هل تُستَدرَج واشنطن إلى مواجهة عسكرية مع الصين وكوريا الشمالية؟
لا يمكن لواشنطن التسليم بالأمر الواقع والقبول بما بدأت تفرضه الصين لناحية النفوذ والسيطرة في المحيط الهادي وشمال شرق آسيا، ولا يمكن لها أن ترضخ لتصاعد قدرات كوريا الشمالية بهذا الشكل المتسارع.
شارل أبي نادر*
في الواقع، يعتبر أي متابع لما يجري في شمال المحيط الهادي وبحر الصين الجنوبي من توتر واستنفار وحشد عسكري واستراتيجي، أن المواجهة العسكريّة اقتربت. هذا الاستنفار القاطع للأنفاس تقوده الولايات المتحدة الأميركية ومعها بعض الحلفاء الآسيويين من جهة، مقابل الصين وكوريا الشمالية من جهة أخرى، فكيف يمكن أن تتطور الأوضاع في تلك المنطقة الأكثر حساسية من العالم؟ وهل تصل واشنطن مرغمة إلى اتخاذ قرار بشن حرب قد تكون الأخطر عبر التاريخ ضد كل من الصين وكوريا الشمالية؟
لناحية الصين
يبدو أن الولايات المتحدة الأميركية بدأت تفقد القدرة على ضبط حركة الصين، وخصوصاً في “بحر الصين الجنوبي”، إذ إنَّ الأخيرة استطاعت، ومن خلال مناورة ذكية عملت عليها طويلاً، أن تمسك بأكبر مساحة ممكنة من هذا البحر الاستراتيجي، انطلاقاً من جزيرة هانان الصينية شمالاً، وامتداداً إلى مجموعة جزر سبارتلي المتاخمة للفيليبين جنوباً، مروراً بمجموعة جزر بارسيل في الوسط. هذه المناورة ارتكزت على ربط مجموعات كبيرة من الشعَب المرجانية المتفرقة بممرات وجزر اصطناعية، لتخلق امتداداً مترابطاً من الجزر الواسعة استفادت منها في اتجاهين:
أولاً: لناحية اعتمادها (مجموعات الجزر الاصطناعية) كنقاط ارتكاز عسكرية نشرت فيها منظومة ضخمة من الصواريخ المتطورة المضادة للغواصات والسفن والقاذفات، ما سمح لها بامتلاك قواعد استراتيجية تمسك من خلالها أكبر مساحة ممكنة من بحر الصين الجنوبي ومن أغلب ممراته المائية الحيوية، وامتداداً إلى شمال مداخل المحيط الهادي، لجهة مضيق ملقا بين ماليزيا وإندونيسيا.
ثانياً: لناحية خلق الفرصة لتوسيع مياهها الاقتصادية الخالصة، من خلال الاستناد إلى ملكية الجزر الموجودة في عمق البحر المذكور، ما يزيد مساحات شاسعة على مياهها الخالصة، وبالتالي على حقول الغاز والنفط المفترضة. وإذ تعترض عدة دول على تلك المناورة، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، ومعها الفيليبين وتايوان وفيتنام وماليزيا وبروناي، فإن هذا الاعتراض، وفي حال عدم اختيار قرار الحرب، يبقى وجهة نظر تحتاج إلى تفاوض طويل وشاق بإشراف المؤسسات الدولية ومراكز التحكيم العالمية.
ما اكتسبته الصين عبر مناورة الجزر الاصطناعية (حوالى ألف كلم من الشعب المرجانية والجزر الصغيرة التي ربطتها ببعضها البعض)، إضافة إلى ما شهدته صناعتها العسكرية من تطور مهم في الصواريخ والقطع البحرية والغواصات والقاذفات الاستراتيجية وغيرها من القدرات النووية، يعطيها موقعاً قوياً وحساساً.
وعلى الرغم مما تضعه الولايات المتحدة الأميركية في تلك المنطقة من قدرات عسكرية استراتيجية، أو ما تقوم به مباشرة أو عبر مجموعة الدول المحيطة ببحر الصين الجنوبي من تحريض ضد بكين على خلفية ملكية تلك الجزر الحيوية، تبقى واشنطن عاجزة عن تجاوز هذا الموقف القوي للصين بسهولة أو بسلاسة، بعيداً من العنف أو الضغط العسكري أو المواجهة المباشرة.
لناحية كوريا الشمالية
تتقاطع أغلب المعطيات الدولية، والمبنية على معلومات استخباراتية وعسكرية وإعلامية ودبلوماسية، حول أن بيونغ يانغ وصلت إلى امتلاك سلاح نووي مؤكد، مع قدرات صاروخية باليستية استراتيجية قادرة على استهداف أي مكان في العالم بقنابل نووية وبفعالية شبه كاملة.
وما يؤكد ذلك هو المسار التصاعدي الواضح والثابت لتجاربها الصاروخية، والتي تتطور في المدى وفي القدرة على حمل شحنات أكبر، ولأغراض متعدّدة، وذلك خلال فترة قياسية فاجأت كل المراقبين، على الرغم من الحصار شبه الكامل والمفروض على حدودها، وعلى الرغم من القيود الضاغطة على ارتباطها مع الخارج اقتصادياً وعلمياً.
أخيراً، كشفت كوريا الشمالية عن صاروخ باليستي عابر للقارات “هواسونغ-15″، وذلك خلال عرض عسكري غير مسبوق أقيم في العاصمة بيونغ يانغ، وهو الصاروخ الأطول مدى مما اختبرته كوريا الشمالية حتى الآن، ويطلق من الغواصات، ويعتبر أكبر صاروخ متحرّك بوقود سائل على الإطلاق.
ويرى بعض الخبراء أن بيونغ يانغ يمكن أن تكشف قريباً عن صاروخ بحر- أرض باليستي استراتيجيّ جديد (أم أس بي أس) أو صاروخ بالستي عابر للقارات (آي سي بي أم)، باستطاعته الوصول إلى القارة الأميركية، مع تقنيات تسمح لهذه الصواريخ بخداع أنظمة الدفاع الأميركية.
ماذا سيفعل الأميركيون؟
في الحقيقة، هناك الكثير من الأسئلة الحساسة التي بدأت تفرض نفسها حالياً في كل المحافل الدولية، وعلى المستويات كافة، وهي:
ماذا ستفعل الولايات المتحدة الأميركية حيال توسع وتطور النفوذ والقدرات الصينية أو حيال التسارع في تطور قدرات كوريا الشمالية؟ هل تنتظر أكثر لتجد نفسها عاجزة عن استيعاب أو مواجهة هذه القدرات الصينية أو الكورية المتعاظمة؟ وهل ستعمد (الولايات المتحدة الأميركية) إلى إجراء ما لإبعاد هذه الكأس عنها؟ وهل سيكون هذا الإجراء حرباً مفتوحة وواسعة تطال منطقة كبيرة من شمال آسيا والبحار والمحيطات التي تحضن عشرات القواعد العسكرية الأميركية والحليفة لها أو الصينية والكورية الشمالية، أم يكون هذا الإجراء عملية عسكرية محدودة ومركزة تستهدف المواقع العسكرية الصينية، وخصوصاً في جزر بحر الصين الجنوبي، وتستهدف أيضاً مواقع الصواريخ والأسلحة التقليدية والنووية المحتملة جميعها، الصينية والكورية الشمالية، الأمر الذي سوف يخرج حتماً عن السيطرة، ولن يبقى أبداً عبارة عن مواجهة محدودة؟
في الحقيقة، لا يمكن التكهن بما سوف تقرره الولايات المتحدة الأميركية، وخصوصاً لجهة اتخاذ قرار بالحرب والمواجهة العسكرية، فتداعيات هذا القرار ستكون على الأقل قاتلة ومدمرة للعالم.
من ناحية أخرى، لا يمكن أيضاً لواشنطن التسليم بالأمر الواقع والقبول بما بدأت تفرضه الصين، لناحية النفوذ والسيطرة في المحيط الهادي وشمال شرق آسيا، الأمر الذي سوف ينهي بشكل شبه كامل النفوذ الأميركي في تلك المنطقة، في حال استمراره وعدم وضع حد له، أو على الأقل سوف يُضعِفه إلى الحد الأدنى.
أيضاً، لا يمكن لواشنطن أن ترضخ لتصاعد قدرات كوريا الشمالية بهذا الشكل المتسارع والخطير، من دون أن تجد لهذه القدرات ضابطاً، وخصوصاً مع سياسة العقوبات الخانقة التي فرضتها عليها منذ عشرات السنوات، وكما يبدو من دون جدوى.
إزاء هذه الخطوط الحمراء التي لا يمكن لواشنطن أن تقبل بتجاوزها، وفي المقابل إزاء صعوبة وخطورة الجنوح نحو المواجهة العسكرية المفتوحة وغير المضبوطة، لم يعد أمام الولايات المتحدة الأميركية إلا البحث عن تسوية أو تفاوض متوازن، يعيد الصين من جهة إلى دائرة الصراع المضبوط اقتصادياً وسياسياً، مع الاعتراف لها بحيثيتها التاريخية والجغرافية في المحيط الهادي وفي بحر الصين الجنوبي. ومن جهة أخرى، يبحث جدياً في هواجس كوريا الشمالية ومطالبها المحقة، والتي سوف تجعلها – وحدها – تتخلى عن برنامجها الصاروخي والنووي الحساس والخطر.
* المصدر : الميادين نت
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع