السياسية – مركز البحوث والمعلومات: زيد المحبشي
أن تكون مسلماً يرفض الضيم والتبعية والخضوع والخنوع لدول الاستكبار العالمي، فعليك أن تؤمن بأن عزة ورفعت وكرامة أمتك لا تكون بالخطابات والشعارات، بل بالعمل الجاد والمخلص للقضاء على كل مظاهر وأغلال التبعية، وتحقيق الاكتفاء الذاتي في مختلف مناشط ومجالات الحياة، بدءاً بزراعة الغذاء وصناعة الدواء والملابس ومروراً بصناعة الكماليات من مركبات وغيرها، وانتهاءاً بالصناعات العسكرية والأمنية، وبذلك تحقق الأمة الاكتفاء الغذائي والدوائي والصناعي والعسكري، ..، وبالتالي تحررها سياسياً واقتصادياً وثقافياً، وتكنولوجياً، ..ألخ.
هذه الأمور مجتمعة مثلت المحرك الرئيسي لثورة المستضعفين التي قادها الإمام الخميني رحمة الله عليه، وتكللت بإزاحة كابوس الشاه المقبور عن صدور الإيرانيين في العام 1979، بعد عقود من التبعية للصهاينة والغرب وأم الشرور أميركا، وما خلفته تلك التبعية من كوارث لم تقتصر شظاياها على المجتمع الإيراني، بل فاض لهيبها ليحرق المحيط العربي والإسلامي، ومعها بدأت إيران تشق طريقها بخُطاً ثابتة وواثقة نحو التحرر من أغلال التبعية، وكانت الصناعات العسكرية نقطة مضيئة في سجل التحرر السياسي، ما أثار غضب الكيان الصهيوني وأباطرة الطغيان الإمبريالي العالمي، ومعها بدأت المؤامرات تحاك ضد هذا البلد المسلم الحر، والعقوبات الأممية والأميركية تنهمر عليه بلا كوابح أخلاقية ولا نواميس إنسانية.
ويُعد البرنامج النووي إحدى دعائم التصنيع العسكري، وأكثرها إثارة لمخاوف الصهاينة والغرب، رغم التأكيدات الإيرانية المستمرة باستخدامه للأغراض السلمية، وعدم تعارض ذلك مع القوانين والمواثيق الدولية، ناهيك عن رُهاب الصناعات الصاروخية وهي الدعامة الثانية للتصنيع العسكري، رغم أنها حقٌ مشروع للدول، للدفاع عن نفسها، وبما أن البراعة الإيرانية في نفض أغلال التبعية لم تتوقف على حدود الاكتفاء المحلي، بل تجاوزته الى مناصرة قضايا الأمتين العربية والإسلامية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، فهذا يعني تلاشي مصالح طغاة الإمبريالية وأحلامهم الاستعمارية، والإيذان بانقراض غدتهم السرطانية المزروعة في قلب أمتنا العربية، ما دفعهم الى رفع مستوى الخطر والعمل بمختلف الوسائل وعلى كل الجبهات من أجل فرملة هكذا توجهات إسلامية تحررية.
في هذه القراءة سنكتفي بالحديث عن السجل الأسود للموساد الصهيوني في اصطياد العلماء الإيرانيين العاملين في البرنامج النووي، وتحديداً ما بعد العام 2010، وما شهدته السنوات العشر الأخيرة من تسريع إيران في رفع عدد أجهزة الطرد المركزي الى آلاف عدة، بعد أن كان العدد يقتصر على أجهزة قليلة، وبعد أن امتلكت المعرفة العلمية لدورة الوقود النووي بالكامل، ما أثار حفيظة واشنطن وتل أبيب والاتحاد الأوربي، وإتهام طهران بالسعي لامتلاك سلاح نووي.
ومن يومها أصبح علماء النووية الإيرانية هدفاً لعمليات اغتيالات واسعة النطاق، مدروسة ومركزة، قامت بها أجهزة المخابرات الصهيونية بالتنسيق مع أجهزة مخابرات أجنبية وعملاء محليين، طالت المؤسسة الأمنية الإيرانية بالصميم، ووضعت على لائحة الاغتيالات، حياة عشرات العلماء الإيرانيين العاملين في البرنامج النووي، لأهداف وغايات سنحاول الوقوف عليها في القراءة التالية.
تاريخ أسود من الاغتيالات
تمكن الموساد الصهيوني بالتنسيق مع الاستخبارات الأميركية خلال الفترة 2010 – 2020، من تصفية خمسة من خيرة علماء إيران في المجال النووي، والتخطيط والتنفيذ لسلسلة من التفجيرات داخل إيران، راح ضحيتها المئات من أبناء هذا البلد الإسلامي الحر:
1 – “مسعود علي محمدي”:
أستاذ فيزياء الجسيمات في جامعة طهران وأحد خريجي جامعة شريف الإيرانية، الشهيرة بجامعة النخبة والعباقرة.
أُستُشهد في 12 يناير 2010، بواسطة دراجة نارية مفخخة، وُضعت بالقرب من منزله في شمال طهران، وتم تفجيرها بالتحكم عن بعد أثناء مروره بسيارته.
وتمكنت أجهزة الأمن الإيرانية من إلقاء القبض على الجاني، ويُدعى “مجيد جمالي فاشي”، وهو الاغتيال الوحيد الذي أعلنت فيه طهران عن اعتقال مشتبه فيه واضح، وبعد التحقيق اعترف المتهم بتلقيه تدريبات مكثفة على يد الموساد الصهيوني في أذربيجان، وتزويده بالتعليمات اللازمة حول عمليات الاستطلاع وكيفية تنفيذ عمليات الاغتيالات، وتقاضيه 120 ألف دولار مقابل تنفيذ العملية.
توقيت تنفيذ العملية يأتي بعد سبعة أشهر فقط من اختطاف الموساد العالم النووي “شهرام أميري” في مايو 2009، وتوجيه إيران الاتهام لإسرائيل وأميركا في ديسمبر 2009 بالوقوف وراء العملية، بالتوازي مع بداية الفترة الرئاسية الثانية لـ “محمود أحمدي نجاد”، وما شهدته من تقدم مُتسارع في عملية تخصيب اليورانيوم، أثارت رعب وفزع تل أبيب، وشنها حملة شرسة لعرقلة البرنامج النووي الإيراني، افتتحتها باغتيال “مسعود محمدي”، وشن هجمات إلكترونية على منشأة “نطنز” و”بو شهر” وغيرها من المواقع النووية الإيرانية.
2 – “مجيد شهر ياري”:
أستاذ الفيزياء بجامعة “الشهيد بهشتي” في طهران، وأحد المسؤولين عن المشاريع الكبرى في برنامج طهران النووي، وكان له دور رئيسي في البرنامج النووي الإيراني.
اُستُشهد في 20 نوفمبر 2010، بواسطة قنبلة مغناطيسية ألصقها راكب دراجة على سيارته في شمال طهران، وتم تصفيته في ذروة الأزمة مع القوى العالمية بشأن البرنامج النووي الإيراني.
وفي نفس التوقيت تم استهداف رئيس هيئة الطاقة الذرية السابق “فريدون عباسي دافاني”، وبذات الطريقة، وقد نجا بأعجوبة، حيث أحسّ بخبطة أسفل السيارة، فغادرها على الفور مع زوجته، وانفجرت السيارة بعد لحظات، وأُصيب وزوجته بجراح، ولحُسن طالعه أصبح فيما بعد نائباً لرئيس الجمهورية، ورئيساً لهيئة الطاقة الذرية، وأشرف على توسيع البرنامج النووي في إنتاج الوقود في المواقع الذرية الإيرانية.
واتهم الرئيس الإيراني حينها “محمود أحمدي نجاد” إسرائيل والغرب بالتورط في الاغتيال.
3 – “داريوش رضائي نجاد”:
حائز على شهادة الدكتوراه في الهندسة الكهربائية من جامعة “خواجة نصيرالدين الطوسي” الصناعية، وأحد أهم الباحثين المتخصصين فيها، وفي العام 2011 أصبح جزءاً من أبحاث إيران النووية، وأحد أهم علمائها النوويين.
أُستُشهد في 23 يوليو 2011، بعد أن أطلق عليه مسلحين يستقلون دراجة نارية 5 رصاصات، أمام منزله في طهران.
وأكدت زوجته “شهره بوراني” في مقابلة صحفية مع موقع “العربي الجديد” تلقيه العديد من الاتصالات والتهديدات المجهولة، كما تلقى عروض عمل مغرية خارج البلاد، فضلاً عن عروض منح ومناصب في مراكز بحوث غربية، لكنه رفضها كلها.
وبعد 3 أشهر من استشهاده، وتحديداً في 12 نوفمبر 2011، تسبب انفجار في مستودع ذخيرة تابع للحرس الثوري بإحدى ضواحي طهران، في استشهاد ما لا يقل عن 36 شخصاً، بينهم الجنرال في الحرس الثوري “حسن تهراني مقدم” بتخطيط واشراف وتنفيذ أميركا وإسرائيل بحسب تقرير لصحيفة “لوس أنجلوس تايمز”، ضمن حملتهم المسعورة ضد البرنامج النووي الإيراني.
4 – “مصطفى أحمدي روشن”:
أستاذ الفيزياء النووية، وهو أحد المسؤولين عن موقع “نتانز” لتخصيب اليورانيوم، الواقع بالقرب من أصفهان وسط البلاد، وأحد مديري منشأة “نطنز” النووية المتخصصة في تخصيب اليورانيوم والمحطة النووية الأم في إيران.
أُستُشهد في 11 يناير 2012، عن عمر يناهز 32 عاماً، بواسطة قنبلة مغناطيسية أُلصقت على سيارته في طهران، وهو أصغر العلماء النوويين الإيرانيين المستهدفين.
ولأهمية هذا العالم أدرج مجلس الأمن الدولي اسمه ضمن قوائم لوائح العقوبات المغضوب عليها من قبل البيت الأسود، كما أنه التقى شخصياً بمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بحسب موقع هيئة الطاقة الذرية الإيرانية، وهو ما جعل أصابع الاتهام تتجه أيضا نحو هذه الوكالة.
وفي 3 يناير 2015، نجحت السلطات الإيرانية في إحباط عملية اغتيال كانت تستهدف أحد علمائها النوويين، وفي يونيو و2 يوليو 2020 تعرض مجمع صواريخ “خوجير” ومنشأة “نطنز” لانفجارات عنيفة، تسببت في تدمير صالة تجميع أجهزة الطرد المركزي بمنشأة “نطنز”.
5 – “محسن فخري زاده”:
أستاذ الفيزياء النووية بجامعة الإمام الحسين التابعة للحرس الثوري في طهران، ورئيس منظمة البحث والابتكار “سبند” بوزارة الدفاع الإيرانية، التي كان يعمل نائبا لوزيرها في الوقت نفسه.
وهو من أبرز العلماء الإيرانيين في مجاله، وأحد أهم النخب العلمية المسؤولة عن الصناعات الدفاعية في البلاد، يصفه الإعلام الإيراني بـ “مؤسس البرنامج النووي” و”مدير البرنامج النووي العسكري” الإيراني، وتعتبره وكالات الاستخبارات الغربية والصهيونية العقل المدبر والمسؤول الأول عن برنامج سري للأسلحة النووية في إيران، ووصفته بـ “أبو القنبلة الإيرانية”.
وقارنته صحيفة “نيويورك تايمز” في العام 2015 بالعالم الفيزيائي الذي أدار مشروع “مانهاتن”، أبو القنبلة الذرية الأميركية “روبرت أوبنهايمر”، لدوره الهام في قيادة مشروع “عماد AMAD” الإيراني، وإجرائه سلسلة من الأبحاث حول تطوير قنبلة نووية إيرانية.
وهو ثاني مهندس لاستراتيجية الردع والأمن القومي الإيرانية، يتم استهدافه، منذ الضربة الأميركية على مطار بغداد في 3 يناير 2020 والتي أدت الى استشهاد مهندس استراتيجية الردع الإيرانية الإقليمية قائد قوات القدس بالحرس الثوري “قاسم سليماني”.
لعب “زاده” دوراً محورياً في الارتقاء بالقدرات الدفاعية لبلاده عبر التكنولوجيا النووية، التي نجح في الوصول بها إلى مستويات كبيرة، ونتاجاً لذلك أدرجته مجلة “فورين بوليسي” الأميركية عام 2013 مع خمسة علماء إيرانيين كبار ضمن أقوى 500 شخصية عالمية، وفي 24 مارس 2007، أدرجه مجلس الأمن الدولي على قائمة العقوبات الأممية، ولطالما أرادت الوكالة الدولية للطاقة الذرية التحدث إليه في إطار تحقيقاتها في برنامج إيران النووي.
استشهد و6 من مرافقيه في 27 نوفمبر 2020، في منطقة “ابسرد” التابعة لمدينة “دماوند”، على بُعد 45 كيلو متر شرقي طهران، وفي 30 نوفمبر 2020 تحدثت وسائل إعلام إيرانية أن السلاح المستخدم في عملية الاغتيال صُنع في إسرائيل، وهي الاتهامات التي لم تنفها إسرائيل أو تؤكدها.
يأتي اغتياله وسط تجدد القلق من زيادة كمية اليورانيوم الذي تخصبه إيران، والذي يعتبر متطلباً لتوليد الطاقة النووية السلمية، وكذلك لإنتاج أسلحة نووية، رغم التأكيد الإيراني المستمر على أن برنامجها النووي يخدم أغراضاً سلمية فقط.
ورد اسم “زاده” في تصريحات رئيس وزراء الكيان الصهيوني “بنيامين نتنياهو” بوزارة الحرب الإسرائيلية عن البرنامج النووي الإيراني، في 20 أبريل 2018، وحثّ الناس على تذكُر “اسمه”، ليصبح العالم النووي الوحيد الذي فرض نفسه على ألسنة الحكومة الصهيونية.
وقالت وثائق ادعت إسرائيل انها حصلت عليها في العام 2018، خلال عملية نفذتها لسرقة ارشيف إيران الذري السري، أن “زاده” أشرف على برنامج لإنتاج أسلحة نووية في إطار مشروع “عماد”، بينما قالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن العمل في هذا المشروع توقف في العام 2003.
يُذكر بأن مشروع “عماد AMAD” تأسس العام 1989، وتؤكد جميع المؤشرات المعلنة من عمليات تفتيش الوكالة الدولية للطاقة الذرية على أن المشاريع التي تركز على تطوير الأسلحة النووية تظل خاملة إلى حد كبير، على الرغم من استمرار إيران في برنامجها النووي المتعلق بتخصيب اليورانيوم والطاقة النووية المدنية.
ورغم تسريع هذه الأنشطة منذ مايو 2019 – عندما أوقفت طهران التنفيذ الكامل لخطة العمل الشاملة المشتركة بعد انسحاب أميركا من الاتفاقية النووية في 8 مايو 2018 – فإن ذلك لم يشمل برنامجها للأسلحة، وتحديداً صناعة وتطوير الصواريخ.
وأكدت إيران أن جميع الخطوات التي اتخذتها منذ مايو 2019 قابلة للتراجع إذا دخلت اميركا الاتفاق مرة أخرى.
وكان الاتحاد الأوربي وأميركا والأمم المتحدة قد فرضوا في العام 2010 عقوبات قاسية جداً على طهران، بسبب تخوفهم من استخدام برنامجها النووي السلمي كغطاء لتطوير قنبلة نووية، كما وضع الاتفاق النووي في 2015، الذي توصلت إليه إيران مع أميركا وبريطانيا وفرنسا والصين وروسيا وألمانيا، قيوداً على أنشطة طهران النووية مقابل تخفيف العقوبات عليها.
وفي وقت سابق من نوفمبر 2020، أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن لدى إيران الآن أكثر بمقدار 12 مرة من كمية اليورانيوم المخصب التي يُسمح بها بموجب الاتفاق النووي.
وفي غضون ذلك، تصاعدت التوترات بين أميركا وإيران، وبلغت ذروتها في يناير 2020 مع اغتيال واشنطن “قاسم سليماني”.
لائحة الاتهام:
ثلاثة أطراف شاركت في تصفية علماء النووية الإيرانية، هي الكيان الصهيوني، والذي تولى مهمة التخطيط والتمويل ومحركه إعاقة البرنامج النووي والبرنامج الصاروخي الإيرانيين، وكبح جماح النفوذ الإقليمي الإيراني، وصولاً الى فصل إيران عن محور المقاومة والممانعة، ثم يأتي الدور الأميركي في عملية التمويه والتغطية، وخاتمتها أدوات تنفيذ الجريمة والمتمثلة في منافقي منظمة “خلق” الإيرانية المعارضة والمتخذة من واشنطن مقراً لها، والمعروفة بعلاقتها الوطيدة مع الكيان الصهيوني منذ نشأتها.
1 – إسرائيل:
تبقى إسرائيل المشتبه به الرئيسي في كل عمليات الاغتيال لعدة أسباب، حيث لديها الخبرة والقدرة، وقد فعلت ذلك من قبل، ولديها الدافع لذلك، وهو محور حديثنا في القراءة التالية الى جانب التداعيات وردود الفعل وسيناريوهات الرد المحتملة.
يؤكد الكاتب والمؤرخ البريطاني “مايكل بيرلي” أن “عمليات اغتيال علماء النووية الإيرانية يمكن أن تُنسب إلى إسرائيل بناءً على مشاريعها السابقة، كعمليات اغتيال العلماء النازيين، وقتل جيرالد بول، وعمليات اغتيال عناصر من حزب الله وحماس، مثل عماد مغنية ويحيى عياش من قبل الشاباك”.
وبدأ الموساد حملة اغتيالات ضد علماء إيرانيين كبار منذ سنوات بهدف عرقلة برنامج إيران النووي، على الرغم من انكار إسرائيل لذلك، وفقاً لتقرير الكاتب الصهيوني “دان رفيف” في صحيفة “هآرتس” العبرية.
وفيما يتعلق بـ”زاده” كأخر وأهم هدف للموساد يذكر الصحفي الإسرائيلي “يوسي مليمان”، في كتابه “جواسيس غير مثاليين”، أن “فخري زاده”، يعتبر “دماغ ومدير البرنامج النووي العسكري الإيراني”، وأن الموساد وشعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الصهيوني “أمان”، حاولوا مراراً في السابق تحديد موقعه، من أجل تصفيته، لكن فشلا.
ونقلت صحيفة “نيويورك تايمز”، الأميركية في 27 نوفمبر 2020، عن ثلاثة من مسؤولي المخابرات الأميركية، أن الموساد كان وراء اغتيال “زاده”، ناهيك تهديد “نتنياهو” العلني في العام 2018، باغتياله.
وكالة “رويترز” في تقرير لها، هي الأخرى رجحت مسؤولية الموساد عن اغتيال “زاده”، مستدلة بامتناع مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي عن التعليق على الهجوم، وهو الموقف ذاته الذي اتخذته وزارة الدفاع الأميركية، رغم أن “نتنياهو” كان قد أعلن في كلمة مسجلة له قبل أيام من عملية الاغتيال أنه سيستعرض بعض الإنجازات التي قام بها في الأسبوع السابق للجريمة، في وقت لاحق.
واكتفى وزير حرب الكيان الصهيوني “موشيه يعلون”، في مقابلة مع الصحيفة الألمانية “دير شبيغل”، بالتأكيد على وجوب إيقاف البرنامج النووي الإيراني، وعدم قبول إسرائيل تحت أي ظرف من الظروف أن تمتلك إيران سلاحاً نووياً: “اسرائيل ستستخدم كامل طاقتها لمنع إيران من إنتاج الأسلحة النووية”.
وكشف موقع “ذا هيل” القريب من الكونغرس أن الكيان الصهيوني كان يستخدم في الماضي عملاء من خصوم النظام الإيراني للقيام بالمهمات القذرة، التي تشمل عمليات الاغتيال، ولكن من المرجح أن عملية اغتيال “زاده” كانت على يد إسرائيليين من داخل إيران، بسبب الاحتراف والتعقيد في هذه العملية.
وأكد الكاتب “سايمون هندرسون”، مدير برنامج “برنشتاين” لشؤون الخليج وسياسة الطاقة، عودة إسرائيل إلى سياسة الاغتيالات، التي كانت تنفذها بين عامي 2010 و2012 باغتيال علماء إيرانيين.
وقال أنها اضطرت لتعليق برنامج الاغتيالات بطلب من إدارة الرئيس الأميركي السابق “باراك أوباما”، حتى توافق إيران على أن تكون طرفاً في خطة العمل المشتركة “الاتفاق النووي”، وفي عام 2018 خرجت إدارة الرئيس “دونالد ترامب” من الاتفاق، وهي اليوم تحاول استغلال الأسابيع الأخيرة من ولاية “ترامب” لاتخاذ إجراءات ضد إيران، قد يكون من الصعب الإفلات من عواقبها في ظل إدارة الرئيس الأميركي الجديد “جو بايدن”.
2 – أميركا:
في عهد إدارة “أوباما” نفت وزيرة الخارجية الأميركية “هيلاري كلينتون”، نفياً قاطعاً أي دور لبلادها في قتـل العلماء الإيرانيين.
وفي ذات السياق يرى الكاتب “تريتا فارسي”، ان عملية الاغتيالات لا تتطابق مع أساليب وكالة الاستخبارات الأميركية، لكن ربما حازت على دعم أميركي، فمن المعروف أن الرئيس الأميركي المنتهية ولايته “دونالد ترامب” قد فكر في مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية في مستهل شهر نوفمبر 2020، وهو ما أكدته أيضاً وكالة “رويترز” في إشارتها الى اتهام طهران للرئيس الأميركي “ترامب” بمبارك عملية القتل.
ورفض البيت الأبيض ووزارتا الدفاع والخارجية ووكالة المخابرات المركزية “سي آي أيه” التعليق على اغتيال “زاده”، لكن “ترامب” أعاد بالفعل نشر عدة تقارير تسلط الضوء على الاغتيال.
ومن غير المرجح أن تكون إسرائيل قد نفذت الاغتيال دون الحصول على ضوء أخضر من إدارة “ترامب”، لذا لا يمكن استبعاد دور أميركي أكثر مباشرة، خصوصاً وأن إدارة “ترامب” سبق لها وأن أجرت عدة عمليات تخريبية مشتركة مع إسرائيل ضد المنشآت النووية الإيرانية في العام 2019، واعتمدت جزئياً على المخابرات الإسرائيلية في اغتيال الجنرال “قاسم سليماني”.
وفي وقت سابق من شهر نوفمبر 2020، تحدث “ترامب” مع كبار مستشاريه للأمن القومي عن احتمال مهاجمة إيران، في وقت كان فيه وزير خارجيته “مايك بومبيو”، يلتقي برئيس الوزراء الإسرائيلي وقادة في دول لديها خصومة مع إيران في الخليج العربي، ولا سيما السعودية والإمارات، بالتوازي مع تأكيد تقارير غربية ثني مساعدي “ترامب” عن توجيه ضربة عسكرية لإيران في اللحظات الأخيرة، ما يعني أن اغتيال “زاده” قد يكون أحد الخيارات أمام “ترامب” للرد على التعزيز النووي الأخير، قبل انتقال الرئاسة الأميركية للرئيس المنتخب “جو بايدن” والمعروف بتأييده للاتفاق النووي مع ايران.
وتسعى إدارة “ترامب” من هكذا خطوة إلى تسريع ما يسمى بحملة “أقصى ضغط” قبل رحيلها، بدلالة توقيت اغتيال “زاده” بعد أسبوعين فقط من طلب “ترامب” خيارات عسكرية ضد البرنامج النووي الإيراني، في أعقاب التقرير الفصلي الأخير للوكالة الدولية للطاقة الذرية عن إيران.
كما تشير سرعة اعادة “ترامب” تغريد المنشورات التي أبلغت عن الحادث، إلى مستوى معين من تورط بلاده أو معرفتها أو دعمها.
ومن المرجح أن يكون اغتيال “زاده” محاولة أخيرة لإغراء طهران بالانتقام وإحباط أي دبلوماسية مستقبلية بين أميركا وإيران.
3 – منافقي خلق:
اتهم مسؤولان في إدارة الرئيس الأميركي السابق “باراك أوباما” منظمة “منافقي خلق” بتنفيذ الاغتيالات بالتنسيق مع الموساد، في حين تنفي المنظمة أي تورط مع إسرائيل.
واستخدمت إسرائيل في الماضي عملاء من هذه المنظمة للقيام بهجمات في إيران، وهي أول منظمة إرهابية نفذت عمليات اغتيال انتحارية داخل إيران، خدمة لأسيادها في تل أبيب والبيت الأسود.
المراجع:
1 – زكريا أبو سليسل، إسرائيل في الوقت الضائع: اعتداء أمني في طهران، الأخبار اللبنانية، 28 نوفمبر 2020
2 – د. عدنان منصور، اغتيال إسرائيل للعلماء النوويّين الإيرانيّين ليس مفاجأة.. فأين الحماية، البناء اللبنانية، 28 نوفمبر 2020
3 – فرح الزمان شوقي، اغتيال علماء الذرة.. حرب إسرائيل المستمرة ضد إيران، العربي الجديد، 19 مايو 2015
4 – الموسوعة الدولية الحرة “ويكيبيديا”، اغتيال العلماء النوويين الإيرانيين.
5 – صحيفة القدس العربي، موقع ذا هيل: تفاصيل جديدة في عملية الاغتيال الإسرائيلية للعالم النووي الإيراني، 27 نوفمبر 2020
6 – موقع بي بي سي البريطانية، اغتيال محسن فخري زادة: إيران تتهم إسرائيل متوعدة برد “كالرعد في الوقت المناسب”، 28 نوفمبر 2020
7 – موقع يورونيوز، اغتيالات استهدفت علماء نوويين إيرانيين والاتهام لإسرائيل دائم، 28 نوفمبر 2020
8 – موقع الشارع السياسي المصري، اغتيال العالم النووي الإيراني “محسن زادة” – الرسائل والتداعيات وسيناريوهات المستقبل، 3 ديسمبر 2020