الدكتور حسن مرهج*

في غمرة الاضطرابات العاصفة التي تعيشها المنطقة، يبدو أنّ لبنان لن يكون بعيداً عن رياح الاضطرابات الإقليمية، وبات من الواضح أنّ سلسلة الضغوط التي مُورست ولا تزال ضد لبنان ومقاومته، قد بدأت تتكشف العديد من المعطيات والأوراق غايتها ومضمونها استهداف حزب الله، خاصة أن المعطيات التي برزت مؤخراً تؤكد للمتابع بما لا يدع مجالاً للشك، بأن واشنطن تعبث بالورقة اللبنانية لأمرين، أحدهما محاصرة حزب الله ضمن بؤرة جغرافية، مع التضيق عليه شعبياً بُغية نسف قواعده لدى الحاضنة الشعبية على مستوى لبنان، والأمر الثاني هو وضع لبنان أمام خيار مستحيل التطبيق، يرمي في المضمون إلى التطبيع مع اسرائيل، وهذا الأمر لُعب عليه إقليمياً وتتم هندسته أمريكياً، فالأحداث التي سردها الإعلام الغربي لجهة المفاوضات اللبنانية الاسرائيلية حيال التنقيب عن الغاز في المتوسط أو ترسيم الحدود، لا تُعد وفق سياق الأحداث، أنها بريئة، فالواضح أن هناك سيناريوهات مُظلمة تُعد للبنان، ليكون لبنان واللبنانيين في عين العاصفة الأمريكية.

كل ما يحدث في لبنان لا يمكن أن يكون بريئاً، ولنعود إلى الوراء قليلاً. بعد انفجار مرفأ بيروت وبُعيد زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ومغادرته، سارع وفد أمريكي إلى بيروت لنسف المبادرة الفرنسية، خاصة أنّ ديفيد هيل وديفيد شينكر يحملان أوراق أمريكية اسرائيلية، تصب مباشرة في عمق خطتهم الرامية لنسف حزب الله من لبنان، وتأمين المحيط الإقليمي لـ إسرائيل، وهذا بات واضحاً بالنظر إلى كُتلة الأموال التي ضُخت إلى لبنان، تحت شعار منظمات المجتمع المدني.

في ذات السياق، كان خطاب الملك السعودي متماهياً جملةً وتفصيلاً مع الموقف الأمريكي، ولعل كاتب الخطاب أراد أيضاً الإدلاء بدلوه لغايات بعثرة الأوراق في المشهد اللبناني، وإعادة الوقائع اللبنانية إلى نقطة الصفر. جُملة هذه الوقائع دفعت مصطفى أديب إلى الاعتذار عن تشكيل الحكومة اللبنانية.

ضمن ما سبق، يُمكننا القول بأن اعتذار أديب عن تشكيل الحكومة اللبنانية، يأتي ضمن أطر ثلاث:

أولاً- الاعتذار يؤكد المؤكد بأن لبنان لن يتمكن من الخروج من نفق الطائفية، وستبقى التجاذبات السياسة القائمة أصلاً على المحاصصة، عنوانا للمشهد اللبناني، حتى وإن تشكّلت حكومة جديدة خلال أشهر، فإنه أيضاً لن يكتب لها النجاح وسط ما يحدث في لبنان خاصة، والمنطقة عموماً.

ثانياً- المبادرة الفرنسية بما لها وعليها، لم ولن تُحقق شيئاً وسط التدخلات الأمريكية، والعبث السعودي في لبنان، وهذا الأمر أيضاً يؤكد بأن ماكرون جاهل بطبيعة النظام السياسي في لبنان، ولن يتمكن أيضاً من تهدئة التوترات السياسية، على الرغم من الوعود الفرنسية للنخب السياسية في لبنان.


ثالثاً-
بات من الواضح أن تسونامي الفساد في لبنان لا يُمكن ايقافه لدى العديد من النخب السياسية، ولا علاج لهذا الفساد المتجذر، إلا بإلغاء الطائفية والمحاصصة، والضرب بيد من حديد على مكامن الفساد لدى الجميع دون استثناءات.

بين هذا وذاك، لا نُجافي الحقيقة إن قلنا بأن الصراع على لبنان، هو صراع إيراني فرنسي أمريكي واسرائيلي ضمناً، ايران تريد لبنان مستقر، ومن جهة ثانية لا تريد طهران خسارة مرتكز إقليمي هام في المنطقة، وكذا فرنسا على الرغم من النظرة الفرنسية إلى لبنان على أنه مستعمرة فرنسية، أما أمريكا فتسعى لخلط الأوراق اللبنانية، والإبقاء على ورقة واحدة تتعلق بالتطبيع مع اسرائيل، فسياسة التعطيل الأمريكي والضرب على الوتر الطائفي، وسياسة التجويع التي تنتهجها واشنطن مع الجميع، تسعى في النهاية إلى تركيع اللبنانيين وبالتحديد حزب الله وبيئته، وبهذا تسمح واشنطن لـ اسرائيل بالتدخل وتقديم أوراقها الانسانية.

في المحصلة، الاستقرار في لبنان ممنوع في هذه المرحلة بقرار أمريكي صِرف، وفي ذات الإطار تسعى واشنطن صراحة عبر وكلائها في لبنان إلى إشعال حرب أهلية واقتتال داخلي، وكأن ما يُهندس للبنان شبيه بالسيناريو العراقي والسوري واليمني، بمعنى التجويع يقابله استسلام، والتجويع قد يؤسس لدى البعض في لبنان فكرتان تتلخصان، إما التجويع والصمود، وإما الذهاب إلى اسرائيل، ومن الواضح أن بين هاتان الفكرتان مشهد سوداوي يتمحور حول تأسيس إمارات طائفية في لبنان. فهل ستنجح واشنطن في ذلك؟، أم يبقى لحزب الله الكلمة الفصل في كل ما يحدث؟، ولعل صمت رجال الله في لبنان لن يطول.

* المصدر : رأي اليوم
* المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع