بقلم: د/أميرة ابو الفتوح

(موقع صحيفة “ميدل إيست مينتور” البريطانية- ترجمة: نجاة نور، الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”)

لم أكن أتوقع ردا شجاعا من ما يسمى بالجامعة العربية على اتفاق التطبيع الإماراتي الإسرائيلي، لأن الموتى لا يستطيعون الكلام، والجامعة العربية ماتت ودفنت أساساً بعد رفض مشروع القرار الفلسطيني لإدانة الصفقة وقد فعلت ذلك على الرغم من أن هذا التطبيع هو خروج عن قرارات القمتين العربية والإسلامية ومبادرة السلام التي تبنتها المنظمة نفسها في قمة بيروت 2020.

كتبت عصبة العار نعيها في شكل بيان غامض حاولت فيه حفظ ماء الوجه والادعاء بأنها ملتزمة بمبادرة السلام العربية التي تربط التطبيع مع إسرائيل بالإنهاء الكامل لاحتلال الدولة الصهيونية والالتزام بحل الدولتين ومبدأ الأرض مقابل السلام.

لم يأت على ذكر الذين طبعوا قبل انتهاء الاحتلال، مما يجعل ذلك الهراء حتى الطفل لن يصدقه ويقلل من شأن الجماهير العربية التي ترفض التطبيع بمحاولة استرضائها ببيان لا معنى له.

شجع ذلك البحرين على السير على خطى الإمارات وإعلان تطبيعها للعلاقات مع إسرائيل وإقامة علاقات دبلوماسية كاملة وفتح سفارات.

إنه لمن الغباء أن نعتقد أن عصبة العار ستدين الإمارات, وكيف يمكن أن تفعل ذلك والإمارات والسعودية تسيطران على التنظيم وتغرمان بعمق مع إسرائيل؟

لا شك أن الرياض ستعلن خطوبتها في القريب العاجل، لكنها اختارت في هذه الأثناء النوم في السرير الإسرائيلي خلف الستائر المغلقة لإخفاء فعلها القذر.

لقد باعت فلسطين بالفعل وحتى الأمة العربية كلها وتراثها الإسلامي لمجرد أن تنال شهرة في تل أبيب وواشنطن.

بعد خمس سنوات من الانقلاب الذي أنهى الثورة في مصر، احتفلت إسرائيل بما يسمى بعيد الاستقلال – ذكرى احتلالها لفلسطين – في فندق على بعد أمتار قليلة من مقر جامعة الدول العربية المطل مباشرة على ميدان التحرير، رمز ثورة يناير, ولسوء الحظ حضره شخصيات سياسية ودبلوماسية وثقافية وإعلامية ورجال أعمال.

لا شك أنه حدثت تغيرات كبيرة في السنوات الأخيرة منذ إجهاض ثورات الربيع العربي، مع ظهور المحور العربي الصهيوني بغطاء أمريكي، تمثله السعودية والإمارات، وكذلك من يتبعهم.

إنهم يضعون الأجندة السياسية العربية الحالية في ظل غياب أي معارضة حقيقية تتمسك بالثوابت العربية.

باقي الحكومات العربية التي كان من المفترض أن تشكل محور معارضة منشغلة بالصراعات ضد شعوبها.

على هذا النحو، لا ينبغي أن نتفاجأ كثيراً عندما تمزق عصبة العار بقيادة المحور الإماراتي مبادرة السلام العربية وتعلن التطبيع العام مع الاحتلال الإسرائيلي.

لا يمكننا استبعاد هذا, لم يعد المحور المهيمن الذي يقود جامعة الدول العربية ينظر إلى إسرائيل على أنها عدو، كما اعتبرها جمال عبد الناصر في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي عندما كانت مصر تقود المنظمة وتصدر اللوائح الثلاثة: لا مصالحة ولا اعتراف ولا تفاوض.

لقد غير حلف الإمارات بوصلة جامعة الدول العربية, ولم يعد يشير إلى العدو التاريخي للأمة الذي أصبح صديقاً وحليفاً, بل إلى تركيا التي أصبحت العدو الذي يجب محاربته في كل مكان وبينما رفضت جامعة الدول العربية مشروع القرار الفلسطيني، قررت تشكيل لجنة فرعية دائمة لمراقبة “العدوان” التركي, وتم تكليفه بتقديم تقرير عن هذا الأمر في كل اجتماع لاحق.

في غضون ذلك، يتنافس وزراء خارجية هذا الحلف لمهاجمة تركيا والمبالغة في تهديدها لما يسمى بالأمن القومي العربي.

أول عمل في “مهرجان الفزاعة التركي” وزير الخارجية الإماراتي أنور قرقاش الذي اتهم تركيا بتهديد أمن وسلامة حركة الملاحة البحرية في البحر الأبيض المتوسط بانتهاكها الصارخ لقوانين ومواثيق الدول المعنية وانتهاك سيادتها, كما اتهم تركيا بالتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية.

وجاء بعد ذلك وزير الخارجية المصري، سامح شكري، الذي قال: أن ممارسات تركيا وتدخلاتها في الشؤون الداخلية لدول عربية متعددة, تشكل تهديدات للأمن القومي العربي … ولن تقف مصر مكتوفة الأيدي في وجه الأطماع التركية التي تتجلى في شمال العراق وسوريا وليبيا على وجه الخصوص.

وهذا يؤكد ما قلته من قبل: التطبيع الإماراتي الإسرائيلي ليس سوى تحالف استراتيجي، ونواة تحالف أكبر يضم العديد من الدول العربية، لتشكيل “الناتو العربي الصهيوني” بغطاء أمريكي – أوروبي موجه ضد تركيا.

في الواقع، إنه إعلان غير صريح للحرب على تركيا، التي وجدت نفسها في معارضة إلزامية لكل منهم؛ ذنبها الوحيد أنها دولة مستقلة ذات سيادة تملك قراراتها، على عكس الدول العربية التي تخضع للقوى الصهيونية.

تمتلك تركيا جيشاً قوياً يتمتع بالاكتفاء الذاتي من الأسلحة والذخائر؛ كما تمكنت من بناء اقتصاد قوي؛ ويعتمد على نفسه في التكنولوجيا الحديثة لتعظيم فوائد اكتشاف الغاز الطبيعي في البحر الأسود.

في غضون ذلك، تعتمد الدول العربية على الشركات الأمريكية والبريطانية والكندية والإيطالية، ولا تحصل إلا على الفتات من أسيادها في الوقت الذي يتم فيه استغلال حقول الغاز العربية.

يمكن وضع “جريمة” تركيا الكبرى بحزم على باب الرئيس رجب طيب أردوغان شخصياً:

الحقيقة البسيطة هي أن الجماهير العربية تنظر إلى تركيا على أنها أملهم في استعادة الأمة الإسلامية، ونموذجاً يتم اعتماده.

يحب الناس أردوغان بقدر ما يكرهون قادتهم لأنهم يرونه قائداً قوياً أعاد بعضاً من كرامة الأمة.

وبالنسبة لسفير الإمارات في واشنطن، فهذه خطيئة لا تغتفر, حيث وقد عبر يوسف العتيبة عن ذلك في مقالته الأخيرة في “ايديعوت أحرانوت” باللغة العبرية الإسرائيلية, إذ أشار إلى ضرورة الوقوف ضد ما أسماه “التوسع الإسلامي”.

كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو محقاً عندما قال: “هناك شيء كبير جداً يحدث, تحول إسرائيل في أذهان الكثيرين في الشرق الأوسط, لم يعد يُنظر إليها على أنها عدو, لقد أصبحنا حليفا لا غنى عنه ضد عدو الإسلام المتشدد.

أن المشكلة الوحيدة تكمن في من نسميهم الدول العربية المستقلة, لقد أعطت الحكومات العربية الصهيونية للإسرائيليين أكثر مما يمكن أن يحلموا به، ولكن لحسن الحظ، فإن الدول العربية الحرة تقف كجدار ضد أحلامهم المحرمة, وسوف تحول هذه الاحلام إلى كوابيس تطاردهم، إذ لا يزال لدى الجماهير العربية قلب ينبض ورجال أقوياء لمقاومة هذا الاحتلال الغاصب وتحرير فلسطين.

تخشى إسرائيل هؤلاء الرجال الأقوياء، ليس فقط في غزة والقدس، ولكن في جميع أنحاء العالم العربي.

لهذا حاربت ثورات الربيع العربي واستخدمت دولة المؤامرة الإماراتية قاعدة لها للسيطرة على الثورة المضادة بتمويل من السعوديين والإماراتيين أنفسهم.

عندما اندلعت ثورة 25 يناير في مصر وعادت السيادة إلى أيدي الشعب وحوصرت السفارة الإسرائيلية في القاهرة وخفض علمها واضطروا للإغلاق, كان على موظفيها مغادرة البلد.

صعد شاب إلى الطابق التاسع عشر من البرج المطل على نهر النيل حيث تقع السفارة، ورفع العلم الإسرائيلي وسط هتاف وتصفيق من الحشد المتجمهر أدناه.

أذهل هذا العالم وأثار قلق الإسرائيليين, حصل الشاب على شقة للزواج والاستقرار من قبل حاكم مدينته.

في غضون ذلك، تم اعتقال الشاب الذي رفع العلم الفلسطيني في استاد القاهرة خلال مباراة كرة القدم بين مصر وجنوب إفريقيا العام الماضي.

* المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.