السياسية – رصد:

محمد راجح

تعاني زراعة القطن في اليمن من إهمال شديد وتراجع حاد في إنتاجية هذا المحصول الذي يعوّل عليه البلد الذي يوصف بأحد أفقر بلدان العالم، ليكون أحد الروافد الاقتصادية التي يمكن أن يستند إليها لمكافحة الفقر والبطالة.

ويتميز اليمن بمقومات إنتاجية واسعة في ما يطلق عليه “الذهب الأبيض”، وهو ما يشكل دافعا كبيرا لإعادة إحياء الصناعات القطنية، نظراً لما تمثله من أهمية كبيرة والتي تعد من الرافعات الاقتصادية الواعدة، وبالنظر أيضا إلى ما يمثله اليمن كونه مستهلكا كبيرا للمنسوجات والغزول ومختلف المنتجات القطنية.

القطن كان أحد المنتجات الاستراتيجية سابقا في اليمن لسنوات وعقود طويلة، لكن بعض السياسات الخاطئة في البلاد قبل الحرب، إضافة إلى ما شهدته البلاد من صراعات في السنوات القليلة الماضية، أدت إلى تراجع زراعة القطن بشكل كبير وصولا إلى مستويات خطيرة هددت بتلاشي إنتاجيته واختفائه.

حسب آخر بيانات إحصائية رسمية صادرة قبل الحرب التي اندلعت في 2015، فقد “بلغ حجم إنتاج اليمن من القطن قرابة 25 ألفاً و154 طناً”، رغم تراجع المساحات المزروعة في سهل “تهامة” الزراعي بالحديدة غرب اليمن بنسبة تصل إلى 70% بعد إغلاق مصنع الغزل والنسيج في صنعاء (شمال) في العام 2005.

 

ويؤكد خبراء في هذا المجال، أن هناك مزايا عديدة في الصناعة النسيجية تتوافر مقوماتها الأساسية باليمن وأهميتها التنموية كقطاع مستوعب للأيادي العاملة، الأمر الذي يتطلب دعم وتشجيع المزارعين للتوسع في زراعة القطن وإعادة تشغيل محالج القطن في الحديدة غربي اليمن وفي أبين جنوبه.

وفي حين تعاني زراعة القطن في محافظة الحديدة ومختلف مناطق الساحل الغربي لليمن من تدهور متواصل، تشهد زراعته انحسارا كبيرا في دلتا أبين ولحج بعد توقف العمل بمصنع الغزل في عدن جنوب اليمن منذ ما يقارب 15 عاما، رغم المحاولات القليلة أخيراً لإعادة زراعة بعض المساحات الزراعية في مناطق تابعة لدلتا أبين الزراعية وفي مناطق محافظة لحج المجاورة.

المزارع في دلتا أبين الزراعية، مختار ناشر، يؤكد عزوف كثير من مزارعي القطن عن زراعته لعدم قدرتهم على تسويقه، وبالتالي تكدسه في مزارعهم لأوقات طويلة، الأمر الذي أدى إلى ترك كثير من المزارعين زراعته والاتجاه لزراعة محاصيل أخرى غير القطن.

ويوضح ناشر لـ”العربي الجديد”، عدم وجود أي اهتمام من قبل الجهات المعنية في السلطات المحلية أو الدوائر الحكومية مثل وزارتي الزراعة والري والصناعة والتجارة، إضافة إلى غياب تام للقطاع الخاص في مناطقهم لاستغلال ما يتم إنتاجه من القطن في إنشاء معامل ومشاغل خاصة بالصناعات القطنية التي يغطي المستورد منها جزءا كبيرا من احتياجات الأسواق.

وينتج اليمن القطن بنوعين، الأول متوسط التيلة في الساحل الغربي من البلاد، والثاني طويل التيلة وينتج في محافظتي لحج وأبين جنوب اليمن وكذا في مأرب والجوف (شمال شرق) وذلك بجودة عالية.

مزارع قطن في محافظة الحديدة، محمد مانع، يؤكد لـ”العربي الجديد”، افتقادهم للإمكانيات والمستلزمات الزراعية اللازمة، وكذلك عدم وجود أسواق لاستيعاب منتجاتهم، إضافة إلى تأخر التدخلات الرسمية في مد يد العون والمساعدة لهم وتوفير احتياجاتهم المتعددة وتقديم البذور المحسنة للمزارعين والأدوات اللازمة لمكافحة الآفات التي تضرب سنوياً محاصيلهم، إلى جانب تكوين شراكة مع القطاع التجاري لشراء محاصيلهم وكذا العمل على حل مشكلة الوقود التي تمثل لهم معضلة رئيسية لا يستطيعون بمفردهم حلها.

في الإطار، بدأت جهود متأخرة بالظهور منذ العام الماضي لإعادة إحياء هذا المنتج اليمني الاستراتيجي، إذ تم تشكيل فريق عمل من الجهات المعنية لدراسة وضعية هذا المنتج والصعوبات التي تواجه عملية زراعته وكذا المعوقات المتعلقة بالصناعات القطنية في اليمن.

رئيس المؤسسة اليمنية العامة للغزل والنسيج، عبد اللاه شيبان، يؤكد أن الفريق يعمل على تقديم رؤية متكاملة لإعادة إحياء الصناعات القطنية بحسب ما تمتلكه البلاد من فرص ومزايا متاحة بالإمكان استغلالها، لذا تم العمل على إعادة إحياء محلج القطن في الحديدة غربي اليمن، ومساعدة المزارعين على “حلج” القطن المنتج في الفترة من أغسطس/اَب 2019 وحتى مارس/اَذار 2020 وتسويقه واستخدامه، وبالتالي كان هناك ما يشبه مد العون والمساعدة للمزارعين بالمقابل استغلال المنتج كمدخل رئيسي للمواد الخام المصنعة.

ويشير شيبان لـ”العربي الجديد”، إلى وضع خطة لزيادة الإنتاج من القطن من خلال العمل على توزيع بذور وأسمدة للمزارعين وتقديم النصائح الإرشادية اللازمة التي تتطلبها زراعة هذا المحصول، متوقعاً أن تثمر هذه الجهود عن رفع الإنتاج إلى 5 آلاف طن من القطن كمرحلة أولى في ظل ما تهدف إليه الخطة بتجاوز عملية الإنتاج 20 ألف طن خلال المواسم القليلة القادمة.

وشهدت الأسواق اليمنية، أخيراً، إنشاء بعض المشاغل والمصانع الخاصة بالقطن والتي شكل انتشار فيروس كورونا في البلاد دافعا محفزا لإنشائها، إذ بدأت بعض هذه المصانع عملها بإنتاج الكمامات والبدلات الصحية الخاصة بالأطباء ومن ثم طورت عملها وبدأت بعملية إنتاج بعض الملبوسات القطنية.

لكن بحسب القائمين عليها فإن استمرارها مرتبط بدعم وتشجيع الجهات الرسمية لمثل هذه المشاريع وإعفائها من الجمارك والضرائب لتخفيض تكاليف الإنتاج الباهظة لخدمة المستهلك في اليمن.

ويؤكد مدير التسويق في مصنع زهرة القطن بالعاصمة اليمنية صنعاء، لبيب العريقي، أن مثل هذه المصانع والمشاغل لها الأثر الكبير لإعادة إحياء زراعة القطن في اليمن وكذا أهميتها في إعادة تشغيل مصانع الغزل والنسيج في اليمن التي توقفت والتي كانت تغزل وتنسج القطن بدلا من تصديره للخارج ومن ثم شرائه بسبعة أضعاف سعر بيع القطن الخام هذا بخلاف أن مثل هذه المصانع ستشكل رافدا كبيرا للاقتصاد الوطني.

ويتحدث العريقي لـ”العربي الجديد”، عن أبرز الصعوبات التي يواجهونها كمشاريع ناشئة في صناعة القطن والتي تتضمن عدم توفر الديزل والقماش القطني، إضافة إلى غزو المنتجات المستوردة.

* المصدر : العربي الجديد

* المادة الصحفية : تم نقلها حرفيا من المصدر ولاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع