فادي عيد وهيب*

في صباح يوم الأحد الماضي دقت طبول الحرب مجددا بمنطقة القوقاز، بعد الإشتباك الحاد بين الجيش الأرميني ونظيره الأذربيجاني، ولأن الطرفين لاعبين بالوكالة، والبداية دائما كانت تأتي من أذربيجان، فكان علينا إلقاء نظرة على أهميتهم ومن يحركهم خلف الستار.

فبحكم موقع أذربيجان وحدودها مع داغستان وروسيا وجورجيا وارمينيا وايران، ولما تمثله تاريخيا لتركيا فكانت واحدة من الست دول التركية المستقلة بمنطقة القوقاز، واقتصاديا لميناء جيهان التركي بسبب خط أنابيب نابوكو، وكذلك اهمية موقعها لدى روسيا، وللإستخبارات الإيرانية التى تمثل لها أذربيجان ثانى أكبر دولة إنتشارا لعناصرها بعد العراق، فكلما أرادت أذربيجان أن تغضب الجارة الجنوبية إيران كانت تفتح ملف قضية “اذربيجان الجنوبية المحتلة، وكانت إيران ترد بإختراق للاجواء الأذرية أو سحب السفير.

كي يستغل وزير الإحتلال أفيغدور ليبرمان الفرصة ويقرع باب أذربيجان، كي نشهد تعاون عسكرى بين البلدين ضخما جدا، بعد موافقة الحكومة الاذرية على السماح لمختلف الطائرات العسكرية الإسرائيلية إستخدام المطارات الأذرية، وإعلان إسرائيل رغبتها فى بناء قواعد ومنصات صواريخ متقدمة بأذربيجان.

ولإسرائيل في أذربيجان مقر إستخبارات ونقاط لعناصر الموساد وموئلاً لفرق الإغتيال والتصفية، كما تمد شركة الصناعات الجوية الإسرائيلية أذربيجان بطائرات دون طيار، وطائرات تجسس، وأنظمة دفاع مضادة للصواريخ، وصواريخ مضادة للطائرات، كما أن باكو تمد تل أبيب بما يقرب من نصف حاجتها من النفط والغاز، وتشارك شركة النفط الحكومية الأذرية “سوكار” في التنقيب عن الغاز بالسواحل الإسرائيلية.

وكل ذلك منذ 10سنوات على الأقل، فما بالكم بالحال اليوم، ولا يخفي على أحد دور أذربيجان في سرقة إسرائيل للملف النووي الإيراني، بعد إختراق مقاتلات F35 إسرائيلية للأجواء الإيرانية والقيام بمهام إستطلاعية على المواقع النووية قبل إبريل2018م، ثم العودة لقواعدها بأذربيجان مرة أخرى، وبالطبع كانت تستغل أذربيجان التكنولوجيا العسكرية الإسرائيلية المتواجدة على أراضيها ضد أرمينيا.

وتفوق أهمية أرمينيا لروسيا أهمية سوريا وليبيا معا، بحكم إعتبارات جغرافية وسياسية وعسكرية بالجملة، فبها التواجد العسكري الروسي الأكبر خارج روسيا، فهي نقطة متقدمة لموسكو في وجه الناتو، ففي أرمينيا يتركز الحضور العسكري الروسي على القواعد الروسية في غيومري وأريبونى وتضم أكثر من 5000 جندي وضابط، ومئات الدبابات وعشرات المقاتلات الجوية، و84 نظاما مدفعيا، ومنظومات S300، كما وقّعت أرمينيا اتفاقاً للدفاع الجوي المشترك مع روسيا ديسمبر 2015م، وفي أغسطس 2010م تم تمديد التواجد الروسي في أرمينيا لعام 2044 بدلا من 2020م .

بالمقابل يدعم “الجيش التركي الثالث” (المكلف بحماية البوابة الشرقية لتركيا) القوات التي نشرتها أذربيجان في ناخيتشيفان (على الحدود مع تركيا وإيران وأرمينيا)، وقد تم تنظيم هذه القوات تحت لواء “الجيش المشترك الخاص” منذ عام 2013، ليحل محل “لواء المشاة الخامس”، وهو صناعة تركية بأمتياز، ومنذ أسابيع شهد الجيشين التركي والأذري مناورات مشتركة هي الأضخم بكل أنواع الأسلحة الثقيلة لدى الدولتين، والتي كانت بمثابة التدريب الأخير للجيش الأذري قبل دخوله المعركة الحالية.

كي يفتح أردوغان الأن جبهة ثالثة بينه وبين روسيا في أرمينيا بعد سوريا وليبيا، وتحويل قرار أذربيجان ورقة بجيبه الذي صار فارغا أمام وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، في ظل مرور العلاقات التركية الأمريكية بأسوأ مراحلها منذ تولي حزب العدالة والتنمية الحكم.

وفي المقابل من رقعة الشطرنج القوقازية يسعي بوتين لقلب الطاولة على أردوغان، ويحاول إصطياده وأستنزافه في كاراباخ، ليس عسكريا بالطبع، لأن التيار الأوراسي في الجيش التركي سيرفض دخول تلك المعركة تماما كحال رفضهم شن عدوان على اليونان لجرها لحرب مدبرة كما كان يرغب أردوغان، ولكن لإضعافه أكثر أقتصاديا في ظل تردي وضع الليرة والأقتصاد التركي.

وفي ظل كل ما سبق يتسأل العرب على مواقع التواصل الاجتماعي بتعجب شديد عن موقف إيران الداعم لأرمينيا (المسيحية)، مع إن أذرابيجان ذات أغلبية شيعية، وبتعجب أكثر عن دعم تركيا الضخم لأذربيجان مع إن تركيا سنية.
وللاسف مازال هناك من يبحث عن الدين في الحرب والسياسية، ويوجه مشاعره وقراره حسب مذهب وديانة الدول المتصارعة!

فلعل بعد سردنا الطويل يعرف العرب إن أذربيجان لا شيعية ولا سنية ولا مسلمة بالأساس، فحال الدولة الملقبة بـ “إسرائيل القوقاز” كحال الإسلامي عدنان مندريس في الخمسينات والستينات وكحال نسخته المعدلة الأن المسمى بـ رجب طيب أردوغان، وهي اليوم تخوض حربا بالوكالة عنه.

فكما كانت تركيا أول بلد ذات أغلبية مسلمة تعترف بدولة إسرائيل، كذلك كانت أول دولة تعترف بأستقلال أذربيجان عن الإتحاد السوفيتي، وشارك الأتراك الأذريين في تحرير باكو من الجيش البلشفي، كما شارك الإسلامي مندريس الصهاينة ضد العرب، وكما وضع أردوغان أكليلا من الزهور في متحف “ياد فاشيم” على ضحايا الهولوكوست بتل أبيب2005م، كذلك رفضت إسرائيل الإعتراف بإبادة الأرمن، وهكذا كان رد الجميل والمواقف بين الصهاينة بمختلف مذاهبهم.

* باحث ومحلل سياسي بشؤون الشرق الاوسط وشمال افريقيا
* المصدر : رأي اليوم
* المقال يعبر عن رأي كاتبه