“شرمة اليمنية” محمية السلاحف وموقع الجمال الطبيعي في خطر
تستوطنها أنواع نادرة من الكائنات البحرية ومطالبات باستصدار قرار جمهوري لحمايتها
جمال شنيتر
إلى الشرق من مدينة المكلا عاصمة محافظة حضرموت، بمسافة 135 كيلومتراً، تقع محمية شرمة التي تُعد من أهم المواقع في اليمن لتعشيش السلاحف، حيث تحتل مساحة 30 ألف هكتار من الشواطئ والأراضي الساحلية. تحدها من الشرق مدينة قصيعر، ومن الغرب منطقة القرن، أما شمالاً فمدينة الديس الشرقية، وجنوباً البحر العربي.
وبحسب مسؤولي الهيئة العامة لحماية البيئة في محافظة حضرموت، فقد جاء اختيار شرمة محميةً طبيعية في عام 2001، ضمن الجهود والإجراءات الهادفة إلى حماية الأنواع النادرة من الكائنات البحرية التي تزخر بها، لا سيما السلاحف من أقدم الأنواع وأكثرها ندرةً. ورُشحت تلك المحمية لاحقاً ضمن برنامج الإنسان والمحيط الحيوي من قبل اليونسكو (منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة)، بعد استيفائها الشروط والمعايير الدولية المطلوبة.
مميزات وثروة
وأشار بدر عوض السييلي، مدير إدارة الموارد بفرع الهيئة العامة للحفاظ على البيئة في حضرموت، إلى “تتميز محمية شرمة بالتنوع الحيوي الذي أكسبها أهمية خاصة، ويتمثل في السلاحف البحرية النادرة والمهددة بالانقراض، ووجود موئل للشعاب المرجانية كحاضنة وملجأ آمن لعديد من صغار الأسماك، كأسماك الزينة مثلاً، كما توجد موائل للأعشاب البحرية، تُعد مواقع تغذية لعديد من الأحياء البحرية كالسلاحف، بالإضافة إلى كون المحمية ذات موقع جمالي ساحر وجاذب للزوار، واحتوائها على مواقع وشواهد تاريخية وثقافية كالمقابر والبيوت القديمة والكهوف الطبيعية.
ثروة السلاحف
وتطرق السييلي إلى السلاحف البحرية في محمية شرمة بنوعيها، “السلاحف الخضراء” و”السلاحف ذات المنقار الصقري”، “وهي من بين أهم الكائنات الحية النادرة والمهددة بالانقراض من على كوكب الأرض، حيث تتخذ من شواطئ المحمية موقعاً ملائماً للتعشيش ووضع البيض. وعلى الرغم من إعداد الدراسات الاستشارية البيئية اللازمة للمحمية، بالتنسيق مع البنك الدولي، وبدعم وتمويل من مرفق البيئة العالمي، وتنفيذ شركة ماك أليستر البريطانية، وإعداد خطة إدارة المحمية من قبل الهيئة العامة لحماية البيئة، والتعاقد مع 7 حراس للمحمية من أبناء المنطقة، إلا أن المحمية لم تستفد من الجهود المبذولة”.
مخاطر ومشاكل
وشرح السييلي عدداً من المخاطر والمشكلات التي تتعرض لها المحمية الطبيعية قائلاً، إن “مهددات وأخطار عدة تواجه المحمية ومواردها الطبيعية، ويتسبب بعض زوارها والصيادين في كثير منها، ما يهدد المخزون الطبيعي فيها، فهناك أعمال سطو على حرم أراضيها ورمي نفايات، إضافة إلى الضجيج واستخدام الإنارة بالقرب من مواقع تعشيش السلاحف ما يؤدي إلى إتلاف البيض، ووجود الكلاب الضالة وسرطانات البحر، غير أن الأهم من ذلك كله فهو تعرض السلاحف النادرة في محمية شرمة – جثمون بشكل مستمر إلى ظاهرة الذبح والصيد العشوائي بطرق خادعة، إذ يعمل الصيادون على نصب الشباك في البحر. ووثق عدد من الصور لمجازر ذبح السلاحف في موقع جثمون، بينما كشفت صور أخرى عن بيع لحوم السلاحف وبيضها في الأسواق المجاورة لمحيط المحمية، حتى إن هذه التجارة وصلت إلى مدينة المكلا عاصمة محافظة حضرموت. ويعتقد البعض أن لحم السلاحف وبيضها يعالجان بعض الأمراض كالربو والضعف الجنسي عند الرجال وغيرها من الأمراض، ولذا هناك استهلاك للسلاحف”.
اقتراح إنقاذي
وحفاظاً على المحمية وتطويرها، يقترح المسؤول في إدارة حماية البيئة، “إصدار قرار جمهوري لإعلان شرمة محميةً طبيعية، واعتماد موازنة مالية خاصة لتنفيذ الخطة الإدارية الخاصة بها، وتطوير خطة سياحية بيئية لها، والاستفادة من موارد المحمية لجلب المنافع الاقتصادية والاجتماعية لتحسين مستوى الدخل”.
موقع جميل وسياحي
وعن الموقع الجمالي والسياحي لمحمية شرمة، أكد السييلي أن “مقومات سياحية عدة تتوفر في أرضها، تجعلها في صدارة الأماكن التي يتوافد إليها الزوار، وتبرز على سطحها نتوءات صخرية ومجتمع فريد من الطيور الضخمة، وتتميز بأنها ذات رمال شاطئية ناعمة وناصعة البياض توحي بالسحر والجمال، بالإضافة إلى تلالها الصخرية التي تحتضن الشاطئ معبرةً عن لوحة طبيعية مرسومة بدقة وإتقان، كما تؤوي رمال شاطئ المحمية مواقع عدة لتعشيش السلاحف البحرية، حيث أُحصيت 3 مواقع رئيسة لصغار السلاحف في رأس شرمة، الذي يقع جنوب المحمية ويحتوي على 100 عش لصغار السلاحف، ويُتوقع أن كل عش يحوي من 80 إلى 120 بيضة، أي أن موقع رأس شرمة فقط يحتوي في المتوسط على 100 بيضة، علماً أن مساحة موقع التعشيش هناك تُقدر بنحو 600 كيلو متر مربع، بالإضافة إلى وجود عديد من المواقع البحرية المميزة لهواة الغوص في المحمية وإمكانية تطوير السياحة فيها. كما يرتفع عدد زوارها المحليين في نهاية كل أسبوع، إلا أننا لا نملك إحصاءات دقيقة عن العدد، تجذبهم مناظر طبيعية خلابة وشواطئ منبسطة تزينها القشور والأصداف. كما أن المحمية باتت بمثابة مستودع مهم للطيور المهاجرة، ما يجعل المكان مهماً للغاية. والسبب هو أن المحمية واقعة في حدود العزل الجغرافي. كما أن التشكيلات الصخرية التي صنعتها الأمواج بدقة متناهية وفرت للطيور والأنواع الأخرى أجواء الاستقرار، وسهلت عليها التقاط فرائسها التي تقذفها تلك الأمواج”.
جهود حماية البيئة
ونوه السييلي، إلى أن “الهيئة العامة لحماية البيئة في اليمن سعت إلى تقديم كل الوثائق والدراسات الاستشارية البيئية لشرمة إلى رئاسة الوزراء، لإصدار قرار جمهوري بإعلانها محمية طبيعية، وتمكينها من أن تُعلَن محمية الإنسان والمحيط الحيوي تحت مظلة منظمة اليونسكو. كما سعى فرع الهيئة العامة لحماية البيئة – محافظة حضرموت الساحل، في عام 2013 إلى إصدار قرار المجلس المحلي في محافظة حضرموت، بشأن إعلان شرمة – جثمون محميةً طبيعية، وأعد الفرع لائحةً تنظيمية، تنظم الأعمال والنشاطات وتغرم المخالفين المتعدين على موارد المحمية”.
وأمل المسؤول البيئي اليمني أن “تُترجم وعود الحكومة اليمنية ومنظمة اليونسكو، إلى أفعال على الأرض، عبر الاهتمام الكامل في المحمية وتوفير كل الاحتياجات المطلوبة لحماية التميز الطبيعي، والارتقاء بالمحمية إلى مصاف المحميات الطبيعية العالمية”.
دعم مجتمعي
وفي سياق متصل، وضمن الدعم الشعبي والإعلامي للحفاظ على المحمية، نظمت إدارة حماية البيئة في محافظة حضرموت، رحلةً لفريق من الإعلاميين والمهتمين بالبيئة إلى محمية شرمة، وذلك للاطلاع على مميزات المحمية والمخاطر التي تهددها.
وخلص الفريق المشترك من الإعلاميين وحماة البيئة إلى إطلاق تحذير للحكومة اليمنية والمنظمات المحلية والدولية، من مغبة استنزاف الثروات الطبيعية في المحمية، بخاصة الكائنات الحية النادرة كالسلاحف البحرية والغطاء النباتي والموارد، مطالباً بوقف العبث والإهمال الذي طالها منذ سنوات، وسن القوانين الرادعة لحمايتها، باعتبارها مكسباً اقتصادياً وطبيعياً لليمن عامةً ولمحافظة حضرموت خاصةً.
المصدر : الاندبندنت
* المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع