جو بايدن يكتب: لماذا على أميركا أن تقود العالم؟
فرح عصام*
كتب الرئيسُ الأميركي الجديد جو بايدن هذه المقالة لمجلّة “فورين أفّيرز” الأميركيّة بعدما وصل الأميالَ الأخيرةَ من السباق الرئاسيّ، وفيها يتناول سياسته الداخليّة والخارجيّة على حدٍّ سواء بتفصيل وشفافيّة قلّ نظيرها. من أهمّ المحاور التي تطرّق لها بايدن في الملفّ الداخلي إصلاحُ النظامين التعليميّ والقضائي، وتطوير شبكات الجيل الخامس، ومساعدة الطبقة الوسطى الأميركيّة على الاندماج في الاقتصاد المعولَم بدلا من سياسة “أميركا أولا” التي انتهجَ فيها ترامب نظرة انعزاليّة وإقصائيّة. أما في الملف الخارجيّ، فيتحدّث عن الدبلوماسيّة بوصفها الحلّ الأوّل في حلّ النزاعات سواء كان في الملف الإيرانيّ حيث تعهّد بالعودة إلى الاتفاقية الشاملة إن وفّت إيران بالتزاماتها، أم في الملف الصينيّ حيث تعهّد بالوقوف في وجهِ الصّين من خلال تمكين الحلفاء الآسيويين ضدّها. أما فيما يخصّ الشأن العسكريّ، فيبدو أنّه يتّفق مع ترامب بشأن عدم جدوى الحرب، ويرى أن استخدام قوّات عسكريّة محدودة جدا سيكون له تأثير أعظم. المزيد من التّفاصيل في المقالة التي يكتُبها بايدن بصوت الأنا.
بكل معيار ممكن تقريبا، تآكلت مصداقيّة الولايات المتّحدة الأميركيّة وتأثيرها منذ أن غادرتُ والرئيس باراك أوباما الإدارة في 20 يناير/كانون الثّاني من عام 2017.
لقد أهان الرئيس دونالد ترامب وقوَّض حلفاء الولايات المتّحدة وشركاءها، وتخلّى عنهم في بعض الحالات. لقد هاجم خبراء استخبارات البلاد ودبلوماسيّيها وقوّاتها العسكرية، وجرَّأ خصومنا ضدَّنا وبدّد قدرتنا على مكافحة تحديّات الأمن القومي من كوريا الشّمالية إلى إيران، من سوريا إلى أفغانستان وفنزويلّا، دونَ تحقيق أي مكاسب عمليّا، وشنَّ حروبا تجاريَّة طائشة ضدّ حلفاء الولايات المتّحدة وخصومها على حدٍّ سواء أنزلت أشدّ الضرر بالطبقة الوسطى الأميركيّة. لقد تنازل عن الريادة الأميركيّة في الحشد للإجراءات الجماعيّة ضدّ التهديدات الجديدة، لا سيّما تلك التهديدات الفريدة التي نشهدها خلال القرن الحالي. ومما كان لهُ عميق الأثر تخلّيه عن القيم الديمقراطيّة التي تمنح أمّتنا قوّتها وتُوحِّد صفوفنا كشعب.
في أثناء ذلك، كانت التحديات العالمية التي تواجه الولايات المتحدة، من التغيّر المناخي إلى الهجرات السكّانية الضخمة والاضطراب التكنولوجيّ والأمراض المعدية، تتزايد تعقيدا وإلحاحا، فيما التقدّم المتسارع للسلطويّة والتعصّب القومي واللا ليبراليّة يحدّون من قدرتنا على مُلاقاة هذه التهديدات جماعيا. وباتت الديمقراطيّات، إذ تشلّها الحزبيّة المفرطة ويعوقُها الفساد وتُثقل كاهلها اللا مساواة الشديدة، تواجه صعوبات في تحقيق وعودها لمواطنيها. الثقة في المؤسسات الديمقراطية متدنّية، والخوف من الآخرين متصاعد، والنظام العالميّ الذي شيّدته الولايات المتّحدة بحرص آيل للسقوط. يعتمدُ ترامب وأنداده من الديماغوجيين من حول العالم على هذه العوامل لتحقيق مكاسبهم الشخصيّة والسياسيّة الخاصّة.
سيكون على رئيس الولايات المتحدة القادم أن يخاطب العالم كما هو في يناير/كانون الثاني 2021، ولملمة القطع المتناثرة ستكونُ مهمّة كبيرة، إذ يتعيّن على الرئيس القادم أو الرئيسة القادمة إنقاذ سمعتنا، وإعادة بناء الثقة بقيادتنا، وحشد شعبنا وحلفائنا على حدٍّ سواء من أجل مُلاقاة التحديات الجديدة على وجه السّرعة، لا وقت لكي نضيّعه.
كوني رئيسا للبلاد، سأتَّخذ خطوات فوريّة لإعادة إحياء الدّيمقراطية والتحالفات الأميركية، وحماية المستقبل الاقتصادي للولايات المتحدة، ولكي تعودَ الولايات المتّحدة مرة أخرى لريادة العالم. هذه ليست لحظة خوف، بل الوقت المناسب للاستفادة من القوّة والجسارة التي دفعتنا إلى النصر في حربين عالميتين وأسقطت الستار الحديدي أرضا. لقد أدّى انتصار الديمقراطية والليبرالية على الفاشية والاستبداد إلى ميلادِ العالم الحر، لكنَّ هذا النّزال لا يُحدِّد معالم ماضينا فقط، بل ومستقبلنا أيضا.
بادئ ذي بدء، يجب علينا إصلاح ديمقراطيّتنا وإعادة تجديدها حتى ونحنُ نُعزِّز تحالف الديمقراطيّات التي تقف إلى جانبنا حول العالم. إنَّ قدرة الولايات المتّحدة على أن تكون قوّة تُعزِّز التقدُّم حول العالم وقدرتها على الحشد من أجل الإجراءات الجماعيّة إنمّا تبدأ من الدَّاخل. لهذا السبب، سأُعِيدُ تشكيلَ نظامنا التّعليميّ بأسلوب يُجنِّبُ الطفلَ الوقوعَ رهينة لمكان إقامته أو العِرق الذي يتحدّر منه، وسأُدخِل إصلاحات على النظام الجنائيّ بحيث أُنهي التفاوتات المُجحفة وأضع حدًّا لوباء السجن الجماعيّ، وسأُعِيدُ قانون حقّ التصويت بحيث أضمن أن تكون أصواتُ الجميع مسموعة، وأُعِيدُ الشفافيّة والمحاسبة إلى حكومة بلادنا.
لكنّ الديمقراطيّة ليست محضَ قاعدة يقوم عليها المجتمع الأميركيّ، فمنها تنبُع قيادتنا أيضا. إنَّها تُضفي على قيادتنا قوَّة وزخما وتوفّر لنا الحمايةَ حول العالم، إنّها مُحرِّك الإبداع الذي يقودُ رخاءنا الاقتصاديّ، إنَّها تقعُ في القلب منّا ومن الطريقة التي نرى بها العالمَ، والطريقة التي يرانا العالمُ بها أيضا، إنَّها تسمحُ لنا بأن نُصحِّح أنفسنا وأن نظلّ نسعى جاهدين للوصول إلى مُثُلنا العليا بمرور الوقت.
كوننا أُمّة، علينا أن نُثبِت للعالم أنّ الولايات المتّحدة قادرة على الرّيادة من جديد، ليسَ من خلال قوّتنا بوصفنا مثالا للآخرين، بل من خلال قوّة المثال الذي نُقدِّمه للآخرين أيضا. لأجل ذلك، إن تولّيت الرئاسة، فسأتّخد خطوات حاسمة لتجديد قِيَمِنا الأساسيّة، وسأعكِسُ فورا سياسات إدارة ترامب القاسية الطائشة التي تُباعد بين الناس وأبنائهم على حدودنا؛ سأُنهي سياسات اللجوء المُجحفة التي فرضها ترامب، وسأُنهي حظرَ الدخول إلى البلاد، وسآمُرُ بمراجعة “وضع الحماية المؤقَّتة” من أجل المُستضعفين من الناس، وسأرفعُ عدد تصاريح الدخول للاجئين إلى 125.000 تصريح سنويا، ثمّ أسعى إلى زيادتها بمرور الوقت اتّساقا مع مسؤوليّتنا وقيمنا.
سأُعِيدُ تثبيتَ منع التعذيب، وأستعيدُ شفافية أكبر للعمليّات العسكريّة للجيش الأميركي، بما فيها سياسات أُرسِيَت خلال إدارة أوباما وبايدن لخفضِ الخسائر في صفوف المدنيين، وسأُعِيدُ التركيزَ على جهود الحكومة في مساعدة النساء والفتيات حول العالم. سأضمنُ أن يكون البيت الأبيض من جديد هو المُدافعَ العظيم -لا المهاجم الرئيسي- عن الأعمدة والمؤسسات الأساسيّة التي تقوم عليها قيمنا الديمقراطية، من احترام لحريّة الصحافة إلى حماية وتأمين حق التصويت والحفاظ على استقلالية السلطة القضائية. وما هذه التغييرات إلا البداية، إنّها عربون التزامنا بالارتقاء بالقيم الديمقراطية داخل حدود الوطن.
سوف أُعزِّز القوانين دون استهداف جماعات محددة أو انتهاك الإجراءات القانونيّة أو تمزيق العائلات، كما فعل ترامب، وسوف أؤمِّن الحدود لكنني سأصون كرامة المهاجرين وأدعم حقّهم القانونيّ في طلب اللجوء. لقد أصدرت مخططات تُورِدُ هذه السياسات بالتفصيل وتصِفُ الطريقة التي ستركّز فيها الولايات المتحدة على جذور الأسباب التي تدفع بالمهاجرين صوبَ حدودنا الجنوبيّة. كوني نائبا للرئيس، أمَّنتُ دعما حزبيّا لبرنامج مساعدات بقيمة 750 مليون دولار أميركي لدعم التزامات قادة السلفادور وغواتيمالا وهندوراس للنيلِ من الفساد والعنف والفقر المدقع الذي يدفعُ النّاس إلى مغادرة بيوتها هُناك، فَتحسَّن الأمن وأخذ تدفُّق المهاجرين ينخفض في بلدان مثل السلفادور. كوني رئيسا للبلاد، سوف أؤسِّسُ على تلك المبادرة بإستراتيجيّة إقليميّة شاملة لمدّة أربع سنوات بتكلفة 4 مليارات دولار، وتتطلّب من البلدان المساهمة بمواردها الخاصّة وإجراء إصلاحات واضحة ملموسة يُمكِنُ التثبُّت منها.
كما أنني سأتّخذ خطوات للتصدّي للمنفعة الذاتية وتضارب المصالح والأموال السوداء والرشى التي تخدم أجندات ضيّقة أو شخصيّة أو أجنبيّة وتُقوِّض عمل ديمقراطيّتنا. وذلك يبدأ بالمحاربة من أجل تعديل دستوري يمنع الأموال الخاصّة في الانتخابات الفيدراليّة، بالإضافة إلى أنني سأقترحُ قانونا يُعزِّز أشكال الحظر المفروض على المواطنين الأجانب أو الحكومات التي تحاول التأثير في الانتخابات الفيدراليّة أو انتخابات الولايات أو الانتخابات المحليّة في الولايات المتّحدة، وسأُوجِّه وكالة مستقلّة جديدة -لجنة الأخلاقيّات الفيدراليّة- لضمانِ التعزيز الفعّال الموحّد لهذا القانون وغيره من قوانين مكافحة الفساد. إنَّ ضعف الشفافيّة في نظامنا لتمويل الحملات الانتخابيّة، مصحوبا بكميّات ضخمة من غسيل الأموال الأجنبيّة، يُولِّد نقاط ضعف ضخمة. علينا أن نسدَّ الثغراتِ التي تُفسد ديمقراطيّتنا.
بعد اتّخاذ هذه الخطوات لتمكين الأساسات الديمقراطيّة للولايات المتّحدة وإلهام الديمقراطيّات الأخرى للتصرّف، سأدعو زملائي من قادةِ الديمقراطيّات حول العالم لكي يعودَ تعزيز الديمقراطيّة [أولويّة] على جدول الأعمال العالمي. اليوم، ترزح الديمقراطيّة تحت ضغط يفوق ذلك الذي رزحت تحته في أي وقت من ثلاثينيّات القرن الماضي، وتقول منظمة “فريدوم هاوس” إن 22 بلدا سجّلوا تراجعات تامّة في منسوب الحريّة على مدار خمس سنوات ماضية من بين 41 بلدا صُنِّفت باستمرار على أنها بلدان “حرّة” بين عامَيْ 1985-2005.
من هونغ كونغ إلى السودان، من تشيلي إلى لبنان، يُذكِّرنا المواطنون مرّة أخرى بذلك التوق المشترك إلى الحكم النزيه والاشمئزاز الكونيّ من الفساد. كجائحة خبيثة، يُغذّي الفسادُ القمع، يقمع الكرامة الإنسانيّة ويُزوِّد القادة الاستبداديين بأداة قويّة لفسخِ الديمقراطيّات وإضعافها حول العالم. لكن حينما تكون ديمقراطيّات العالم تنتظر من الولايات المتّحدة أن تُساند القيمَ التي تُوحِّد البلاد -أي أن تقودَ العالم الحرّ بحقّ- يبدو ترامب وكأنّه مع المعسكر الآخر، يُحابي الاستبداديين ويمقت الديمقراطيين. بوقوفِهِ على أكثر الإدارات إفسادا في التاريخ الأميركي الحديث، منح إذنا للفاسدين الحكوميين في كل مكان.
خلال عامي الأوّل في الرئاسة، ستنظّم الولايات المتّحدة وتستضيفُ قمّة عالميّة للديمقراطيّة لإنعاش الرّوح والغاية المشتركة لأُمم العالم الحرّ، وسوف تجمع القمّة ديمقراطيّات العالم لتمكين مؤسساتنا الديمقراطيّة والتصدّي بصدق لأحوال الدّول الآخذة بالانزلاق، وصياغةِ أجندة مشتركة. تأسيسا على النموذج الناجح الذي أرسته إدارة أوباما-بايدن في مؤتمر قمّة الأمن النووي، ستمنحُ الولايات المتّحدة أولويّة للنتائج عبر الدفع بالتزامات جديدة للبلدان في ثلاث نواحٍ: محاربة الفساد، والنضال ضد السّلطويّة، والنهوض بحقوق الإنسان في بلدانهم وخارجها.
التزاما أميركيا منا بالقمّة، سوف أستصدر سياسة توجيهية رئاسيّة تؤسس لمكافحة الفساد كونه مصلحةً أساسيةً للأمن القوميّ ومسؤوليّةً ديمقراطيّةً، وسوف أقودُ الجهود دوليّا بهدف إدخال الشفافيّة على النظام المالي العالميّ، وملاحقة الملاذات الضريبيّة غير القانونيّة، وضبط الأصول المسروقة، ووضع عقبات أمام التخفي وراء شركات وهميّة بالنسبة للقادة الذين يسرقون من شعوبهم.
سوف تتضمّن القمّة من أجل الديمقراطيّة أيضا منظمات المجتمع المدني من حول العالم التي تقف على الخطوط الأولى في الدفاع عن الديمقراطيّة. كذلك سيُصدِرُ أعضاء القمّة نداء للقطاع الخاص، بما فيه شركات التكنولوجيا وعمالقة التواصل الاجتماعي الذين يجب أن يُقرّوا بمسؤوليّاتهم ومصلحتهم الكبرى في الحفاظ على المجتمعات الديمقراطية وحماية حريّة التعبير. في الوقت نفسه، فإنَّ حريّة التعبير لا يمكن أن تكون ترخيصا لشركات التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي لكي تُسهِّل انتشار الأكاذيب الضارّة. يجب على تلك الشركات أن تتدخّل لكي تضمن بأن أدواتها ومنصّاتها لا تُمكِّن دولة المراقبة أو انتهاك الخصوصيّة أو تُسهِّل القمع في الصين وأي مكان آخر عبر نشر المعلومات الخاطئة، ودفع الناس إلى دوائر العنف، أو من خلال بقائها عُرضة لإساءات استخدام أخرى.
ثانيا، ستعمل إدارتي على تمكين الأميركيين للنجاح في الاقتصاد العالمي من خلال سياسة خارجيّة تضع الطبقة الوسطى نصب أعينها. لكي تفوزَ في النّزال من أجل المستقبل ضدَّ الصين أو أي طرف آخر، ينبغي للولايات المتّحدة أن تقوّي جانبها الإبداعي وتوحِّد القوة الاقتصادية للديمقراطيّات حول العالم للتصدّي للممارسات الاقتصاديّة الضارّة والحدّ من اللا مساواة.
إن الأمن الاقتصادي أمن قوميّ أيضا. يجب لسياستنا التجاريّة أن تبدأ من الدَّاخل عبر تقوية أعظمِ ما نملك، ألا وهي الطبقة الوسطى، وأن تحرصَ على أن يكون هناك نصيب للجميع في نجاح البلاد، دونما اعتبار للعِرق الذي يتحدّرون منه، أو هويّتهم الجندريّة، أو المنطقة التي يأتون منها، أو ديانتهم، أو ميولهم الجنسيّة، أو الإعاقة التي لديهم. وذلك سيتطلَّب استثمارا ضخما في بنيتنا التحتيّة، في إنترنت النّطاق العريض، وفي الطرق السريعة والسكك الحديديّة، وشبكاتِ الطَّاقة والمدن الذكيّة، وفي التّعليم. علينا أن نزوّد كل طالب من طلبتِنا بالمهارات الضروريّة التي تُخوِّله الحصولَ على وظيفة من وظائف القرن الحادي والعشرين، أن نُمكِّن كل أميركيّ من نيلِ المساواة والرعاية الصحّية منخفضة التكلفة، أن نرفعَ الحدّ الأدنى للأجور إلى 15 دولارا للساعة، وأن نقودَ ثورة الاقتصاد النّظيف بحيثُ نخلُق عشرات الملايين من الوظائف الجديدة والاتّحادات المهنيّة داخل الولايات المتّحدة.
سوف أجعلُ الاستثمارَ في البحث والتطوير حجرَ زاوية في رئاستي، بحيث تقودُ الولايات المتّحدة دفّة الإبداع. ما من سبب يجعلُنا نتأخّر خلف الصين أو أي بلد آخر فيما يخص الطاقة النظيفة، والحوسبة الكمّية، والذكاء الاصطناعيّ، وشبكات الجيل الخامس، والقطارات فائقة السرعة، أو السباق لإنهاء السّرطان كما نعرفه. إنَّ لدينا أعظَم الجامعات المعنيّة بالبحوث في العالم، ولدينا تقليد قويّ من حكم القانون، والأهمّ من ذلك أنَّ لدينا شعبا استثنائيّا من العاملين والمبدعين الذين لا يخذلونَ بلادهم أبدا.
إنَّ سياسة خارجيّة من أجل الطبقة الوسطى ستحرصُ أيضا على ألّا تكون قواعِد الاقتصاد الدّولي ضد مصالح الولايات المتّحدة، لأنَّ الأعمال التجاريّة الأميركية تنتصرُ إن تنافست على أرضيّة متكافئة. إنني أؤمن بالتّجارة العادلة. أكثر من 95% من سكَّان العالم يعيشون وراء حدودنا، ونحنُ نريدُ الاستفادة من تلك الأسواق. سيكون علينا امتلاك القدرة على بناء الأفضل داخل الولايات المتّحدة وبيع الأفضل في أرجاء العالم، وذلك سَيعني إزالة العوائق التّجاريّة التي تُعاقب الأميركيّين ومقاومة الانزلاق العالميّ إلى النزعة الحمائيّة. لقد حدث الأمر عينه قبل قرن من الزمن، بعد الحرب العالميّة الأولى، وقد أدّى إلى مفاقمة الكساد الكبير الذي ساهم في إشعال فتيل الحرب العالميّة الثانية.
سيكونُ من الخطأ أن ندسَّ رؤوسنا في الرمال ونقول لا مزيدَ من الصفقات التجاريّة. البلدان سوف تُتاجرُ بين بعضها سواء كان مع أو بدون الولايات المتّحدة. السؤال هو: مَن يكتب القواعد التي تحكم التّجارة؟ مَن الذي سيحرصُ على حماية العاملين والبيئة والشفافية وأجور الطبقة الوسطى؟ الولايات المتّحدة وليس الصّين هي مَن ينبغي أن تكون في طليعة هذه الجهود.
كوني رئيسا للبلاد، فإنني لن أدخلَ في أي اتّفاقات تجاريّة قبل أن نستثمر في الشعب الأميركيّ ونزوّده بأدوات النجاح في الاقتصاد العالميّ. لن أتفاوض على صفقات جديدة دون الاتفاق مع قادّة العمّال وأنصار البيئة كليهما بأسلوب هادف ودون الحاجة إلى تضمين بنود شديدة اللهجة لكي يتحمّل شركاؤنا مسؤوليّة الاتفاقات التي يُوقِّعونها معنا.
الصّين تُمثِّل تحديا من نوع خاص، وقد أمضيت كثيرا من السّاعات برفقة قادتها، وأنا أفهم ما نحنُ بصدده. الصين تسيرُ وفق خطّة طويلة الأمد عبر بسط نفوذها العالمي وتعزيز نموذجها السياسي والاستثمار في تكنولوجيّات المستقبل. في أثناء ذلك، حدّد ترامب واردات الولايات المتّحدة من حلفائها الأقرب -من كندا إلى الاتّحاد الأوروبي- بوصفها تهديدات للأمن القومي، هادفا إلى فرض تعريفات جمركيّة ضارّة هوجاء. بإقصائنا عن مجال النفوذ الاقتصاديّ لشركائنا، ألحق ترامب الضرر بقدرة بلادنا على مواجهة التهديد الاقتصادي الحقيقيّ.
الولايات المتّحدة لا تحتاج إلى التصعيد مع الصين. إن حصلت الصّين على ما تُريد فإنها ستستمرّ بسرقة تكنولوجيّات الولايات المتّحدة والشركات الأميركيّة وحقوقها الملكيّة. كما أنها ستستمرّ باستخدام الإعانات الماليّة لكي تمنح المشاريع المملوكة للدّولة أفضليّة غير عادلة، والتقدُّم على الآخرين في الهيمنة على تكنولوجيّات وصناعات المستقبل. إنَّ أكثر الطرق تأثيرا لمُلاقاة هذا التحدّي تكمن في بناء جبهة موحّدة من حلفاء الولايات المتّحدة وشركائها لمواجهة سلوكيّات الصّين المسيئة وانتهاكات حقوق الإنسان فيها، حتّى وإن كُنّا نسعى إلى التّعاون مع بكين في المسائل التي تتلاقى فيها مصالحنا، مثل التغير المناخي والحدّ من انتشار الأسلحة وأمن الصّحة العالميّ. بمفردها، تُمثِّل الولايات المتّحدة نحو ربع الناتج المحليّ الإجماليّ العالميّ. وعندما نصطفّ مع الديمقراطيّات الأخرى، فإنَّ قوّتنا سوف تتضاعف أكثر من ذي قبل. لا يُمكن للصّين أن تتجاهل أكثر من نصف الاقتصاد العالميّ. وذلك يمنحنا أفضليّة لا يُستهانُ بها لتشكيل قواعد الطريق لكلّ شيء، من البيئة إلى العمّال إلى التجارة فالتكنولوجيا والشفافيّة، بحيث تستمرُّ تلك القواعد بالتعبير عن القيم والمصالح الديمقراطيّة.
سوف يُعيد جدولُ أعمال السياسة الخارجيّة لدى بايدن تنصيب الولايات المتّحدة في المقدّمة، في موقع يُخوِّلها العملَ مع حلفائها وشركائها بهدف الحشد من أجل إجراءات جماعيّة ضد التهديدات العالميّة. إنّ العالم لا يُنظِّم نفسه من تلقاء نفسه. طيلة 70 عاما، كانت الولايات المتّحدة تحت الرئاسات الديمقراطيّة والجمهوريّة على حدٍّ سواء تلعب دورا طليعيّا في كتابة القواعد وصوغ الاتفاقيّات وتحريك المؤسسات التي تُنير طريق العلاقات بين الأمم وتُرسِّخ الأمن والرخاء الجمعيّ، حتّى مجيء ترامب. إن استمررنا بالتّنازل الذي أقدم عليه ترامب عن هذه المسؤولية، سيحدث أمران لا ثالث لهما: إمّا أن أحدا آخر سيخطف مكان الولايات المتّحدة، لكن ليس بالطّريقة التي تُرسِّخ مصالحنا وقيمنا، وإما فلن يفعل أحد ذلك، فينفلتَ عقالُ الفوضى. وليسَ أيٌّ من هذين الأمرين بالجيّد لأميركا.
القيادة الأميركيّة ليست منزّهة عن الأخطاء، لقد اقترفنا بعض الزلّات والأخطاء. وكثيرا ما اعتمدنا على قوّة جيشنا وحدها بدلا من الاعتماد على النظام الكامل من نقاط القوّة لدينا. إنَّ السجلّ الكارثيّ لسياسة ترامب الخارجيّة إنّما يُذكِّرنا كلَّ يوم بمخاطر النهج المُترنِّح الفوضوي، النهج الذي ينسحبُ من الدّور الدبلوماسيّ ويُشوِّه سمعته.
لن أتردّد أبدا في حماية الشعب الأميركي، حتّى وإن تطلّب الأمرُ ضرورةَ استخدام القوّة. من بين كل الأدوار التي يضطلع بها رئيس للولايات المتّحدة ما من دور أكثر أهميّة من دوره قائدا عامّا للقوّات المسلحة. الولايات المتّحدة تمتلك أقوى جيش في العالم، وبصفتي رئيسا لها، سوف أضمن أن يظلّ هذا الأمرُ دون مساس، سوف أعقد الاستثمارات الضروريّة لتزويد قوّاتنا من أجل مجابهة تحديّات هذا القرن، لا القرن الماضي. لكنّ استخدام القوّة ينبغي أن يكون الورقة الأخيرة، لا الأولى، ينبغي استخدامها فقط من أجل الدّفاع عن مصالح الولايات المتّحدة الحيويّة، عندما يكون الهدف واضحا وقابلا للتحقق، وبموافقة مطّلعة من الشعب الأميركيّ.
لقد تأخّرنا في رسم حدٍّ للحروب الأزليّة، مما كلّف الولايات المتّحدة دماء وثروات لا تُعَدُّ ولا تُحصى. مثلما حاججتُ دوما، سيكون علينا أن نُعيدَ الغالبيّة العظمى من قوّاتنا إلى أرض الوطن من الحروب في أفغانستان والشّرق الأوسط، وأن نقصُر نطاق مهمّتنا على هزيمة القاعدة وتنظيم الدولة (داعش).
علينا أيضا إنهاء دعمنا للحرب التي تقودها السعوديّة على اليمن.. علينا أن نصبّ تركيزنا على مكافحة الإرهاب حول العالم وفي الدَّاخل على حدٍّ سواء، غيرَ أن الانتشار في صراعات يتعذّر الفوز فيها يستنزف قدرتنا على الريادة في القضايا الأخرى التي تسترعي انتباهنا ويمنعنا من إعادة بناء أدوات أخرى للقوّة الأميركيّة.
بإمكاننا أن نكون أقوياء وأذكياء في آنٍ واحد. ثمّة بون شاسع بين التوظيفات الواسعة المفتوحة لعشرات آلاف من القوّات المقاتلة الأميركيّة التي يجب أن نضع لها حدًّا، وبين استخدام بضع مئات من جنود القوّات الخاصة والاستخبارات بُغيةَ دعمِ الشركاء المحليين ضدّ عدو مشترك. هذه المهمّات ذات النطاق المحدود مُستطَاعة عسكريا واقتصاديا وسياسيا، كما أنّها توطّد المصالح الوطنيّة.
لكن الدبلوماسيّة ينبغي أن تكون الأداة الأولى من أدوات القوّة الأميركيّة، وأنا فخور بما حققته الدبلوماسيّة الأميركيّة خلال إدارة أوباما-بايدن، من ريادة للجهود العالميّة في تفعيل اتفاقيّة باريس للتغيّر المناخي إلى قيادة الاستجابة العالميّة في القضاء على فيروس إيبولا في غرب أفريقيا إلى تأمين صفقة متعددة الأطراف لمنع إيران من الحصول على أسلحة نووية. الدبلوماسيّة ليست مجرّد سلسلة من المصافحات والفرص لالتقاط الصور، إنهّا تبني وتُسيِّرُ اتّجاه العلاقات والعمل على تحديد مواطن المصالح المشتركة بالترافق مع إدارة نقاط الصّراع. إنّها تتطلّب الانضباط، وعمليّة متماسكة من صنع السياسات، وفريقا من المتخصصّين المتضلّعين المفوَّضين للقيام بها. كوني رئيسا للبلاد، سوف أُعِيدُ الدبلوماسيّة أداةً أساسيّة في السياسة الخارجيّة، سوف أعِيدُ الاستثمارَ في السلك الدبلوماسي، الذي جوَّفتهُ الإدارةُ الحالية، وأُعِيدُ دبلوماسيّة الولايات المتّحدة إلى أيدي المختصّين الحقيقيين.
الدبلوماسيّة أيضا تتطلّب المصداقيّة، وقد مزّق ترامب مصداقيّتنا. في إدارة السياسة الخارجيّة، لا سيّما في أوقات الأزمات، تكون الكلمةُ التي تُعطيها أمّة لأخرى هي أثمن ما تملك. بالانسحاب من معاهدة تلو أخرى، والعودة عن سياسة تلو أخرى، والتملّص من مسؤوليّات الولايات المتّحدة، والكذب في كلّ كبيرة وصغيرة، أزهقَ ترامب كلمة الولايات المتّحدة حول العالم.
وعمل أيضا على إبعاد الولايات المتّحدة عن حلفائها الديمقراطيّين، فوجَّه ضربة قاسية لحلف الناتو، وابتزّه مقابل الحماية الأميركيّة. يتعيّن على حلفائنا القيام بواجبهم العادل، وهو السبب الذي يجعلني فخورا بالالتزامات التي تفاوضت عليها إدارة أوباما وبايدن لكي نضمن أن يزيدَ أعضاء النّاتو من إنفاقهم الدّفاعي (وهي خطوة ينسب فيها ترامب الفضل لنفسه). لكنَّ التحالف أكبر من الدولارات والسنتات، إنَّ التزام الولايات المتّحدة مقدّس، ولا يتعلّق بالتعاملات. إن النَّاتو يقع في القلب من الأمن القوميّ للولايات المتّحدة، كما أنّه معقلُ المُثُل الديمقراطيّة الليبراليّة، إنه تحالف للقِيَم، وهو ما يجعله أكثر ديمومة واستقامة وقوّة من الشراكات المبنيّة بالمال أو الإكراه.
كوني رئيسا، سأفعل أكثر من مجرد استعادة شراكاتنا التاريخية. سأكونُ في طليعة الجهود لإعادة تصوُّر تلك الشراكات من أجلِ العالم الذي نواجهه اليوم. الكرملين اليوم يتهيّبُ حلفَ ناتو قويّا، وهو التحالف السياسي العسكري الأكثر فاعلية في التاريخ الحديث. لمواجهة العدوان الروسي، يجب علينا الحفاظ على القدرات العسكرية للتحالف بالتّرافق مع تمكين قدرته على مواجهة التهديدات غير التقليدية، مثل الفساد المُسلح والمعلومات المضللة والسرقة السّيبرانيّة. يجب أن نفرض تكاليف حقيقية على روسيا لانتهاكاتها بحقّ المعايير الدولية، وأن نقف إلى جانب المجتمع المدني الروسي، الذي وقف بشجاعة مرارا وتكرارا ضد نظام الرئيس فلاديمير بوتين الاستبدادي.
العمل بالتعاون مع الدول الأخرى التي تشاركنا قيمنا وأهدافنا لا يجعل الولايات المتحدة لقمة سائغة، بل إنّه يجعلنا أكثر أمانا ونجاحا. إننا نُعزِّز قوتنا ونُعاظِم من وجودنا في أنحاء العالم كلّه ونزيدُ تأثيرنا إنمّا بالتّرافق مع مشاركة المسؤوليات العالمية مع الشركاء الراغبين. إننا بحاجة إلى تعزيز قدراتنا الجماعية مع أصدقائنا في الديمقراطيّات خارج أميركا الشمالية وأوروبا من خلال إعادة الاستثمار في تحالفاتنا التعاهدية مع أستراليا واليابان وكوريا الجنوبية، وتعميق الشراكات من الهند إلى إندونيسيا لتعزيز القيم المشتركة في ناحية سيكونُ من شأنها أن تُحدِّد مستقبلَ الولايات المتحدة. إننا بحاجة إلى الحفاظ على التزامنا الصارم بأمن إسرائيل، وبحاجة إلى بذل المزيد من الجهود لدمج أصدقائنا في أميركا اللاتينية وأفريقيا في الشبكة الأوسع للديمقراطيات واغتنام فرص التعاون في تلك المناطق.
من أجل استعادة الثقة العالميّة، سيتعيّن علينا أن نُثبتَ أن الولايات المتحدة تقول ما تعني وتعني ما تقول. هذا مهم بشكل خاص فيما يخصُّ التحديات التي ستُحدِّد ملامح عصرنا من التغير المناخي والتهديد المتجدد بالحرب النووية والتكنولوجيا التخريبية.
يجب على الولايات المتحدة أن تقود العالم لمواجهة التهديد الوجودي الذي نواجهه، ألا وهو التغير المناخي. وما لم نحقق الأمر بالشكل الصحيح فلن يكون هناك شيء آخر على القدر نفسه من الأهميّة. سأعقدُ استثمارات ضخمة وعاجلة في الداخل تضع الولايات المتحدة على المسار الصحيح للحصول على اقتصاد طاقة نظيفة خالٍ من الانبعاثات الكربونيّة بحلول عام 2050. ومما لا يقلّ أهمية، ولأن الولايات المتحدة تُصدرُ 15% فقط من الانبعاثات العالميّة، سأستغلّ اقتصادنا وسُلطتنا الأخلاقيّة لدفع العالم إلى التصرّف بحزم. سأنضم مجددا إلى اتفاقية باريس للمناخ في اليوم الأول من إدارة بايدن، ثم سأعقد قمة لأهم مصادر انبعاثات الكربون في العالم، وأحشدُ الدول لرفع سقف طموحاتها والدفع باتّجاه تقدُّم إضافيّ حثيث. سوف نلتزم بالتزامات قابلة للتنفيذ من شأنها أن تُقلِّل الانبعاثات في مجال الشحن والطيران العالميّ، ونتّبع تدابير صارمة للتأكُّد من ألّا يكون بمقدور الدول الأخرى تقويض الولايات المتحدة اقتصاديا في أثناء وفائنا بالتزاماتنا. يتضمّن ذلك الإصرار على أن تُوقفَ الصين، وهي أكبر مصدر للكربون في العالم، صادرات الفحم، وأن تعودَ عن تصدير التلوث إلى دول أخرى عن طريق تمويل مشاريع طاقة الوقود الأحفوري القذر بمليارات الدولارات من خلال مبادرة الحزام والطريق.
فيما يتعلّق بمنع انتشار الأسلحة النووية والأمن النووي، لا يمكن للولايات المتحدة أن تكون صوتا ذا مصداقية إن تخلّت عن الصفقات التي تفاوضت عليها. من إيران إلى كوريا الشمالية، ومن روسيا إلى السعودية، فاقمَ ترامب من احتمالات الانتشار النووي وسباق تسلح نووي جديد وحتى استخدام الأسلحة النووية. كوني رئيسا، سأُجدِّد التزامنا بالحد من التسلُّح من أجل عصر تاريخيّ جديد. الاتفاق النووي الإيراني الذي تفاوضت عليه إدارة أوباما وبايدن منع إيران من الحصول على سلاح نووي. ومع ذلك، تجاهل ترامب الاتفاق بتهور، مما دفع إيران إلى إعادة تشغيل برنامجها النووي وأن تُصبحَ أكثر استفزازا، مما زاد من خطر اندلاع حرب كارثية أخرى في المنطقة. ما من أوهام عندي بشأن النظام الإيراني الذي شارك في سلوك مزعزع للاستقرار في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وقمع بوحشية المتظاهرين في الداخل، واحتجزَ الأميركيين ظلما. لكن هناك طريقة ذكية لمواجهة التهديد الذي تُشكِّله إيران لمصالحنا، وأُخرى هي طريقُ هزيمة ذاتية، وقد اختار ترامب الطريقة الأخيرة. لقد أزاحَ مقتل قاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني شخصيّة خطيرة، لكنه أثار أيضا احتمالية تصاعد دائرة العنف في المنطقة، ودفع طهران للتخلي عن حدود القوّة النووية التي وُضعت بموجب الاتفاق النووي. يجب على طهران العودة إلى الامتثال الصارم بالاتفاق. وإن فعلت ذلك، فإنني سأُعاودُ الانضمام إلى الاتفاقية مُستخدِما التزامنا المتجدد بالدبلوماسية للعمل مع حلفائنا لتقويتها وتمديدها، مع التصدي بشكل أكثر فعالية لأنشطة إيران الأخرى المزعزعة للاستقرار.
فيما يخصُّ كوريا الشمالية، سأعمل على تمكين مفاوضينا وأستهلُّ حملة مستدامة ومنسقة مع حلفائنا وغيرهم، بما في ذلك الصين، لتعزيز هدفنا المشترك المُتمثِّل في نزع السلاح النووي من كوريا الشمالية. سأسعى أيضا إلى تمديد معاهدة ستارت الجديدة، وهي ركيزة للاستقرار الإستراتيجي بين الولايات المتحدة وروسيا، مُؤسِّسا عليها لترتيبات جديدة فيما يخص الحد من انتشار الأسلحة. سأتخذ خطوات أخرى لإظهار التزامنا بالحدّ من دور الأسلحة النووية. وكما قلت في عام 2017، أعتقد أن الغرض الوحيد من الترسانة النووية الأميركية الجديدة هو الرّدع، وإن لزم الأمر، شنّ انتقام ضد هجوم نووي. كوني رئيسا، سأعمل على وضع هذا الاعتقاد موضع التنفيذ بالتشاور مع الجيش الأميركي وحلفاء الولايات المتحدة.
فيما يتعلّق بتقنيات المستقبل، مثل شبكات الجيل الخامس والذكاء الاصطناعي، فإن الدول الأخرى تُكرِّس الموارد الوطنية للسيطرة على تنميتها وتحديد كيفية استخدامها. تحتاج الولايات المتحدة إلى بذل المزيد من الجهد لضمان استخدام هذه التقنيات بهدف تعزيز المزيد من الديمقراطية والازدهار المشترك، وليس للحد من الحرية والفرص في الداخل والخارج. على سبيل المثال، ستنضم إدارة بايدن مع الحلفاء الديمقراطيين للولايات المتحدة لتطوير شبكات جيل خامس آمنة يقودها القطاع الخاص، ولا تترك أي جماعة سواء كانت من سكّان الريف أو من ذوي الدخل المنخفض وراءها. نظرا لأن التقنيات الجديدة تُعيد تشكيل اقتصادنا ومجتمعنا، يجب أن نتأكد من أن محركات التقدم هذه مرتبطة بالقوانين والأخلاق، كما فعلنا في نقاط التحول التكنولوجية السابقة في التاريخ، وأن نتجنّب السباق نحو القاع، حيث القواعد الرقمية تكتبها الصين وروسيا. لقد حان الوقت للولايات المتحدة لأن تكون الرائدَ في صياغة مستقبل تكنولوجي يُمكِّن المجتمعات الديمقراطية من الازدهار على نطاق واسع.
هذه أهداف طموح، ولا يمكن تحقيق أيٍّ منها بدون قيادة الولايات المتحدة إلى جانب الديمقراطيات الشقيقة. إننا نواجه خصوما في الخارج والدّاخل على حدٍّ سواء يأملون باستغلال الانقسامات الحاصلة في مجتمعنا، وتقويض ديمقراطيتنا، وتفكيك تحالفاتنا، وتحقيق عودة النظام الدولي حيث تُقرِّر القوّةُ الحقّ. الرد على هذا التهديد هو مزيد من الانفتاح وليس الأقل منه، المزيد من الصداقات، والمزيد من التعاون، والمزيد من التحالفات، والمزيد من الديمقراطية.
يريد بوتين أن يقول لنفسه ولأي شخص آخر -يمكنه أن يخدعه إلى تصديقه- إن الفكرة الليبرالية “عفا عليها الزمن”، لكنه يفعل ذلك لأنه يخاف من قوتها. لا يمكن لأي جيش على وجه الأرض أن يُضاهي الطريقة التي تنتقل بها فكرة الحرية كالكهرباء من شخص لآخر وتقفز عبر الحدود وتتجاوز اللغات والثقافات وتشحن مجتمعات المواطنين العاديين إلى نشطاء ومنظمين ووكلاء تغيير.
يجب علينا مرة أخرى تسخير تلك القوة وحشد العالم الحر لمواجهة التحديات التي تواجه العالم اليوم. يقع على عاتق الولايات المتحدة أن تقود الطريق. لا توجد دولة أخرى لديها هذه القدرة، لا توجد أمة أخرى مبنية على هذه الفكرة. علينا أن ندافع عن الحرية والديمقراطية، وأن نستعيد مصداقيتنا، وأن ننظر بتفاؤل وتصميم لا يلين تجاه مستقبلنا.
– هذا المقال مترجم عن Foreign Affairs
* المصدر : الجزيرة نت
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع