التجارة الصهيو -أمريكية بالدين ودور الوكالة اليهودية في الإمارات
إيهاب شوقي*
يغفل الكثيرون المنطق الديني في الصراعات، وخاصة الصراع مع الصهاينة، رغم ان الصهيونية قامت على مغالطة دينية كبرى ولا تزال تستخدم الدين وتتاجر به. ولا شك أن تسمية اتفاق العار مع الامارات والبحرين، يعكس هذا الجانب، حيث أطلق على الاتفاقية “ابراهام” في اشارة لا تخفى على أحد أنها توراتية حيث الوعد بأرض الميعاد كان للنبي ابراهيم (ع) وفقًا لتفسيرات التلمود والذي صرح نتنياهو منذ أعوام قليلة بأنه سيعتمده مرجعية لقانون الدولة الصهيونية!
تطور منطق الصراع العربي – الصهيوني من صراع وجودي الى نزاع فلسطيني – اسرائيلي ينحاز فيه العرب والمسلمون الى جانب الفلسطينيين في المحافل الدولية بدرجات متفاوتة أقلها انحيازاً سياسياً، الى اعترف وتطبيع وانحياز فاضح الى الصهاينة من قبل شرذمة خليجية اختطفت العمل العربي وتصدرته رغم معارضة باقي الدول العربية والتي تشكل دولًا كبرى ينطبق عليها مصطلح الدول، مثل الجزائر وسوريا.
وما نناقشه هنا، هو توقع الخطوات القادمة بناء على المنطق الامريكي والاسرائيلي، من جهة، وبناء على التحالف المخزي مع الامارات تحديدا.
أولا: المنطق الامريكي والاسرائيلي
مع اعتماد خيار الاستسلام رسميًا، تحولت الممارسات الامريكية والاسرائيلية الى التعالي والاستكبار ورفض القانون الدولي واختراقه علنا بفرض تصفيات للقضية من جانب واحد.
وربما كانت “اسرائيل” سباقة في هذا الخرق بصفتها الابن المدلل للقوى العظمى، فكانت ترفض، تذرعا بمنطلق عقائدى، تطبيق ميثاق جنيف على الاراضى المحتلة، أو الالتزام به في التعامل مع الفلسطينيين باعتبار أن هذه الاراضى ليست محتلة وانما محررة، كما أنها تفعل بـ (قانون العودة) الذي يمنح لكل يهودي حق الهجرة الى (اسرائيل) والحصول على الجنسية فى حين لا يسمح للاجئين العرب المولودين فى البلد بالعودة الى ديارهم، اعتمادا على القومية اليهودية وحق أي يهودي في العيش في (ارض الميعاد)!
كما تصاعد الحشد الديني حتى وصل بناء (الهيكل) الى مراحل متقدمة من الاستعدادات والتي تصاعدت معها التهديدات للمسجد الاقصى، وصولا الى الاتفاق (ابراهام) باعتباره الوعد الالهي الذي لا رجعة عنه!
وقد وردت الاشارة الى الوعد فى التوراة، سفر التكوين، الاصحاح الخامس عشر الآية 18 (في ذلك اليوم قطع الرب مع ابرام ميثاقا قائلا: لنسلك أعطي هذه الأرض من نهر مصر الى النهر الكبير نهر الفرات).
ولسنا هنا بصدد مناقشة المغالطات اليهودية، وما يؤمن به اليهود الارثوذكس ونواطير المدينة (ناطوري كارتا) من ان العلاقة بالقدس وارض الميعاد علاقة روحية عاطفية، وان الوجود بفلسطين لن يكون الا مع (الماشيح المخلص)، ولكننا هنا نتحدث عن التجارة الصهيونية بالدين.
ثانيا: دور الامارات المتوقع في الخطوة الصهيو – امريكية القادمة
اختيار الامارات لم يكن عشوائيا في هذه المرحلة، وهو ما يؤكده اعلان الوكالة اليهودية أنّها ستُباشر أعمالها من مكتبها الذي ستفتتحه في دويلة الإمارات في ابو ظبي ليكون هذا المكتب منبراً للصهاينة في المنطقة العربية.
ولنتعرف سريعا على الدور المنوط بالوكالة، ففي السنوات التي سبقت تأسيس الكيان الإسرائيلي وبعدها؛ أشرفت على إنشاء أكثر من 1000 مُستوطنة في فلسطين التي كانت تحت الانتداب البريطاني، كما لعبت الوكالة دوراً مركزياً في تأسيس الكيان الإسرائيلي ونشأته، كما أنّ ديفيد بن غوريون شغل منصب رئيس لجنتها التنفيذية منذ عام 1935، وبصفته هذه أعلن في 14 أيار 1948 إنشاء الكيان الإسرائيلي، ليُصبح بعدها أول رئيس وزراء للكيان.
يقول رئيس الوكالة اليهودية إسحاق هرتسوغ إنّ الوكالة ستستثمر في التعليم اليهودي في الإمارات، كبداية للعلاقات الخليجية مع الكيان الإسرائيلي.
واختبار ابو ظبي تحديدا لا يخلو من دلالات، فمن المعلوم ان أبو ظبي تمثل السلطة السياسية والعسكرية، “اسبارطا الصغرى” كما يطلق عليها الخبراء، بينما تمثل دبي سلطة الاستثمارات والأعمال التجارية.
ولان المطلوب من الوكالة ان تبحث عن منبر، فقد تلاقت مع سياسة الإمارات في الاستحواذ على وسائل الإعلام العربية والغربية الممتدة في أكثر من اتجاه، فقد عمدت الحكومة الإماراتية إلى شراء صحيفة العرب اللندنية التي كان يمولها الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي وموقع ميدل إيست أونلاين وغيرهما من المواقع والصحف الإلكترونية.
كما نشرت وسائل الاعلام مؤخرا، قائمة بوسائل الإعلام التي تملكها الإمارات ممثلة بمنصور بن زايد وهي كل من قناة الغد العربي، وقناة سكاي نيوز عربية، وقناة الحياة، إضافةً إلى أن شركة أبو ظبي للاستثمار الإعلامي مملوكة لمنصور بن زايد شقيق حاكم الإمارات، وتستحوذ هذه الشركة على أكثر من 25 علامة تجارية إعلامية بملكيتها وتشغيلها في قطاعات القنوات الفضائية والراديو والنشر والإعلام الرقمي إضافة إلى عقدها شراكات كبرى وواسعة مع شركات الإنتاج الإعلامي حول العالم، مثل شركة “ڤيڤو” لخدمة الموسيقى والفيديو والترفيه، ومجموعة “يونيفرسال ميوزيك” وشركة “سوني ميوزيك إنترتينمنت”، إضافة إلى شراكتها مع شركة “إيمج نيشن أبوظبي”، و”هيئة التطوير الإعلامي السنغافورية”، وغيرها.
وقد افادت التقارير بأنه من المُتوقع أنّ تُموّل الوكالة كُتّاباً وصحفيين لكتابة مقالات صحفيّة من شأنها تحويل الرأي العام العربي والإسلامي عن قضية فلسطين باتجاهات أخرى، وتصوير الصهاينة على أنّهم حمائم سلام، وهو الأمر الذي اتبعته الوكالة في ثلاثينيات القرن الماضي، حيث قام “مبعوثو” الوكالة بتزويد الصحف ووكالات الأنباء بمواد صحفية دعائيّة تُروج للصهيونية لنشرها وتوزيعها خاصة على الصحف الصادرة في البلاد العربية.
هذا هو المأمول صهيو – امريكيا، وهي الخطوات المتوقعة وخاصة بعد الانضمام المتوقع لدول (عربية) اخرى، وهو ما يجب مواجهته جنبا الى جنب مع مواجهة التدابير العسكرية المترتبة على الاتفاقيات، ولتكن المواجهة شاملة لمجال الوعي كما هو مجال المقاومة المسلحة.
* المصدر : موقع العهد الإخباري
* المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع