بقلم: د/ أميرة أبو الفتوح

(صحيفة “ميدل إيست مينتور” البريطانية- ترجمة: نجاة نور، الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”)

لم يكن رفض مشروع القرار الفلسطيني من قبل جامعة الدول العربية انقلاباً على نفسها، بل كان المسمار الأخير في نعشها, حيث مات المجلس سريرياً لسنوات عديدة.

ويعاد إحياؤه كلما أمر سيده في البيت الأبيض، كما حدث في عهد الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب بعد غزو صدام حسين للكويت.

اجتمعت الدول العربية بين عشية وضحاها واتفقت، كما لم يحدث من قبل ولا منذ ذلك الحين، على أن تفعل ما طلب منها على الفور.

لم يجتمعوا عندما اجتاحت إسرائيل لبنان عامي 1982 و2006, أو كلما هاجمت قطاع غزة وقصفته بشكل متكرر, بل إن إسرائيل قصفت غزة في الليلة التي عقد فيها مجلس جامعة الدول العربية اجتماعه الأخير المخزي.

كما أن جامعة الدول العربية لم يرمش لها جفناً على المجازر الوحشية التي ارتكبتها إسرائيل ضد الفلسطينيين وتغض الطرف عن البناء المستمر للمستوطنات غير الشرعية على الأراضي الفلسطينية المحتلة، وكذلك الحصار الإسرائيلي الجائر على قطاع غزة والحرمان المتعمد لأهله.

أنها لم تفعل شيئاً حيال تهويد القدس، ولم تتأثر ببناء إسرائيل للأنفاق تحت المسجد الأقصى، مما عرض أساسته للخطر.

جلست وشاهدت الطائرات الإسرائيلية التي اخترقت الأجواء السورية عام 2011 مسببة الموت والدمار, كما حلقت فوق لبنان, بل واستهدفت مواقع على الحدود العراقية.

لم تكن جامعة الدول العربية قادرة على منع الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في العراق عام 2003 أو حتى تحديه وضاعت العراق أمام أعينها.

غابت الجامعة عن السودان ولم تبذل أي جهد جاد لوقف تصاعد الأزمة السودانية والانقسام النهائي لدولة عربية إلى دولتين متنافستين.

قائمة تغيب المجلس عن نقاط الأزمات التي تؤثر على أعضائها طويلة: المذابح الوحشية التي ارتكبتها القوات الروسية في سوريا، على سبيل المثال، وسياسة الأرض المحروقة التي تنتهجها موسكو.

غزو التحالف لليمن الذي دمر البلد وخلق “أسوأ كارثة إنسانية” في العالم بقيادة السعودية والإمارات، وكلاهما يقود جامعة الدول العربية (لذلك ليس هناك داع للمفاجأة)؛ والحصار المفروض على قطر من قبل الدول الأعضاء في الجامعة بقيادة السعودية والإمارات مرة أخرى.

إن ما يحدث في اليمن وقطر يجعل من ادعاء الجامعة بأن وجودها لغرض “تحسين التنسيق بين أعضائها في الأمور ذات الاهتمام المشترك” ونبذ مؤسسيها للعنف كوسيلة لتسوية الخلافات بين الأعضاء اضحوكة ليس إلا.

في حين أن جامعة الدول العربية سعيدة بالسماح للإمارات والبحرين بتطبيع العلاقات مع إسرائيل دون عقوبات أو حتى إدانة، فإنها تتجاهل حقيقة أن السعودية والإمارات قدمتا بغزو دولة عضو وتحاصر دولة أخرى.

في الواقع، لم تُعرف جامعة الدول العربية أبداً بمواقفها الفاعلة في أي قضية عربية, ولم تحل قط أي نزاعات بين الدول العربية، بل كانت تميل بدلاً من ذلك إلى تصعيد الأمور.

الحصار المفروض على قطر منذ عام 2017 مثال صارخ, حيث تبنت سياسات الحلف الذي يسيطر عليها لاسيما حلف الثورة المضادة بقيادة السعودية والإمارات.

لديهم الثروة للسيطرة على المجلس وعملية صنع القرار فيه, لقد تغيرت المعايير وانحرف التركيز عن الثوابت والمبادئ التاريخية للجامعة العربية, وحُذف مصطلح “العدو الصهيوني” من قاموسه، فلا يوجد أي إدانة للهجمات الإسرائيلية.

على الرغم من عدم الفعالية وعدم الكفاءة، تظل الجامعة من الناحية النظرية مكاناً لتوحد الدول العربية وتعبيراً حياً عن الضمير العربي.

كانت القضية الفلسطينية في يوم من الأيام أقوى ركائزها وسبب بقائها على قيد الحياة لسنوات عديدة قبل أن يغتالها الصهاينة العرب الذين سيطروا عليها وهي اليوم رمز للانحطاط العربي ويجب إعادة تسميتها بالجامعة الإسرائيلية.

لم تكن الجامعة العربية يوماً مع الشعوب العربية، بل كانت مع الأنظمة التي تحكمهم, تم تأسيسها بعد عامين من إبلاغ وزير الخارجية البريطاني أنطوني إيدن مجلس العموم في فبراير 1943 أن الحكومة “تبدي اهتماماً متعاطفاً بجميع الأعمال التي تتم بين العرب والتي تهدف إلى تحقيق وحدتهم الاقتصادية والثقافية والسياسية”.

سعى خطاب سابق إلى إبقاء الحكومات العربية في صف بريطانيا خلال الحرب العالمية الثانية من خلال تقديم الدعم لتقوية روابطها الثقافية والاقتصادية والسياسية.

كما كان تكتيك بريطانيا لعدة قرون، تم تطبيق فرق تسعى مع استمالة الغرائز العرقية بدلاً من الغرائز الدينية للعرب، مما أدى إلى تفتيت الأمة الإسلامية.

تبخرت الوعود بالاستقلال الكامل والحق في تقرير المصير بمجرد الانتصار في الحرب.

اختلف هذا “التعاطف” من إيدن مع سلفه آرثر بلفور لكنهما حققا نفس الهدف, حيث ساعد بلفور في تأسيس وطن لليهود في فلسطين، بينما ساعد أيدن في فصل العرب عن هويتهم الإسلامية.

وهكذا ضاعت القضية الفلسطينية على الفور تقريباً لأنها ليست قضية عربية فقط بسبب المقدسات الإسلامية في فلسطين المحتلة، وفي مقدمتها المسجد الأقصى لما لها من أهمية كبيرة للمسلمين في جميع أنحاء العالم.

أساس كل هذا بالطبع هو حقيقة أن إسرائيل قد تم إنشاؤها لخدمة المصالح الغربية, وكانت هذه الدولة الفاسدة التي حُشرت في جسد العالم الإسلامي لتحميه الدول العربية التي تم انتزاعها من خلفيتها الإسلامية، كما تم إنشاؤها وتطويرها لخدمة الغرب الصليبي, وفي المقابل، وعد الأخير بالحفاظ على عروش العائلات الحاكمة.

يستفيد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من البذور التي زرعتها بريطانيا كل تلك السنوات.

شوهدت الإمارات والبحرين تتبعان أوامره وتطبيعهما مع الاحتلال الصهيوني في الوقت الذي حدده قبل الانتخابات الرئاسية، ليحصل على أصوات الصهاينة اليمينيين الذين يشكلون غالبية المؤيدين من اللوبي الإسرائيلي في أمريكا.

وبالنظر إلى كيفية عمل البريطانيين ومقارنتهم بترامب، نرى أنه أكثر شفافية في ما يقوله ويفعله، وأن هذا يفضح الدول العربية الصهيونية على حقيقتها.

في غضون ذلك، تواصل بريطانيا العمل بشكل أكثر دهاءً متخفية وراء الكلمات الدبلوماسية حتى لا يتم كشف عملائها بشكل واضح، فيما يفتقر ترامب إلى هذه المهارات الدبلوماسية، مما يميزه عن رؤساء الولايات المتحدة الآخرين ويكشف عن أصدقائه وأعدائه على حد سواء.

ما تراه هو ما تحصل عليه، ويحرص ترامب من أننا نرى كل شيء, بعد إزالة كل الستائر والأقنعة، أدرك هؤلاء الصهاينة العرب الآن أن حماية عروشهم لن تحقق دون ثمن يدفعونه.

أخبر ترامب هذا الأمر للملك السعودي سلمان عدة مرات, وعندما قال ترامب لوزير خارجية البحرين (واخطأ في اسمه مرتين) أن يرحب بالملك والعائلة المالكة دون أن يذكر الناس، كانت هذه طريقته في إرسال رسالة مفادها أن الولايات المتحدة تحميهم من شعبهم وأن هناك فاتورة يجب أن تدفع.

الشيء الوحيد الذي تشترك فيه الحكومتان البريطانية والأمريكية هو الازدراء العميق الذي يمسكونه على حكام العرب, حيث يتم دعم هذه الحكومات لخدمة غرض ما، وسيتم إسقاطها في اللحظة التي لم تعد مفيدة فيها والأنظمة المخزية التي أشرفت على الطقوس الأخيرة لجامعة الدول العربية ستفعل الشيء ذاته عندما يتخلص منها الغرب ويستعيد الشعب العربي حماسه الثوري ويتحرر من الاحتلالين اللذين يضطهدانه: الأنظمة الاستبدادية المحتلة( حكوماتهم) والاحتلال الصهيوني الذي يسرق الأراضي العربية الفلسطينية.

* المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.