وشيكة في اليمن.
وتستند هذه التحذيرات، وفق حديث القواس لـ”العربي الجديد”، على عديد المؤشرات، ومنها تفاقم أزمة الوقود وتبعاتها الكارثية على نسبة كبيرة من السكان والقطاعات الاقتصادية.
* المصدر: العربي الجديد
* المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع