د. حامد أبو العز*

تعيش السعودية اليوم تحولات خطيرة ومتسارعة دفعت إلى ظهور “أزمة هوية” للحكومة السعودية. هذه التحولات الجذرية المتصاعدة انعكست على سياسات السعودية الداخلية والخارجية.

لعلّ من أهم آثار هذه الأزمة، هو تقمص السعودية ووسائل إعلامها لدور المصلح الديني الرافض للإرهاب.
فالسعودية اليوم تحولت إلى المعسكر التفريطي وأصبحت ملكية أكثر من الملك. فاليوم تشن وسائل الإعلام السعودية حملة واسعة للدفاع عن تصريحات ماكرون حول “تطرف الإسلام”، وأن الإسلام يواجه أزمة حادة في كل مكان.

بالطبع يجب إدانة الجريمة التي راح ضحيتها معلم فرنسي، فهي جريمة بشعة وهي جريمة تهدد بالقيم المجتمعية ليس في المجتمع الفرنسي فحسب، بل حول العالم. ولكن في الوقت نفسه، هل يجب أن نصف أي متطرف يقوم بأعمال إرهابية بأنه “متطرف إسلامي” أو نكيل الاتهامات للإسلام بدعم التطرف والإرهاب حول العالم.

أليس في ذلك تزييف للحقائق وتشويه للدين الإسلامي الذي دعا إلى الخير والسلم في كل مكان. محاولات ماكرون مفهومة للغاية، فهي تقارب مع اليمين الفرنسي. فاليمين المتطرف في فرنسا خاصة وفي أوربا عموماً يتخذ من مسألة الإسلام والمهاجرين، منبراً للوصول إلى سدة الحكم هناك. وبالتالي إذا أردت أن تكسب قسم من الشارع فعليك أولا أن تهاجم الإسلام، وثانيا أن تضيق وتهاجم المهاجرين اللاجئين.

ولكن غير المفهوم هو الموقف السعودي الذي ذهب إلى أكثر من إدانة الجريمة، بحيث ذهب إلى تأييد تصريحات ماكرون بأن الإسلام يواجه أزمة وبأنهم موافقون على وصف الدين الإسلامي بأنه “إرهابي”.

لم نجد أثناء بحثنا عن المبررات لهذه المواقف أي دليل يدفع السعودية لهذا التصرف سوى مخالفتها لأي شيء ينطق به الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان”.

فالإعلام السعودي اليوم لا يترك أي فرصة لا يهاجم بها تركيا، يدعو إلى مقاطعة البضائع التركية ويخالف كل ما يقوله أردوغان حتى إن كان دفاعا عن الإسلام. وهذا النهج خطير للغاية، فليس دفاعا عن أردوغان، إلا أن تصريحاته التي أدان فيها تصريحات ماكرون بوصفه الدين الإسلامي بالإرهابي، هي تصريحات جريئة ومطلوبة.

لإن الرئيس الفرنسي يحتاج لمن يضع له حد عند الحديث عن الإسلام. فماكرون وترامب وغيرهم لطالما رفضوا وصف الجرائم التي يرتكبها البيض ضد المهاجرين أو ضد المسلمين بالإرهابية. وليس ببعيد حادثة نيوزلندا التي راح ضحيتها أكثر من 50 مسلم نتيجة الإرهاب العنصري.

المعارضة العمياء لتركيا جعلت السعودية تتخبط في هويتها الإسلامية، وتتنكر للمثل والقيم العليا التي يمّثلها الإسلام.

وعلى الطرف الأخر، ونتيجة للخوف غير المبرر من الجارة إيران، اتخذت السعودية من إيران “بعبع”، لتبرير تقاربها مع العدو الصهيوني. وكأن إيران دولة عمرها 10 سنوات، حديثة النشأة وتهدد الأمن القومي السعودي. وهذا باطل جملة وتفصيلا. فإيران ما قبل الثورة الإسلامية لم تعتدي على السعودية كما أن إيران ما بعد الثورة لم تعتدي على السعودية في أي مناسبة تُذكر. إنما كانت السعودية هي من خلق عدواً وهمياً من إيران وذلك لفرض أجنداتها في المنطقة.

شغف القيادة الشابة في السعودية بالتطبيع مع إسرائيل، دفع بالسياسة الخارجية السعودية إلى الأحضان الإسرائيلية. ودفعهم لإن يشنوا حملات متواصلة ضد الشعب الفلسطيني الحر، في سعي منهم لشيطنة الضحية. كما تنّكر السعوديون للمبادرة العربية التي طرحوها هم أنفسهم، وتنكروا على إثر ذلك على الدور المحوري للسعودية على الصعيد الإسلامي والعربي الداعم لفلسطين أيام الملك فيصل رحمه الله.

عجيبٌ كان تصريح وزير الخارجية السعودية الذي تحدث فيه عن أن أي مشكلة تحدث في العالم ستجد ورائها إيران!!!

ألم تكن إيران الدولة الإسلامية هي من بادر إلى خوض مفاوضات النووي مع المجموعة الدولية وتوصلت معهم لاتفاق تاريخي بهذا الشأن!!! ولكن من سعى لتقويض هذا الاتفاق سوى السعودية وإسرائيل؟

ألم تكن إيران من دعا إلى وقف حرب اليمن ووقف القتل والتشريد هناك؟ وبدورها ألم تكن السعودية هي المعتدية على شعب أعزل، رفض الانصياع تحت الوصاية السعودية فكان مصير أطفاله ونسائه القتل والتشريد بأسلحة أمريكية وجنود سعوديون!!!

ألم تكن إيران من دعت السعودية إلى حوار شامل دون شروط مسبقة؟ وألم تختار السعودية الصمت رداً على كل هذه الدعوات؟

ألم تكن إيران من دعت دول منطقة الخليج لتشكيل قوة إقليمية للحفاظ على أمن الخليج دون التدخل الخارجي؟ وألم تكن السعودية هي من جلبت الولايات المتحدة إلى المنطقة؟

ألم تكن إيران هي من قاتلت داعش والجماعات الإرهابية في سوريا؟ وألم تكن السعودية هي من دعمها!!

ألم تقف إيران موقفاً صريحاً من التطبيع العربي-الإسرائيلي، حيث رفضته وأدانته وهددت بضربه؟ وألم تكن السعودية هي من أعطت الضوء الأخضر له وباركت للدول المطبعة، وهي الان تقف في صف التطبيع وتنتظر دورها!!

كل هذه الأسئلة برسم القارئ، وبمجرد الإجابة عليها سيتمكن القارئ من فهم أزمة الهوية التي تعيشها السعودية على المستوى الداخلي والخارجي.

* المصدر : رأي اليوم
* المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع