دم اليمنيين يغلي
د. عبد الستار قاسم*
على مدى سنوات ونفوس اليمنيين تسقط صرعى بفعل النيران التي تقذفها طائرات ودبابات ومدافع غربية أمريكية بأثواب عربية قبيحة المظهر عفنة الحشوة. بيوت أهل اليمن تُدمّر، ومزارعهم تُحرق، ومؤسساتهم ومنشآتهم تتحول إلى أنقاض، وأطفالهم يتضورون جوعا، وتهلكهم الأوبئة والأمراض.
مؤسسات غربية وجمعيات إنسانية غير حكومية تصرخ من أجل إنقاذ أهل اليمن وتجنيبهم ويلات الحرب المشؤومة، في حين أن أغلب حكومات الدول الاستعمارية تستمر في ضخ الأسلحة الفتاكة إلى التحالف السعودي إمعانا وإصرارا على استمرار ما يعانيه اليمنيون من عذاب وفاقة ونزيف دماء وتدمير منازل. ولا تنفك الجمعيات والمنظمات الحقوقية تطالب حكوماتها بحظر تصدير السلاح للسعودية ومن والاها، لكن ما من مجيب. أصوات غربية تصرخ، وأصوات عربية مكتومة لا نسمعها وكأن اليمن تحيا حياة الترف والرفاه وبحبوحة العيش. لا نكاد نسمع صوتا لأحزاب عربية أو منظمات إنسانية أو حكومات أو تجمعات جماهيرية من أجل وقف الحرب على اليمن. وكأن كل العرب على مختلف أطيافهم قد أجمعوا أن المال السعودي أهم وأثمن من دماء أهل اليمن.
من العرب من يتلقون مساعدات مالية سعودية، ومنهم من يرجو تلقي أموالا في المستقبل. من يتلقى لا يضحي ويأبى أن يقول كلمة حق، ومن يرجو لا يريد أن يضيّع فرصته المستقبلية للحصول على فتات. والطرفان تحكمهما دناءة النفس والاختفاء خلف الباطل عن أعين الحق. وما يحصل من ردود فعل عربية ميته تجاه ما يجري في اليمن لا يخرج أبدا عما اعتدناه من أنظمة العرب من عشقها للهزائم والهروب من القيم الأخلاقية التي لا تحيا الأمم بدونها. القيم الأخلاقية متعبه وحملها يشكل مسؤولية توظف المرء على الدوام رقيبا على نفسه، وأنظمة العرب تفضل دوما الغوص في الأوحال. والمشكلة أن الصمت لا يقتصر على الأنظمة العربية، وإنما يمتد إلى الإعلاميين والأكاديميين والمثقفين والمحامين والمفكرين وقادة الرأي والأحزاب.
هل الحوثيون ومن والاهم هم الذين يتضورون من الحرب والحصار فقط؟ أم أن الحرب تطال كل أهل اليمن وكل أرض اليمن؟ منذ متى اقتصرت الحرب على المحاربين فقط؟ الحرب تحصد عادة من المدنيين ومصالحهم أكثر مما تحصد من العسكريين حاملي السلاح. اليمنيون جميعا ضحايا الحصار والقصف الجوي وهدير الدبابات، وكان من الأولى أن تتحرك الشعوب العربية والإسلامية نصرة لأهل اليمن. فما حل بأهل اليمن يشكل جرائم إنسانية مرعبة لا يجوز التهاون معها أو السكوت عنها. ودم أهل اليمن يغلي وسينفجر قوة وعنفوانا على طول الوطن العربي وعرضه.
لقد فشل التحالف السعودي في تحقيق أهداف الحرب، وانتصاراته تقتصر فقط على قتل المدنيين وتدمير بيوتهم ومصالحهم وتجويعهم. وهذا ما دأب الصهاينة على عمله نتيجة فشل حروبهم. هكذا فعلوا في جنوب لبنان وقطاع غزة. حروبهم لم تنفعهم فأخذوا يقتلون الناس ويهدمون مساكنهم ليصنعوا لأنفسهم إنجازا يغطي عجزهم وعوراتهم الفاضحة. لو كان للتحالف السعودي عقل لأوقف الحرب منذ الأشهر الأولى. ظن التحالف أنه سينهي الحرب خلال مدة قصيرة، لكن أداء اليمنيين في مواجهة العدوان كان ينبئ بطول الحرب التي ستنتنزف الطاقات السعودية واليمنية. وظهر مع الأيام أن اليمنيين يزدادون قوة ويتجهون نحو ردع أقوى على قوى الحرب العربية المتحالفة. ودائما ” متأخرا أفضل من العناد”. المفروض أن السعودية قد تلقت الدرس جيدا، والأفضل لها أن توقف الحرب قبل أن تلحق بها هزيمة نكراء. إنهم لن ينتصروا على اليمن، ومن صمد وازداد قوة خلال سني الحرب لا يتراجع إلى الوراء، وإنما سيقفز إلى الأمام. فهل في السعودية من يعقل ويردع من يركبون رؤوسهم عنادا وصلفا؟
* المصدر : رأي اليوم
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع