الولايات المتحدة ودول الخليج.. هل ينتهي شهر العسل بمجيء بايدن؟
شهدت علاقات دول الخليج تطورا وتحسنا كبيرين في عهد ترامب. لكن كيف ستكون في عهد بايدن؟ هل سينتهي شهر العسل مع رحيل ترامب؟ وهل ينفذ بايدن تهديده بـ "معاقبة" السعودية، وخاصة فيما يتعلق بملف حقوق الإنسان ومقتل جمال خاشقجي؟
السياسية- رصد:
هنأت القيادة السعودية جو بايدن بعد مرور24 ساعة على إعلان فوزه في الانتخابات الرئاسية. ففي أعقاب نهج “جدلي” اتبعه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تتجه الأنظار إلى الولايات المتحدة لمعرفة التغييرات المقبلة في السياسة الأمريكية مع قدوم بايدن.
وفي مقدمة الأمور المتوقع أن يلحق بها التغيير، العلاقات الأمريكية بدول الخليج وعلى رأسها السعودية. حيث كان دونالد ترامب “حليفا” لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والعلاقة القوية بينهما حالت دون تحرك أمريكي رسمي بعدة ملفات يأتي في مقدمتها حقوق الإنسان ومقتل الصحفي جمال خاشقجي والحرب في اليمن. فما الذي ينتظر السعودية ودول الخليج بعد خسارة ترامب وفوز الديمقراطي جو بايدن؟
ولي العهد “غير مرحب به في البيت الأبيض”!
وربما تأتي الرياح الأمريكية بما لا تشتهي سفن السعودية بحديث الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن عما وصفه بـ “إعادة تقييم العلاقات مع المملكة”. ويتوقع أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور مصطفى كامل السيد، أن يكون ولي العهد السعودي محمد بن سلمان “غير مرحب به في البيت الأبيض” بسبب ملف حقوق الإنسان. ويرى السيد في حواره مع DW عربية أن الخلاف “حقيقي” ولكنه لن يتسبب في قطع العلاقات بين البلدين حيث أن المشكلة “ليست بين الولايات المتحدة والشعب السعودي وإنما مع الأسرة الحاكمة”. ويضيف السيد أنه “يمكن للبلدين مواصلة علاقتهما دون أن يظهر بن سلمان في الصورة، وربما قد يُضعف هذا من مكانة ولي العهد داخل الأسرة الحاكمة ويلقي بظلاله على مستقبله السياسي في المملكة”.
ويتفق المستشار بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور حسن أبو طالب، في حواره مع DW عربية، مع القول بأن الحديث عن قطيعة أو تدهور العلاقات بين البلدين هو “أمر مبالغ فيه بعيد عن الواقع”.
ويوضح أبو طالب أن “لعلاقات الأمريكية السعودية عرفت الكثير من العثرات ولكن دائما ما نجحت محاولات احتوائها، فالعلاقات بين البلدين قديمة وعميقة وتمس مصالح سياسية واستراتيجية وترتبط باستقرار منطقة الخليج واحتواء أي تهديد لدول المنطقة والمصالح الأمريكية فيها”.
فتح ملف اغتيال خاشقجي من جديد؟
وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد “تباهى” بنجاحه في إنقاذ ولي العهد السعودي من اتهام الكونغرس الأمريكي له في قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، وفقا لما نشره الصحفي بوب وودورد في كتابه “غضب”.
وبرحيل ترامب يعود الخطر ليحدق من جديد بولى العهد السعودي، خاصة مع الحديث عن مشروع قانون بأروقة الكونغرس يحمل اسم الصحفي السعودي الراحل!
إلا أن المستشار بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، د. حسن أبو طالب، يرى أن قضية خاشقجي هي “عنصر واحد ضمن عناصر أخرى تكون العلاقة بين البلدين”. ورغم “بشاعة مقتل خاشقجي بكل المقاييس” فإن مصالح الدول لا تؤخذ بالدعاية الانتخابية، خاصة ما يتعلق منها بعلاقات ذات طابع استراتيجي وانعكاسات متعددة.
ويقول أبو طالب لـ DW عربية “مسألة عقاب السعودية تكررت كثيرا بالولايات المتحدة منذ أحداث 11 سبتمبر، ولكن السعودية لا تُعاقَب فهي دولة تملك العديد من الأوراق وقادرة على معاقبة العالم كله فيما يتعلق بالنفط”!
ويتفق أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة د. مصطفى كامل السيد، بحاور أجرته DW عربية، مع القول بمحدودية تأثير قضية خاشقجي وما يمثله “موقع السعودية في سوق النفط العالمي” من عامل يدفع الولايات المتحدة إلى الحفاظ علي “علاقات طيبة” مع المملكة.
ويقول السيد “يمكن للعلاقات الدولية أن تشهد قدرا من الاتفاق بشأن بعض القضايا وقدرا من الاختلاف حول قضايا أخرى. ولكن الخلافات بين الولايات المتحدة والسعودية لن تحول دون مواصلة التعاون بينهما”. كما يتوقع السيد أن العقاب هنا ربما يقع على أشخاص بعينهم وليس على علاقات الدولتين بشكل كامل.
وكان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان قد نفى إصداره الأمر بقتل خاشقجي، لكنه اعتبر لاحقا “أنه يتحمل بعض المسؤولية الشخصية لوقوع الجريمة وهو بموقع المسؤولية”، وفقا لوكالة رويترز. كما أصدرت الرياض أحكاما بالسجن تراوحت ما بين 7 و20 عاما على ثمانية متهمين في القضية.
وقدم رئيس لجنة الاستخبارات بمجلس النواب الأمريكي أدم شيف، في شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، مشروع قانون باسم الصحفي جمال خاشقجي يستهدف “حظر المساعدات الأمريكية وفرض عقوبات على الأفراد لدى ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ضد الصحفيين، وتعزيز التزام الولايات المتحدة بمحاسبة أولئك الذين يستهدفون الصحفيين بالعنف والاضطهاد”، وفقا لبيان أصدره آدم شيف.
المخاوف بشأن إيران غير مبررة!
وتمتد “المخاوف” السعودية بشأن السياسات الخارجية الأمريكية المتوقعة لتصل إلى إيران. إذ تحدث بايدن عن نيته العودة إلى الاتفاق النووي المبرم عام 2015 مع إيران، والذي تم التفاوض عليه أثناء شغل بايدن لمنصب نائب الرئيس السابق باراك أوباما.
وأعرب الرئيس الإيراني حسن روحاني، خلال اجتماع اللجنة الوطنية لمكافحة كورونا في إيران، عن أمله في “خضوع الإدارة الأمريكية القادمة للأنظمة والقوانين وعودتها لجميع التزاماتها”، حسبما أفادت وكالة تسنيم الإيرانية للأنباء.
كما أعرب النائب الأول للرئيس الإيراني إسحاق جهانجيري عن ارتياحه برحيل ترامب وقال “وأخيراً مع إعلان نتيجة الانتخابات الأمريكية انتهى عهد ترامب وفريقه المغامر والداعي للحرب”، مضيفا أن “سياسات ترامب كانت مبنية على انتهاك المعاهدات الدولية”، وفقاً لما نقلته وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية (إرنا).
ويعتبر أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، مصطفى كامل السيد، أن مخاوف السعودية من الحديث عن العودة للاتفاق النووي مع إيران هي “في غير محلها” حيث أن العودة للاتفاق يقع في صالح السعودية ودول الخليج وليس العكس. ويقول السيد: “لم يتمكن ترامب وإسرائيل من وقف البرنامج النووي الإيراني، وبالتالي فإن أفضل بديل هو أن يكون هناك رقابة دولية ما على هذا البرنامج”.
ولدى كل من السعودية والإمارات “قناعة بتخلي إدارة الرئيس أوباما عن حلفائها التقليديين في الخليج”، وفقا لتحليل سابق لمعهد مجموعة الأزمات الدولية. ولكن مع صول ترامب للبيت الأبيض شهدت العلاقات الأمريكية السعودية تحسنا كبيرا و”يرجع ذلك إلى قرار واشنطن بممارسة ضغوط كبيرة على إيران وقطاعها النفطي”.
وهنا يقترح السيد على السعودية أن “تخفف من قلقها” بشأن التصريحات الأمريكية عن العودة للاتفاق النووي ويقول “لم يلغ أوباما كافة العقوبات التي كانت مفروضة علي إيران، فهو لم يكن صديقا لإيران، وإنما كان يحاول إخضاعها للرقابة سواء من خلال الرقابة علي البرنامج النووي أو بفرض قيود اقتصادية، وهذا ما سيفعله بايدن أيضا”.
أما المستشار بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، د. أبو طالب، فيذكر بتصريحات سابقة لبايدن عن أن أي عودة أمريكية للاتفاق النووي “ستكون بشروط” من ضمنها ما يتعلق ببرنامج الصواريخ الباليستية التي قد تشكل تهديدا لدول الجوار الخليجية، فضلا عن عدم إفراج الولايات المتحدة عن الأموال الخاصة بإيران “بدون التزامها الصارم بالمعاهدة”.
ويقول أبو طالب “عندما تضع الولايات المتحدة سياساتها المتكاملة فمن المؤكد أنها ستعود للدول ذات الشأن لمناقشة المسائل الخلافية ومحاولة الوصول لنقاط اتفاق تحقق مصالح الجميع، فلا يمكن للولايات المتحدة أن تحقق مصالحها منفردة دون أخذ مصالح الأطراف الاخرى في الاعتبار ومن بينها السعودية”.
صفقات السلاح والمصالحة الخليجية
بالرغم من حث الولايات المتحدة دول الخليج في عهد ترامب على إنهاء خلافها مع قطر “لإعداد جبهة موحدة ضد طهران”، على حد قول السيناتور الأمريكي ليندسي غراهام، لم تنجح واشنطن في رأب الصدع الخليجي. ومع إعلان جو بايدن انتهاج سياسة جديدة مع إيران، ربما ينجح في تحقيق “المصالحة الخليجية” التي فشل ترامب في تحقيقها.
ويرى د. مصطفى كامل السيد أنه حتى مع إعلان جو بايدن عن نيته بانتهاج سياسات جديدة وبالرغم من “عدم وجود مصلحة للولايات المتحدة” في استمرار التوتر بين دول الخليج، يبقى الدور الأمريكي في هذا الملف محدودا “لعدم تحكم واشنطن تماما بكافة الأوراق في المنطقة” على حد تعبيره.
ويعتقد د. حسن أبو طالب، أن “تحقيق المصالحة” سيتوقف على قدرة الولايات المتحدة على “إلزام قطر بعدم تمويل الجماعات الإسلامية ووقف حملاتها الإعلامية ضد الدول الأخرى في المنطقة”.
ويشير أبو طالب إلى الأصوات المطالبة بـ “معاقبة” السعودية داخل أروقة السياسة الأمريكية، متسائلا ما إن كان من مصلحة الولايات المتحدة أن “تهز استقرار دولة بحجم السعودية أو تهدد العلاقات التاريخية معها”.
وجدير بالذكر، أن أرقام معهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام تشير إلى أن مبيعات الأسلحة الأمريكية للسعودية بين عامي 2017 و2019 تعد ثاني أعلى مبيعات لإدارة واحدة بعد إدارة بيل كلينتون بين عامي 1993 و2000، وذلك دون احتساب المبيعات في عام 2020.
وبتصنيف المملكة العربية السعودية كأكبر مستورد للسلاح في العالم بنسبة 12 بالمئة من إجمالي واردات الأسلحة العالمية، تأتي صفقات بيع السلاح الأمريكي للسعودية بطبيعة الحال في مقدمة “المصالح” التي تربط الدولتين.
ويقول أبو طالب أن أي تصور بشأن “عقاب أمريكي ما” سيواجهه رد سعودي، موضحا أن “أبسط ما قد يحدث هو أن تتوقف السعودية عن تمويل صفقات السلاح وتتجه لروسيا أو الصين أو غيرها من الدول”.
– دينا البسنلي
– المصدر : DW الألماني
– – تم نقل المادة الصحفية حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع