السياسية- تقرير:
مرزاح العسل
بدأت اليوم الأربعاء، في العاصمة السورية دمشق أعمال “المؤتمر الدولي حول عودة اللاجئين” السوريين إلى وطنهم، بمشاركة نحو 27 دولة و12 منظمة دولية غير حكومية.
وبحسب وسائل الإعلام السورية فإن من أبرز الدول المشاركة في المؤتمر الذي يعقد على مدى يومين، هي: روسيا والصين والهند وإيران ولبنان والإمارات وباكستان وسلطنة عُمان وفنزويلا، كما تشارك الأمم المتحدة بصفة مراقب.. فيما قاطعته الولايات المتحدة الأميركية وكندا ودول الاتحاد الأوروبي، التي تفرض عقوبات على الحكومة السورية.
وتٌعد روسيا ممثلة بعدد واسع من المؤسسات المختصة في مجالات عدة، فضلاً عن الحضور الأبرز لوزارتي الخارجية والدفاع، وكما أعلن الكرملين سابقاً سيشمل الوفد الروسي ممثلين عن 35 مؤسسة روسية، معنية بالانخراط في الملفات المختلفة المتعلقة بموضوع عودة اللاجئين.

ويناقش المؤتمر في يومه الأول المساعدات الإنسانية واستعادة البنى التحتية والتعاون بين المنظمات العلمية والتعليمية وإعادة إعمار البنية التحتية للطاقة في سوريا في مرحلة ما بعد الحرب.. وفي اليوم الثاني، ستكون هناك جولات ميدانية للوفود على مراكز الإيواء، وسيُختتم المؤتمر بجلسة ختامية وإصدار بيان ختامي.
وفي كلمته بمناسبة الافتتاح قال الرئيس السوري بشار الأسد عبر شاشة إلكترونية: إن “قضية اللاجئين بالنسبة لسوريا هي قضية وطنية إضافة لكونها إنسانية”.. مضيفاً إن “الأغلبية الساحقة من السوريين في الخارج باتوا اليوم وأكثر من أي وقت مضى، راغبين في العودة إلى وطنهم لأنهم يرفضون أن يكونوا “رقماً” على لوائح الاستثمار السياسي و”ورقة” بيد الأنظمة الداعمة للإرهاب ضد وطنهم”.
وتابع قائلاً “نحن اليوم نواجه قضية مركبة من 3 عناصر مترابطة، ملايين اللاجئين الراغبين في العودة ومئات المليارات من بنية تحتية مدمرة بنيت خلال عقود وإرهاب ما زال يعبث في بعض المناطق”.
واعتبر أن خطوات تسهيل عودة اللاجئين “ستكون أسرع كلما ازدادت الإمكانيات وازديادها مرتبط بتراجع العقبات المتمثلة بالحصار الاقتصادي والعقوبات التي تحرم الدولة من أبسط الوسائل الضرورية لإعادة الإعمار وتؤدي لتراجع الوضع الاقتصادي والمعيشي”.
وكان الأسد قد قال الإثنين إن عودة اللاجئين تشكل “أولوية” لحكومته.. معتبراً أن “العقبة الأكبر”هي العقوبات التي تفرضها دول غربية على بلاده، وعلى رأسها الولايات المتحدة.
وحول أهمية المؤتمر، أكد معاون وزير الخارجية السوري الدكتور أيمن سوسان خلال مؤتمر صحفي أنه “يأتي بهدف دفع عملية إعادة الإعمار ورفدها بالطاقات الشابة السورية، وإيقاف تسييس قضية اللاجئين السوريين”.. مؤكداً أنه لا يمكن توطيد الاستقرار في سوريا بعد الانجازات الميدانية، التي تحققت مع بقاء وجود هذه الكم الهائل من المواطنين خارج البلاد.
ونوه سوسان بدور روسيا الاتحادية في عقد المؤتمر باعتبارها شريك في حل الملفات الإنسانية، كما كانت شريكا في الحرب على الإرهاب.. مؤكداً أن سوريا اتخذت العديد من الإجراءات، التي من شأنها تسهيل عودة اللاجئين من تأهيل بنى تحتية في المناطق المتضررة وإقرار العديد التشريعات والقوانين اللازمة.
وأشار إلى وجود سلة من الإجراءات المريحة جداً للاجئين العائدين إلى الوطن والتي قد لا تخرج عن المؤتمر، لأنها تعتبر إجراءات وطنية لكنها ستصدر في الوقت المناسب.. وأوضح أن هذا المؤتمر اختصاصي يعالج قضية اللاجئين السوريين بالتنسيق والاتفاق مع الجانب الروسي.
وعلى صعيد المنظمات الدولية، أوضح معاون وزير الخارجية السوري أن جميع المنظمات المعنية بالشأن الإغاثي والعاملة في الجمهورية العربية السورية سوف تكون مشاركة بالمؤتمر من الأمم المتحدة إلى الصليب الأحمر الدولي وغيرها من المنظمات الإنسانية، وأضاف قائلاً “الأمم المتحدة حصرت حضورها بصفة مراقب، وكنا نأمل بأن تكون مشاركتها بشكل أكبر إلا أن واشنطن لها تأثير قوي على سياسيات الأمم المتحدة”.

وختم سوسان تصريحاته بالتأكيد على أن المؤتمر يحمل رسالتين، الأولى للسوريين الموجودين خارج الوطن بأن “الحكومة السورية ترغب وترحب بعودتهم إلى بيوتهم ومشاركتهم في إعادة إعمار سوريا، وأنها تعمل لضمان العيش الكريم لهم في وطنهم”.. أما الرسالة الثانية فهي موجهة للمجتمع الدولي من أجل إزالة العراقيل أمام عودة اللاجئين، ووضع حد للتسيس الممنهج لهذه القضية الإنسانية، ورفع العقوبات الجائرة والحصار الاقتصادي المفروض على سوريا.
من جهته أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في كلمته التي ألقاها الكسندر لافرنتييف: أن حل أزمة اللاجئين يتطلب مشاركة المجتمع الدولي وتوقف بعض الدول عن تسييس هذا الملف.. وقال إن عدم مشاركة الولايات المتحدة في المؤتمر دليل على ازدواجية المعايير تجاه سوريا.
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد أكد بوقت سابق في اتصال له بالرئيس السوري، أن بلاده تدعم المؤتمر.. وأن الوفد الروسي سيكون أكبر من يشارك في المؤتمر.
وشدد بوتين على أن بلاده ستواصل بذل الجهود لإنجاح المؤتمر.. قائلاً إن روسيا ستواصل أيضًا المشاورات مع سوريا لتسهيل عودة اللاجئين.
خبراء وباحثون روس أكدوا أن قضية عودة المهجرين واللاجئين السوريين إلى ديارهم أصبحت ضرورة موضوعية تفرضها عوامل إنسانية وحياتية مختلفة من أهمها تحرير الغالبية العظمى من أراضيهم من الإرهاب وكذلك حاجة مسألة إعادة الإعمار للقوى العاملة السورية.
وقال نائب رئيس رابطة الدبلوماسيين الروس أندريه باكلانوف: إن “الولايات المتحدة ما زالت مصرة على تسييس قضية إعادة المهجرين السوريين الإنسانية وتحاول استغلالها عبر إرشادات وقحة تتنافى مع السيادة السورية”.. مشيراً إلى أن الدول الغربية تعتمد على منظمات وشركات استثمارية تابعة لها لتحقيق مخططاتها التآمرية السابقة بعد أن فشلت كل الأساليب العسكرية والاقتصادية التي اتبعتها ضد سورية.
بدوره أعرب نائب رئيس معهد التنبؤات والتسويات السياسية الروسي ألكسندر كوزنيتسوف عن أسفه للمواقف الغربية الرامية لإفشال المشاريع الإنسانية الخاصة بالمهجرين ومحاولتها ربط هذه القضية بمسائل كبيرة يصعب حلها في وقت قصير.. مشيراً إلى أن عودة المهجرين السوريين إلى ديارهم ترتبط بحل جملة من المسائل التي طرحتها لقاءات أستانا ومنتدى الحوار الوطني في سوتشي ومؤتمر جنيف وإعادة إعمار البنى الاقتصادية والاجتماعية التي دمرتها الحرب الإرهابية في سوريا.
وأقترح كبير مساعدي وزير الخارجية الإيراني علي أصغر خاجي إنشاء صندوق دولي لإعادة إعمار سوريا.. وقال في كلمة له خلال الافتتاح اليوم: إن مشكلة اللاجئين هي نتيجة حرب فرضت على الشعب السوري وطال أمدها عقداُ من الزمن.
وأوضح أن الأزمة في سوريا تسببت بملايين اللاجئين ما بين نازحين إلى خارج بلدهم أو إلى مناطق أخرى في داخله.. مشيراً إلى أن قضية عودة النازحين لا تقتصر على البعدين الاجتماعي والسياسي وإنما لها بعد إنساني.

في السياق ذاته أكد السفير الصيني في سوريا فيونغ بياو أن قضية عودة اللاجئين مهمة لسورية وعلى المجتمع الدولي مساعدتهم بالعودة للمساهمة في إعادة إعمار وطنهم.. قائلاً إن استمرار العقوبات الاقتصادية على سوريا أمر غير مشروع ويعيق عودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم.
إلى ذلك أكد وزير الخارجية والمغتربين اللبناني شربل وهبة، على ضرورة تكثيف الجهود الدولية لتأمين وضمان العودة الآمنة والكريمة والتدريجية للاجئين السوريين إلى وطنهم دون شروط مسبقة بعد أن باتت الظروف مهيأة لهذه العودة.
وقال وهبة في كلمة له عبر الفيديو خلال المؤتمر: “أنه بعد مرور أكثر من 9 سنوات على الأزمة في سورية فإن لبنان يأمل بعودة كل من نزح ومن لجأ إلى أرضه ووطنه ليساهم في إعادة البناء والنهوض وخاصة أن القسم الأكبر من مناطق سوريا أصبح يتمتع بالأمن والاستقرار”.
وأشار إلى أن العائق الأساسي أمام السير في حل دائم لقضية اللاجئين السوريين هو غياب الإرادة الدولية الجامعة وانعدام النوايا الصافية والفعلية في طي صفحة هذا الملف الشائك والأليم ولعل ذلك مرده بشكل أساسي إلى أن مسألة النازحين واللاجئين ليست غائبة عن الحسابات الضيقة لبعض دول المنطقة وهو ما أدى إلى تسييس هذه المسألة وعدم الاكتراث بمعاناة اللاجئين الإنسانية.
وأكد وهبة أن وجود نحو مليون ونصف مليون نازح سوري في لبنان ساهم في تفاقم الأعباء الاقتصادية على الدولة اللبنانية في ظل الظروف الصحية والاقتصادية الاستثنائية التي يشهدها لبنان والعالم ودول المنطقة والتي تفاقمت سوءا مع انفجار مرفأ بيروت المأساوي الأمر الذي يتطلب أكثر من أي وقت مضى تكثيف الجهود الدولية لتأمين وضمان العودة الآمنة والكريمة والتدريجية للنازحين السوريين إلى وطنهم ولا سيما المناطق التي باتت تنعم بالأمن والاستقرار وضرورة عدم ربط تلك العودة بأي شروط.
وأعرب وهبة عن أمل لبنان بأن يسهم المؤتمر الدولي حول عودة اللاجئين في إيجاد حل لأزمة النزوح واللجوء وأن يشكل رافعة لعودة النازحين السوريين ومحطة مهمة في تخفيف معاناة الدول المضيفة لأعداد كبيرة من اللاجئين والنازحين.
من جهته أكد وزير الشؤون الاجتماعية والسياحة اللبناني رمزي المشرفية أنه بعد 9 سنوات على بداية الأزمة في سورية والتي أدت إلى لجوء ونزوح ملايين السوريين يأتي المؤتمر ليؤكد عزم الدولة السورية العمل على العودة الآمنة والكريمة لأبنائها من اللاجئين والنازحين.. مشيراً إلى أن سوريا بحاجة إلى سواعد جميع أبنائها لإعادة إعمار ما دمرته الحرب والإرهاب.
وقال المشرفية في كلمة مماثلة له: إن لبنان يعيش اليوم أزمات اقتصادية مالية متراكمة وجاءت أزمة وباء كورونا وانفجار بيروت المروع لتعمق هذه الأزمات المتراكمة ولتفاقم حدة الفقر والعوز.. مبيناً أن “الكلفة المباشرة وغير المباشرة للنزوح منذ 9 سنوات تقدر بأكثر من 40 مليار دولار نتيجة الضغط على الخدمات العامة والمواد المدعومة والبنى التحتية وفرص العمل”.
الجدير ذكره أن اللاجئون السوريون.. مواطنون فرّوا من بلادهم مع تصاعد الأزمة السورية.. بحلول عام 2015، وتم تسجيل أكثر من 8 مليون لاجئ سوري في دول الجوار والعالم خصوصاً الأردن ولبنان وتركيا والعراق وألمانيا وعلى الأرجح يوجد عشرات الآلاف من اللاجئين غير المسجلين، ويقدر عدد من ينتظرون التسجيل حوالي 227 ألف لاجئ.
حكومات بعض الدول اتخذت سياسة الباب المفتوح مع اللاجئين كتركيا وألمانيا ومصر كأفضل الأمثلة، لكن حكومات دول أخرى تعاملت معهم كأمر واقع فُرض عليهم بسبب العوامل الجغرافية (كالحدود)، كلبنان.. فيما أغلقت بعض الدول أبوابها في وجههم كدول الخليج.
ومع نزوح المدنيين السوريين نزحت رؤوس الأموال واليد العاملة السورية مما فتح شهية الكثير من الحكومات وجعل فكرة استقبالهم مطروحة بلا تردد.
وتشير إحصائيات الأمم المتحدة إلى وصول عدد اللاجئين السوريين إلى أكثر من 6.5 ملايين لاجئ حول العالم، فيما يساوي عدد النازحين داخلياً هذا الرقم، ما يعني أن نصف السوريين باتوا بعيدين عن منازلهم منذ بداية الأزمة عام 2011م، فر معظمهم بشكل أساسي إلى الدول المجاورة.
وتسعى روسيا منذ سنوات للحصول على دعم المجتمع الدولي من أجل إطلاق مرحلة إعادة الاعمار وعودة اللاجئين، فيما تربط الجهات المانحة تقديم أي مساعدات بالتوصل إلى تسوية سياسية للنزاع.
وتشهد سوريا منذ بدء النزاع أسوأ أزماتها الاقتصادية والمعيشية التي تترافق مع انهيار قياسي في قيمة الليرة وتآكل القدرة الشرائية للسوريين الذين بات يعيش الجزء الأكبر منهم تحت خط الفقر.
وتحذر منظمات حقوقية من أن توقّف المعارك في مناطق عدة من سوريا لا يعني أنها باتت مهيئة لعودة اللاجئين في ظل افتقارها للبنى التحتية والخدمية والخشية من حصول انتهاكات لحقوق الإنسان.
في السياق ذاته، قالت منسقة مكتب شؤون اللاجئين في “الائتلاف الوطني السوري” أمل شيخو إنه “لا يوجد بيئة آمنة ومستقرة في سوريا تسمح بعودة اللاجئين السوريين إليها حتى الآن”.

سبأ