السياسية : نجيب هبة

تأثر اقتصاد السعودية سلباً بالعدوان على اليمن وأدى استمرار العدوان وطول فترته ، حيث يشارف عامه السادس على الانتهاء، إلى تأثيرات يمكن أن توصف بالكارثية بالنسبة لاقتصاد يفترض به أن يكون قوياً لاعتماده على الخزينة النفطية الأكبر في العالم.

تقديرات خاطئة لولي العهد محمد بن سلمان وسياسات متهورة ، يضاف إليها الغرور الذي صور له إمكانية حسم الحرب في فترة قصيرة لا تتعدى اسبوعين ، هي التي أدت إلى دخول الاقتصاد السعودي في دوامة الحسابات المعقدة وهبوط منحنى الاقتصاد بشكل لم يكن أكثر المحللين تشاؤما يتوقعه للسعودية..

حيث يعيش الاقتصاد السعودي على وقع أزمات مالية وسياسية وعسكرية قادته إلى الدخول ضمن خانة الاقتصادات سلبية النظرة؛ وذلك في وقت تعاني فيه المملكة تراجعاً مستمراً لإيراداتها بفعل جائحة كورونا وتداعياتها.. وكذلك تؤتي الضربات التي يشنها الجيش اليمني على صناعة النفط في المملكة ثمارها في تهديد العمق الاستراتيجي السعودي

ففي 9 نوفمبر الماضي ، أكدت وكالة التصنيف العالمية (فيتش)، تصنيف السعودية الائتماني باستمراره عند “A”، مع تغيير النظرة المستقبلية من “مستقرة” إلى “سلبية”.

وأوضحت الوكالة أن استمرار التصنيف بالمستوى ذاته يأتي نتيجة تداعيات جائحة كورونا ومخاطر الموجة الثانية، والمتغيرات في أسعار النفط.

وتوقعت، في تقرير لها، ارتفاع عجز الميزانية الحكومية للسعودية إلى 12.8% من الناتج المحلي هذا العام بقيمة 80 مليار دولار ، من 4.5% عام 2019، إضافة إلى “انكماش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بما يزيد قليلاً على 4% هذا العام”.

كما تحدثت “فيتش” عن أن الدين الحكومي السعودي سيصل إلى نحو 35% من الناتج المحلي بحلول نهاية عام 2020، ثمّ سيرتفع إلى 41% بحلول 2022، متوقعة أيضاً “انخفاض صافي الأصول الأجنبية السيادية للسعودية إلى 60% من الناتج المحلي”.

كما توقعت تراجع إيرادات النفط السعودي بنسبة 41%، بافتراض أن متوسط سعر النفط 35 دولاراً للبرميل، وأن تنخفض الإيرادات غير النفطية بنسبة 15% نتيجة وباء كورونا.

وأكدت الوكالة أن “الضعف المستمر في ميزانيات السعودية المالية والخارجية تسارَع، بسبب جائحة كورونا وانخفاض أسعار النفط”.

وكانت “فيتش” خفضت، في سبتمبر الماضي، تصنيف السعودية الائتماني من “A+” إلى “A”، مشيرة إلى التوترات الجيوسياسية والعسكرية المتصاعدة في الخليج وتدهور الوضع المالي للرياض.

وفي تعليقه على ذلك ، قال الخبير الاقتصادي الأردني نمر أبو كف، أن تراجع السعودية في التصنيف “يؤشر على إمكانية حدوث مزيد من التراجع في الفترة القادمة”، خصوصاً مع تقلبات أسعار النفط.

وأشار في تصريح لموقع “الخليج أونلاين” إلى أن سبب التراجع هو “كون السعودية دولة تعتمد كثيراً على النفط، وهي سلعة متقلبة وتتأثر كثيراً بالظروف السياسية والعلاقات الدولية والعسكرية، وليس مرتبطاً بالعرض والطلب”.. مضيفاً “في المستقبل على ضوء ما نشاهده الآن من تغير في أسعار النفط، يمكن أن تتراجع من A إيجابي إلى A- لكن ما زالت في تصنيف عالٍ”.

وأكد أبو كف أن السعودية قد تواجه صعوبات في تقديم “ضمانات أكثر للجهات المانحة، خصوصاً مع تشدد الجهات الدائنة في الشروط والفائدة في الدفع”، مشيراً إلى أن المملكة تبلغ نسبة دينها العام 35% “وهي نسبة مقبولة، وتعتبر حالياً من الدول النامية”.

من جانبه قال يوسف البنيان، الرئيس التنفيذي لشركة “سابك”، أكبر منتج للبتروكيميائيات والأسمدة والصلب في المنطقة، إن “هذا التصنيف لا يعتبر صادماً بالنظر إلى السياسات التي تنتهجها المملكة على الصعيد المالي والعسكري”.. مؤكداً أن “الأسوأ لم يأت بعد”.

تراجع الإيرادات

وكان بن سلمان أعلن بنفسه أن الإيرادات النفطية للميزانية السعودية انخفضت إلى 410 مليارات ريال، بينما كانت توقعات الميزانية عند 513 مليار ريال العام الماضي، قائلا “بالنظر إلى ما تم إعلانه العام الماضي لتوقعات ميزانية 2020، كنا نتحدث عن إيرادات متوقعة تقدر سابقا بـ833 مليار ريال، منها 513 مليار ريال إيرادات نفطية، وبعد انهيار أسعار النفط هذا العام، انخفضت الإيرادات النفطية فعليا إلى 410 مليارات ريال تقريبا”.

وأضاف بن سلمان أن “هذه الإيرادات وحدها غير كافية لتغطية حتى بند الرواتب المقدر بـ 504 مليارات ريال في ميزانية هذا العام، ناهيك عن صعوبة تمويل البنود الأخرى، التي تشمل الإنفاق الرأسمالي بـ 173 مليار ريال والمنافع الاجتماعية بـ 69 مليار ريال والتشغيل والصيانة المقدرة بـ 140 مليار ريال وغيرها… هذا يعني ركود اقتصادي، وخسارة ملايين الوظائف”.

وتذرع ولي العهد بأنه في حال لم يقم برفع الإيرادات غير النفطية إلى نحو 360 مليار ريال هذا العام، ولو بقينا على مستويات 2015 المقدرة بـ 100 مليار ريال تقريبا، لاضطررنا لتخفيض الرواتب للعاملين في القطاع العام بما يزيد عن 30%، وإلغاء البدلات والعلاوات بالكامل، وإيقاف الإنفاق الرأسمالي بالكامل، وعدم القدرة على تشغيل وصيانة أصول الدولة بالشكل المناسب، ولتوقفنا حتى عن دعم بند نفقات التمويل”.

إن سياسات ولي عهد السعودية الخاطئة والتي يأتي في مقدمتها العدوان على اليمن قد انعكست سلباً على اقتصاد المملكة وأدت إلى استنزاف أموال الخزانة السعودية ، كذلك محاولته الفاشلة لوضع نفسه في مكانة أكبر من حجمه الفعلي ، وكذلك المكالمة الهاتفية العاصفة التي أجراها مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عشية اجتماع أوبك الماضي، والتي انتهت بحرب أسعار نفط كارثية؛ تعكس حاليا ما يمر به البلد من أزمة خانقة.. ثمن باهظ تدفعه السعودية من اقتصادها نتيجة التقديرات الخاطئة.

قناة العالم ، قالت في تقرير لها حول الموضوع ، أن ضريبة القيمة المضافة التي فرضتها السلطات السعودية قبل عدة اشهر لوقف انهيار الاقتصاد على طيف واسع من السلع الاستهلاكية، بما في ذلك الاتصالات وحليب الأطفال ، ألقت بظلالها على كاهل المواطن السعودي الذي يواجه عدة أزمات اقتصادية، حيث بلغت زيادة الضريبة على القيمة المضافة في السعودية من 5% إلى 15%.

 السعودية بدون نفط

وأضاف تقرير قناة العالم أن “تحول السعودية إلى دولة مدينة كانت فرضية مستبعدة في الماضي، لكنها باتت الآن احتمالا واردا.. ففي ظل انخفاض سعر خام برنت فإن ولي العهد السعودية في طريقه لاكتشاف ماذا يعني استغناء العالم عن نفط المملكة”.

فالاقتصاد السعودي يشهد تراجعا منذ اشهر، فعندما تولى الملك سلمان العرش في 23 يناير 2015 بلغ إجمالي الاحتياطات الأجنبية 732 مليار دولار، وبحلول ديسمبر من العام الماضي، تقلص ذلك الرقم إلى 499 مليار دولار، وهو ما يعني خسارة قدرها 233 مليار دولار في أربع سنوات، وفقًا لمؤسسة النقد العربي السعودي.

انخفاض متوسط دخل الفرد

وفي السياق ، أظهر تقرير اقتصادي متخصص، الأسبوع الماضي، انخفاض متوسط دخل الفرد في السعودية خلال العام الجاري إلى 22.855 ألف دولار عند أدنى مستوى خلال 3 سنوات، وسط تأثر بالغ بتداعيات الجائحة وانخفاض أسعار النفط.

وقالت شركة “جدوى للاستثمار” – مقرها الرياض – في تقرير إن متوسط دخل الفرد انخفض بنسبة 8.2 بالمئة خلال 2020، بالمقارنة مع 24.890 ألف دولار في 2019.

ارتفاع العجز

وبحسب التقديرات الرسمية لوزارة المالية السعودية كان من المفترض قبل تفشي كورونا أن تصل نسبة إجمالي الدين العام في نهاية 2020 إلى 26% من الناتج المحلي الإجمالي، بزيادة 2% عن العام السابق، بما يعني أن الزيادة الكبيرة المعلنة في معدلات الاقتراض ستضاعف هذه النسبة.

كما توقعت الموازنة ارتفاع العجز للعام الجاري إلى ما بين 7 و9% بعد تفشي الفيروس، مقارنة بـ6.4% في توقعات سابقة.

ويعاني الاقتصاد السعودي بالفعل من عملية ركود ممتدة منذ فترة، نتجت من تأخر الدولة في سداد مستحقات شركات المقاولات، وفرض المزيد من الضرائب على الشركات، وزيادة رسوم الإقامة على العاملين الأجانب وأسرهم.

وبالإضافة إلى ما سبق، رفعت المملكة أسعار معظم الخدمات الحكومية، ما يعني أن الإجراءات التقشفية التي تطبقها المملكة ستزيد من الأضرار والخسائر لشركات القطاع الخاص خلال الفترة المقبلة.

وبدأت الحكومة هذا العام تطبيق مادة جديدة من قانون العمل، تقضي بخفض رواتب العاملين في القطاع الخاص بنسبة تصل إلى 40% بسبب كورونا.

وزاد توقف القطاع السياحي الذي يساهم بنسبة 10% من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة من حدة الأزمة الاقتصادية، ووفقاً لتقديرات الهيئة العليا للحج والعمرة، فإن إيرادات السياحة الدينية في المملكة تقدر بنحو 5.3 – 6.9 مليارات دولار، ذهب الجزء الأكبر منها هذا العام بسبب كورونا.

كما تراجعت الاحتياطيات الأجنبية للمملكة نحو 20 مليار دولار، في أبريل الماضي، في حين انخفض صافي الأصول الأجنبية من 497 مليار دولار بنهاية فبراير الماضي إلى 473.3 مليار دولار بنهاية مارس، بانخفاض 23.7 مليار دولار (4.8%) كاملة في شهر واحد فقط.

الخبير بالشؤون الدولية محمد حيدر ، قال في حديث لقناة العالم الاخبارية، ان “المستجدات الحالية التي يمكن ان تضغط على السعودية وتراجع أسعار النفط في الاسبوع الماضي زاد من حدة الأزمة المالية بالنسبة للسعودية”.

ولفت حيدر الى ان “اعتراف السعودية بتراجع الإيرادات بنسبة 20 بالمئة ، علما ان هذه الارقام غير دقيقة ، ومع تراجع أسعار النفط من حوالي 75 دولار في بداية العام الى 12 دولارا في شهر مارس الماضي قد تراجعت العائدات بنسبة 40 بالمئة، واذا صرح ولي العهد بهذا الرقم سيزيد نسبة المخاطر على السعودية لكن اعترافه بعشرين في المئة من تراجع العائدات النفطية ناهيك عن العائدات الداخلية في التجارة وفي الاعمال وفي الضرائب وغيرها في الوقت الذي لا تعمل فيه المؤسسات مع تجدد موجة كورونا الثالثة في العالم الان ، يمكن ان تزيد من حدة هذه الاضرار على السعودية ومشاريعها المستقبلية”.

وأشار الی أن “القدرة المالية لا يمكن ان تساهم في دعم القدرات العسكرية لتحقيق نصر في أي معركة كانت وبالتالي الخيار الافضل للسعودية في هذا الوقت ان تجد حلولاً مناسبة وتبقي ماء وجهها ، اذا كان قد تبقى منه شيئا ، وخاصة مع الاخوة اليمنيين، فهزيمة السعودية أمام ايران هو أمر جلل لكن ان تكون هزيمة السعودية أمام الشعب اليمني أو الجندي اليمني ، الذي لا تزيد كلفة تسليحه عن 100 دولار سنوياً مقابل اكثر من 1500 دولار سنوياً للجندي السعودي ، فهذا أمر مخزي جداً بالنسبة للسعودية”.