أجل.. لن ينقذها الخونة.. إسرائيل تهزم نفسها
صالح عوض*
يعاني الكيان الصهيوني من الشيخوخة، ولقد تجمعت عليه كل الأمراض التي لا علاج منها، وفيما يحاول استعراض انتصاراته ببناء علاقات إستراتيجية مع بعض دول المنطقة يذهب أصحاب الرأي فيه والمفكرون والقيادات الأمنية والسياسية إلى رفع الإشارة الحمراء..
يستند الفلسطينيون إلى حقائق راسخة في الأرض المباركة يمتزجون بمقدساتها فتمنح كلماتهم قوة الفصل في المعركة المحتدمة ويستندون إلى نصف مليار عربي ومليار ونصف مسلم ولأحرار العالم.. شعارهم: يا جبل ما يهزك ريح.
أما المحرومون من شرف الانتماء للأمة المجيدة.. فقد بعدت عليهم الشقة فثبطهم الله، وكره انبعاثهم، فسقطوا في علاقات العبودية للعدو الصهيوني ليمنحوه فرصة تخريب إضافية في أمتنا..
فشل المشروع:
شرح المفكر المصري عبد الوهاب المسيري في تسعينات القرن الماضي توقعاته لـ “نهاية قريبة” لإسرائيل، لأن إسرائيل “دولة وظيفية” بمعنى أن “القوى الاستعمارية اصطنعتها وأنشأتها للقيام بوظائف ومهام تترفع عن القيام بها مباشرة. هي مشروع استعماري لا علاقة له باليهودية”. متوقعا إن هذه الدولة ستواصل التقهقر مما سيجعلها مرشحة للانهيار خلال بضعة عقود لأن “الدورات التاريخية أصبحت الآن أكثر سرعة مما مضى”،”إن إسرائيل “دولة عنصرية تعاني من مشكلة ديمغرافية، العرب يتكاثرون واليهود يتناقص عددهم من خلال النزوح وانقطاع الهجرة والإحجام عن الإنجاب”.
وعبّر الأديب الإسرائيلي، “عاموس عوز” وهو من كبار الكتاب والأدباء الإسرائيليين، عن تشاؤمه من مستقبل إسرائيل، وقال إنها تقف قريبا من الهاوية، ووصف المجتمع الإسرائيلي بأنه “متصدّع”، وقال:” نحن نقف قريبا جدا من الهاوية.
وعبر الكاتب الإسرائيلي، “آرييه شافيت”، عن قلقه الشديد من تعاظم ظاهرة توجه الإسرائيليين إلى الحصول على جواز سفر أجنبي، بسبب عدم ثقتهم في إمكانية بقاء إسرائيل. بسبب العمى الذي أصاب القيادة الصهيونية، والجمود الفكري الذي يتسم به أداء هذه القيادة.. مشدداً على أن طلابا يهودا يقودون حركة المقاطعة العالمية ضد إسرائيل في الولايات المتحدة، ما يدلل على تآكل القناعة اليهودية بعدالة المواقف الإسرائيلية.
فيما توقع الحاخام إلياهو كاوفمان: “انهيار إسرائيل بعد عقود قليلة”. وبحسب تعبيره، فإن “نهاية إسرائيل مسألة وقت”، “.
وفي مقابلة موسعة أجرتها الصحفية ميدل إيست آي البريطانية، قال المؤلف والباحث الإسرائيلي “ياكوف شاريت” إنه يندم على المشروع الصهيوني بأكمله ” إذ لم يكن من الممكن للأقلية أن تحل محل الأغلبية التي عاشت على هذه الأرض مئات السنين”
ويقول ياكوف:”الآلاف يغادرون إسرائيل ومعظمهم يحمل جوازين للسفر”، ويضيف “نحن نعيش على السيف”، ويتابع ” لكنني لا أعتقد أنه من الممكن أن نعيش بالسيف إلى الأبد”.
الواقع أن حقيقة نهاية إسرائيل لا تغيب عن الوجدان الصهيوني وهي تطل برأسها كلما حدثت أزمة وحرب، وعلى سبيل المثال، حرب أكتوبر 1973 وقرار محكمة العدل الدولية بعدم شرعية جدار الفصل العنصري، وبعد هزيمة تموز 2006 في جنوب لبنان،.ولقد غطت الصحف الإسرائيلية “عملية شراء شقق في الخارج.تحسبا لليوم الأسود”
تهديد الزوال:
يمثل الخطر الديمغرافي في فلسطين وفي الأردن، و الآتي من الجوار العربي (مصر) والوطن العربي أول عناصر التهديد بالفناء.. وفي مقابل النمو الديمغرافي الفلسطيني تبرز الهجرة المعاكسة من الكيان الصهيوني لأسباب أمنية تعرض لها الكيان خلال عقوده الأخيرة وكذلك لأسباب اقتصادية كالبطالة وغلاء المعيشة والضرائب المرتفعة الأمر الذي يتسبب في رفع معدلات الفقر.
بحسب مسؤول وِحدة الهجرة والاستيعاب “ميخائيل جنكر”: “إن الحروب زادت من عدد المتقدّمين بطلبات لمغادرة إسرائيل فلقد ارتفع عدد المهاجرين الروس الذين غادروا “إسرائيل” عائدين إلى روسيا في السنوات الأربع الماضية بنسبة 600%”. وعلى هذا الصعيد، أفادت صحيفة “يديعوت أحرونوت” مؤخراً بأن: “50 ألف إسرائيلي يعيشون الآن في الاتحاد الروسي” ومن جهة أخرى، أشار مكتب الإحصاء المركزي في روسيا إلى “أن 35000 إسرائيلي من أصول روسية عادوا لبلدهم الأصلي منذ بداية العقد الماضي”، وبحسب مُـعطيات في وزارة الداخلية الإسرائيلية، فإن “1000 إسرائيلي تقدّموا بطلبات للتنازل عن جنسيتهم الإسرائيلية”، والعدد الى ازدياد.. و”ان هناك 850 ألف إسرائيلي يعيشون خارج إسرائيل”.
أن الكيان الصهيوني يعاني في السنوات الأخيرة من ظاهرة “هجرة الأدمغة”، فلقد بلغت في وسط السِّـلك الأكاديمي %6.55 من حمَـلة شهادات “البروفيسوراة”، يتبعهم الأطباء بنسبة 4.8% والمهندسون، والباحثون بـ 3%.
يؤكد قادة الرأي والفكر الصهاينة عن افتقاد إسرائيل الى عقل استراتيجي بعيدا عن البهلوانية والكذب والفساد الذي أصبح سمة لحكام الكيان الصهيوني، ويشير كتاب “رسالة الى القائد” للكاتب الإسرائيلي “يحزقئيل درور” إلى إخفاقات كثيرة تسبب بها قادة إسرائيل، ويعزو الكتاب السبب إلى “التحلل الديني والتراثي والأخلاقي لدى القيادات اليهودية في إسرائيل الأمر الذي يهدد إسرائيل ككيان في وجودها ومستقبلها”.
ويشير كتاب “رسالة للقائد” إلى التشبه بالغرب وعزوف الجيل الجديد عن القيم اليهودية والصهيونية وذلك بسبب فراغ الساحة اليهودية من زعماء روحيين. ويؤكد المؤلف أن الأخلاق والقيم اليهودية في تراجع وفي أزمة ولهذا فإن التحدي يكون في الحفاظ على يهودية الدولة والأجيال. ويستعرض الكتاب ميول الشبيبة اليهودية في إسرائيل للتأثر بالغرب وحضارته وبات الدين والقومية في إسرائيل بالنسبة لها دربا من الخيال والأساطير.
وبالنسبة للعديد من علماء الاجتماع وأساتذة الفلسفة في الجامعات الإسرائيلية، فإن “عهد الصهيونية كدين مجمع للإسرائيليين انتهى”.. “عصر العقائدية والايدولوجيا تراجع أيضا في إسرائيل لصالح القِـيم الفردية والصراع الحاد بين التكتلات اليهودية يشير بوضوح الى تلاشي الدافع الإيديولوجي والى عجز المشروع الصهيوني في صياغة شخصية “إسرائيلية”.. الأمر الذي له أثر كبير في التنافر الاجتماعي وتزايد الهجرة المعاكسة من “أرض الميعاد”.
تؤشر الانتخابات الإسرائيلية على حالة من التشتت والتمزق والصراع داخل إسرائيل،وذلك لأن الكيان الصهيوني حالة غير طبيعية في وجودها، فهو قد نشأ نتيجة عصابات مسلحة أعلنت عن قيام دولة جاءت لها بمجتمع من شتى أصقاع الأرض، لهذا فهي محرومة من ميزات التراكم التاريخي في المجتمع.. وهذه الدولة التي اعتبرت نفسها واحة الديمقراطية والحداثة في الشرق الأوسط، تعتبر نفسها دولة اليهود وتمارس العنصرية، وثمة تناقضات مستحكمة في بين العلمانيين والمتدينين، والشرقيين والغربيين، والعرب واليهود، وبين كون إسرائيل مركز اليهودية أم أحد مراكزها،. وعلى صعيد الخارج فإنها محكومة بتناقضاتها، فهي لم تستطع بعد سبعين سنة إجراء مصالحة تاريخية مع أصحاب هذه المنطقة (العرب عموما والفلسطينيين خصوصا)، رغم كل ما تبذله من حركات بهلوانية مع أنظمة لا تملك من تغيير الواقع شيئا.
الإجابات الصهيونية:
للإجابة على السؤال الكبير: “ما الذي يخبئه العقد المقبل لدولة إسرائيل؟” أقيمت ورشة نظمها “مركز مولاد لتجديد الديمقراطية في إسرائيل”، بمشاركة نخبة من كبار المسؤولين السابقين في الأجهزة الأمنية و الخبراء والباحثين.
واتفق المشاركون على أن العقد المنصرم كان “عقداً ضائعاً مهدَراً” على الصعيد السياسي، إذ لم يتم خلاله دفع أية مبادرة سياسية للمدى البعيد، وخلافاً للصورة المزيفة التي تقدمها الحكومة للجمهور، فإن التهديد الأساسي لإسرائيل ليس من إيران، إنما بين البحر والنهر حيث يعيش نحو 14 مليون إنسان، وهو واقع “قد يقود إلى نهاية المشروع الصهيوني إذا لم يتم التوصل إلى حل سياسي”.
قال الجنرال بالاحتياط “عامي أيالون” رئيس جهاز “الشاباك” السابق: إن “صفقة القرن” فمن شأنها فقط تعقيد المشكلة وتعميق الأزمة، ذلك أن هذه الخطة بمنظور المسؤولين الأمنيين ستؤدي إلى تعزيز “العناصر الراديكالية المؤيدة لـ”الإرهاب” بين الفلسطينيين.
وقد لاحظت الورشة أن ليس ثمة شيء اسمه “إدارة الصراع” من قبل الحكومة مؤكدة أن الحلول العسكرية والتكنولوجية لم تعد كافية لمواجهة التهديدات والتحديات الماثلة أمام إسرائيل.
ولاحظ المشاركون “ان لا خطر جدي وحقيقي يشكله جيش نظامي تقليدي. وستبقى “التنظيمات الإرهابية“ هي التهديد المركزي، على مدى السنوات المقبلة، بما في ذلك تهديد الصواريخ والقذائف”.
رسم المشاركون صورة التخوف الأكبر في هذا السياق فهو “تعمق التصدع باستمرار في في المجتمع الإسرائيلي، نتيجة الخلافات والصراعات الداخلية الحادة “.
واعتبر المشاركون أن :“الصورة الإقليمية لا تدعو إلى التفاؤل” “ففي غضون خمس سنوات، سيزداد عدد سكان العالم العربي ليصل إلى نحو نصف مليار إنسان، أكثر من نصفهم هم أبناء 30 عاماً أو أقل”. و”ستزداد، أيضا، نسبة الشبان المتعلمين والعاطلين عن العمل”. و”أن هذا الواقع لا يبشر بخير لإسرائيل”.
ويرى المشاركون” “أن تدخل دول المنطقة لتحريك العملية السياسية هو القادر على جر الفلسطينيين إلى داخلها.. وفي هذا السياق، ينبغي عدم إغفال نقطة الارتكاز لمبادرة ترمب والتي تشكل القاعدة المتينة لأية مفاوضات مستقبلية، مع بعض الملاءمات والتعديلات بما ينسجم مع مصالح دولة إسرائيل.”
ويؤكد المشاركون “إن غياب إستراتيجية إسرائيلية حيال الفلسطينيين هو بمثابة خطر جسيم على الأمن القومي الإسرائيلي”، في الإجابة على هذا، ثمة توجهات بارزة: الأول: “هو التوجه الذي يقوده بنيامين نتنياهو ومؤداه: سنعيش على الحراب، إلى الأبد”. الثاني: “هو التوجه الداعي إلى التوصل إلى تسوية سياسية لأنه الحل الوحيد الذي يضمن بقاء واستمرار المشروع الصهيوني”.
ورأى المشاركون:”المشكلة الأكثر صعوبة في إسرائيل 2020 انها تفتقر إلى منظومة متماسكة وثابتة للبحث المنهجي، المنظم والمتتابع في الخيارات السياسية الممكنة”
المؤرخ الإسرائيلي الشهير بيني موريس يقول في حوار مع صحيفة هآرتس الإسرائيلية “لا أرى لنا مخرجا”، وذلك في معرض حديثه عن فرص إسرائيل في البقاء كـ “دولة يهودية”. ويمضي شارحا “اليوم يوجد عرب أكثر من اليهود بين البحر المتوسط ونهر الأردن. وهذه الأرض بأكملها ستصير دولة واحدة ذات أغلبية عربية حتما”. يقول موريس “.. وسيكون اليهود أقلية صغيرة في خضم بحر عربي كبير من الفلسطينيين.. العنف بين المكونات المختلفة داخل الدولة سيزيد وكل من يستطيع من اليهود سيهرب إلى أميركا والغرب أما الفلسطينيين سيكون الانتصار في غضون ثلاثين إلى خمسين سنة حليفهم حتما.. سينتصرون علينا”.
أما أبراهام بورغ رئيس الكنيست السابق لأربع سنوات والسياسي المشهور الذي تقلد العديد من المناصب المهمة، فبعد نشر كتابه “هزيمة هتلر” الذي يشبه إسرائيل بألمانيا النازية قبيل هزيمتها.. يواصل بورغ نشر هذه الفكرة التي يلخصها بالقول إن “إسرائيل غيتو صهيوني يحمل أسباب زواله في ذاته”، وان النخبة الإسرائيلية انفصلت عن هذا المكان، ولا أمة دون نخبة”. ويفخر بورغ بأنه يحمل جواز سفر فرنسي موصيا كل من يستطيع من الإسرائيليين للحصول على جواز ثان. وذهب للتأكيد في مقال له إن “نهاية المشروع الصهيوني على عتبات أبوابنا. وهناك إمكانية حقيقية لأن يكون جيلنا آخر جيل صهيوني”، واصفا إسرائيل بأنها “معزل (غيتو) صهيوني” يحمل بذور زواله في ذاته، داعيا إلى حل الحركة الصهيونية، ويعتبر بورغ ان “وصف إسرائيل لذاتها بأنها دولة يهودية هو مفتاح زوالها، اذ إن دولة يهودية هي بمثابة مادة متفجرة، ديناميت”.
الصهيونية والصليبية:
إن المشروع الصهيوني هو نسخة محدثة لمشروع الفرنجة الحملة الصليبية وقد تمت علمنته وإحلال مادة بشرية جديدة ممثلة في كتلة يهودية تم تحديثها وتطبيعها وتغريبها وعلمنتها محل المادة البشرية المسيحية المتصلبة. وبالنظر للنسختين ندرك أن الخطر الأكبر المهدد لهما هو تجميد الهجرة وتوقفها وحرمان الحملة من مدد بشري مستمر يحدث توازن مع النمو الديمغرافي في المنطقة، وخلال دراساتهم يبدي الكتاب الصهاينة اهتماما بالغا بكيفية سقوط دولة بيت المقدس الصليبية كما بسقوط الاستعمار الفرنسي للجزائر.. يقول مؤسس الدولة العبرية دايفيد بن غوريون “ان إسرائيل تسقط بعد أول هزيمة تتلقاها”، ويقول “آلن هارت”، صحافي بريطاني بارز ومخضرم: “الهزيمة الإسرائيلية في الحرب هي بداية نهاية دولة إسرائيل الصهيونية”.
ثم عاد يوري أفنيري الكاتب الصحفي الصهيوني إلى الموضوع بعد الغزو الصهيوني للبنان، إلى أن ممالك الفرنجة احتلت رقعة من الأرض أوسع من تلك التي احتلتها الدولة الصهيونية، ما يعني أن ممالك الفرنجة لم تفقد قط طابعها الاستيطاني، وهذا هو بالضبط حال إسرائيل اليوم.
إسرائيل تمر حاليا” بمرحلة خطيرة من التدمير الذاتي، الذي وصل لكل المجالات، بل ان هناك منافسة شديدة حول من يقدم الصورة الأكثر سوادا. في الواقع، ثمة زلزال داخل إسرائيل على كل المستويات: انقلاب في بنية التفكير الإسرائيلي العام، فلقد تعرضت العقيدة الأمنية الصهيونية لهزات عنيفة منذ أكتوبر 1973 وحتى آخر حروب غزة..
سقطت دولة بيت المقدس الصليبية بعد 80 عاما وسقط الاستعمار الاستيطاني الفرنسي للجزائر بعد 132 عاما، ولم تكن الظروف السابقة للانتصار الا مزيدا من الارهاق والعنت والتشتت على جبهة الامة ولكن ايضا كانت الحملة الصليبية والاستعمار الفرنسي يعيشان تمزقهما الروحي و يفتقدان مبررات تواجدهما وقد نخرت في اوصالهما عوامل الانهيار فما كان على صلاح الدين والثورة الجزائرية الا عزم الامر والارتقاء الى مستوى القضية فكان النصر الذي سيكون مثيله قريبا على ارض فلسطين والله غالب على أمره.
* المصدر : رأي اليوم
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع