السياسية – رصد:

محمد راجح

يشهد اليمن ارتفاعات قياسية في الرسوم الدراسية تتزامن مع تدهور اقتصادي ومعيشي مريع مع التهاوي الكبير للعملة الوطنية التي تجاوزت حاجز 800 ريال للدولار.

وبرز الاستثمار في التعليم الأهلي الخاص ضمن القطاعات والخدمات التي استغلت الحرب الدائرة في البلاد منذ ما يزيد على خمس سنوات، لتتسع على حساب التعليم العام.

الباحث الاقتصادي عبد الله السعيدي، يرى أن الحرب فتحت الأبواب بشكل واسع لمثل هذا النوع من الاستثمارات، باعتبارها تجارة حرب، لا بل تندرج بعدد كبير منها ضمن شبكات غسل الأموال التي استغلت وضعية البلد الراهنة وتعطيل منظومات العمل الإدارية والمالية والقانونية العامة لضخّ أموال هائلة إلى قطاع التعليم الأهلي الذي لا يختلف عن الأموال المشبوهة التي تضخ في قطاعات متعددة مثل العقارات والأراضي والعملة والوقود وشركات توظيف الأموال.

ويرى في حديث مع “العربي الجديد”، أن جزءاً كبيراً من الأموال التي استوعبها قطاع التعليم الأهلي تعود إلى مستثمرين مرتبطين بشكل أو بآخر بتجارة الحرب التي كوّنت، كما يلاحظ، طبقة ثرية استهلاكية ساهم بذخها المفرط في رفع تكاليف المدارس الأهلية ورسومها، وما سبّب ذلك من خلق فجوة طبقية واسعة، نظراً لأن كثيراً من الأسر أصبحت بسبب ذلك غير قادرة على تعليم أبنائها.

وتفاجأ المواطن عبد الواسع النظاري من سكان محافظة إب وسط اليمن، من الرسوم التي حددتها المدرسة الخاصة التي يدرس فيها ثلاثة من أولاده في المرحلتين الأساسية والثانوية، وفق حديثه مع “العربي الجديد”، نظراً إلى ارتفاعها بشكل ملحوظ عن الرسوم التي كانت محددة العام الدراسي الماضي.

فيما دفع هذا الارتفاع المبالغ في الرسوم المواطن معين النبط الذي يعمل في قطاع المقاولات في صنعاء إلى التريث في تسجيل اثنين من أولاده في المدرسة التي يدرسون فيها منذ عامين بعدما تركا المدرسة الحكومية التي تمرّ بحالة تدهور شديد، وخصوصاً في المحافظات الشمالية والوسطى من اليمن لصالح التعليم الأهلي الخاص.

ويقول النبط لـ”العربي الجديد” إنه دفع العام الماضي نحو 280 ألف ريال تكاليف رسوم طالب في الصف الخامس، ونحو 160 ألفاً رسوم طالب في الصف الأول الثانوي، إضافة إلى متعلقات ومستلزمات دراسية أخرى، إلا أن هذا العام السعر تضاعف للمرحلتين. فيما يتجاوز القسط السنوي لطالب ثانوي في مدارس أخرى ألف دولار، مع شرط الدفع بالعملة الصعبة.

إلا أن وليد الهمداني، وهو مسؤول في إحدى المدارس الأهلية العاملة في صنعاء، ينفي مضاعفة الرسوم بصورة كبيرة ومؤثرة، على الرغم من الالتزامات والتكاليف الواسعة التي، وفق حديثه لـ”العربي الجديد”، أثقلت هي الأخرى كاهل هذه المدارس. ويتحدث الهمداني عن زيادة لا تتعدى نسبتها 45 في المائة، مقارنةً بالعام الماضي، لتغطية تكاليف ونفقات طرأت هذا العام، منها الزيادة المضاعفة في الإيجارات، نظراً لأن 80 في المائة من هذه المدارس لا تمتلك مقارّ ومباني خاصة بها، إضافة إلى تغطية تكاليف الزيادة المفترضة في رواتب المعلمين وجبايات أخرى تفرضها السلطات المعنية.

إلا أنه ما يُعرَف عن هذه المدارس، أنها تدفع رواتب ضئيلة للمعلمين مقارنة بما تجنيه من أموال الرسوم وغيرها. إذ لا يتجاوز راتب معلم في المرحلة الأساسية 25 ألف ريال ونحو 55 ألف ريال لمعلم في المرحلة الثانوية، فيما يعتمد الكثير من المدارس على معلمين حديثي التخرج، تُدفَع لهم أجور زهيدة.

وفي الوقت الذي تشهد فيه عدن العاصمة المؤقتة المفترضة للحكومة اليمنية احتجاجات متواصلة للمعلمين وعمال مطابع الكتاب المدرسي لصرف مستحقاتهم ورواتبهم وتحسين أوضاعهم، أصدرت وزارة التربية والتعليم الخاضعة لسيطرة الحوثيين في صنعاء، قراراً يلزم المدارس الأهلية في نطاق سيطرتها، بمنح المعلمين لديها عقود عمل لمدة ثمانية أشهر وبراتب حده الأدنى لا يقلّ عن 30 ألف ريال.

وسبّب الوضع الراهن الذي يمرّ به اليمن إلحاق أضرار بالغة بشرائح المجتمع كافة، وخصوصاً المعلمين الذين وجدوا أنفسهم بلا رواتب وبلا دخل معيشي، الأمر الذي دفع الكثير منهم إلى العمل في مهن متعددة، بعضها قاسية وشاقة. المعلم فؤاد السامعي من هؤلاء المعلمين المتوقفة رواتبهم منذ ما يقارب خمسة أعوام، وهو يعيل أسرة مكونة من 8 أفراد، ويؤكد لـ”العربي الجديد” أنه وجد نفسه فجأة بلا مدخول، ما دفعه إلى البحث عن عمل بأي طريقة، لأن لا عائل لأسرته غيره مع تدهور وضعهم المعيشي وصعوبة توفير أبسط الاحتياجات من الغذاء والدواء وغيرها من المتطلبات الضرورية، حيث استقرّ به المطاف للعمل في أحد أفران الخبز الذي يعمل فيه منذ نحو عامين ونصف.

ويتفق معه التربوي العامل في مطابع الكتاب المدرسي جمال محمد، في ما يتعلق بالأوضاع المعيشية الصعبة، إذ يشير في حديثه لـ”العربي الجديد”، إلى ما تعاني منه الكوادر التربوية وعمال وموظفو بعض المؤسسات العاملة في هذا القطاع من هضم كبير لحقوقهم وعدم صرف مستحقاتهم المالية منذ أشهر وتقاعس الجهات المختصة في حلّ مشاكلهم ووضع حد لما تمرّ به المؤسسات التي يعملون فيها من تدهور قد يؤدي إلى توقفها وتشردهم.

* المصدر : العربي الجديد

* المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع