في ظِل حالة الذّعر التي تعيشها المؤسّسة العسكريّة الإسرائيليّة هذه الأيّام انتظارًا لانتِقام “حزب الله” لاستِشهاد أحد رجالاته في غارةٍ استهدفت غلاف مطار دمشق الدولي، تتزايد التّسريبات لتقاريرٍ إخباريّة تتحدّث عن “بُطولات” جِهاز “الموساد” الإسرائيلي، وتنفيذه عمليّات اغتِيال في حقّ قِيادات بارزة للمُقاومة الإسلاميّة في لبنان، مِثل الشّهيد عماد مغنية، قائد الجناح العسكريّ لحزب الله في شباط (فبراير) عام 2008.

قبل بِضعَة أيّام تحدّثت الصّحافة الإسرائيليّة نقلًا عن أحد الجِنرالات السّابقين، عن وجود خطط “مُؤجّلة” لاغتيال السيّد حسن نصرالله، زعيم الحزب، وسيتم التّنفيذ في “الوقت المُناسب”، وجرى تسريب أنباء عن خطط إيرانيّة لاغتِيال السّفير الأمريكيّ في جنوب إفريقيا قبل أسبوع، واليوم يتم الكشف عن تفاصيل خطّة مزعومة لاغتِيال الشّهيد مغنية ورفيقه الشهيد قاسم سليماني الذي كان يتواجد معه ساعة تنفيذ عمليّة الاغتيال التي استهدفت الأوّل في دمشق من خلال زرع قنبلة في مِقعد سيّارته ذات الدّفع الرّباعي، ولكنّ الرئيس الأمريكيّ جورج بوش تدخّل وأعطى الضّوء الأخضر لاغتِيال الأوّل (مغنية) ومنَع اغتِيال الثّاني سليماني.

المثل يقول “كيف عرفت أنّها أُكذوبة فيأتي الرّد مِن كُبرها”، ويُمكن رصد نقاط ضعف هذه الرّاوية التي وردت على لِسان أحد قادة جهاز “الموساد” المُتقاعدين كالتّالي:

الأوّل: الشّهيد عماد مغنية لم يتم اغتياله فقط بسبب دوره في تفجير السّفينة الحربيّة الأمريكيّة في مرفأ بيروت عام 1982 (قتل 240 من جنود المارينز)، وكذلك وقوفه خلف تفجير السّفارة الإسرائيليّة ومركز الجالية اليهوديّة في بوينس آيريس (الأرجنتين) حيث جرى تدمير السّفارة بالكامل ومقتل حواليّ 300 شخص، وإنّما أيضًا بسبب تخطيطه لاختِطاف جنديين إسرائيليين قُرب الحُدود اللبنانيّة، وقِيادته للجناح العسكريّ للحزب أثناء حرب عام 2006 التي استمرّت 34 يومًا انهزم فيها الجيش الإسرائيلي هزيمةً مُذِلَّةً ومُهينةً.

الثّاني: الحاج قاسم سليماني، مثلما كان يُخاطَب في حينها، لم يَكُن معروفًا بالشّكل الذي كان عليه حين تمّ اغتياله قُرب مطار بغداد في كانون أوّل (يناير) الماضي، والقول بأنّ الرئيس بوش رفض اغتِياله بالتّالي عمليّة مُلفّقة ومُفبركة، فلماذا يرفض هذا الاغتِيال؟

الثّالث: القول بأنّ عمليّة اغتيال الشهيد مغنية مُشتركة لكُل من المُخابرات المركزيّة الأمريكيّة وجهاز “الموساد”، مُحاولةٌ لـ”تعظيم” هذه العمليّة، وإضفاء الكثير من التّوابل لجعلها أكثر إثارةً، فالرّجل، أيّ مغنية، كان يتحرّك علانيّةً في دمشق ويقود سيّارته بنفسه، وبالحدّ الأدنى من الحِراسة، أيّ أنّ الأمر لا يحتاج إلى عمليّةٍ مُشتركةٍ تُشارك فيها مُخابرات الدّولة الأعظَم في العالم.

الإسرائيليّون الذين يُسرّبون مِثل هذه الرّوايات، وفي هذا التّوقيت، يفعلون ذلك في إطار الحرب النفسيّة، وفي مُحاولةٍ لرفع المعنويّات المُنهارة لجُنودهم، حيث يعيش أكثر من 30 ألفًا منهم في حالة طوارئ قُصوى قُرب الحُدود اللبنانيّة انتِظارًا لانتِقام “حزب الله” لشهيده، حسب آراء مُعظم الخُبراء العسكريين.

ربّما يكون الإسرائيليّون حقّقوا نجاحًا باغتِيال الشّهيد مغنية، والأمريكيّون باغتِيال الشّهيد سليماني ورفيقه أبو مهدي المهندس مطلع هذا العام بطائرةٍ “مُسيّرة” قُرب مطار بغداد، ولكن العمليّات الثأريّة التي استهدفتهما كردٍّ على ذلك جاءت ضخمةً جدًّا بكُل المقاييس، أبرزها طرد مُعظم القوّات الأمريكيّة من العِراق، وقصف قاعدة عين الأسد غرب العِراق، وأُخرى في كركوك، والسيّد علي خامنئي المُرشد الأعلى للثّورة الإيرانيّة أكّد أنّ الرّد الأعظَم قادم.

إنّها مُؤشّرات وتَسريبات تَعكِس أجواء الحرب، وربّما وجود “خطّة ما” لهُجومٍ على إيران أو حزب الله في لبنان، أو الاثنين معًا، في مُقامرةٍ أخيرةٍ لإنقاذ الرئيس ترامب وتابِعه نِتنياهو من السّقوط، ومُغادرة موقعيهما إلى السّجن.. واللُه أعلم.

* المصدر : إفتتاحية “رأي اليوم”
* المادة تم نقلها حرفيا من المصدر وبالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع