إستراتيجية الصين نحو الزعامة العالمية
السياسية – متابعات :
سركيس أبو زيد*
طريق الصين الى القطبية العالمية تمر عبر نماذج جديدة متنوعة مبتكرة الى حد التناقض في العلاقات الدولية. سنستعرض هنا مواقفها المتباينة في التبادل مع الولايات المتحدة والهند وايران:
الصين – أميركا: حرب باردة جديدة
الصعود الصیني یشكل مصدر قلق لدى صناع القرار في الولایات المتحدة. لذا، دقت الإدارة الأمیركیة جرس الإنذار. وللمرة الأولى یلجأ مسؤولون فیھا إلى استخدام قاموس الحرب الباردة. تھاجم الإدارة الأمیركیة السیاسة الصینیة في مجالات عدة: الخلل في میزان التبادل التجاري والتعریفات الجمركیة، وانتھاك الملكیة الفكریة، والتكتم في ملف “كورونا”، والسعي إلى إخضاع ھونغ كونغ والھیمنة في بحر الصین الجنوبي، والتقدم التكنولوجي لشركة “ھواوي” التي تصب في خدمة “آلة تسلط شمولیة” ھي الحزب الشیوعي الصیني (یصل عدد أعضائه إلى تسعین ملیون شخص)… لكن ما یقلق صناع السیاسة في واشنطن ھو خوفھم من أن یكونوا قد تأخروا في التنبّه إلى الخطر الصیني. ویقفون حائرین أمام النموذج الصیني الذي قدم دلیلا على قدرته على صناعة التقدم الاقتصادي من دون اعتناق قیم الدیمقراطیة أو الحریة كما یفھمھا الغرب، وتمكنه من تحسین شروط حیاة مئات الملایین من الصینیین من دون أن یتظاھروا مطالبین بتعددیة حزبیة وانتخابات شفافة.
القلق الأمیركي ترجمه وزیر الخارجیة الأمیركي مایك بومبیو الذي شن ھجوما على سیاسة الصین الحالیة ودورھا، وبعبارات بعیدة عن قفازات الدبلوماسیة. قال بومبیو: “إذا أردنا أن یكون القرن الـ 21 حرا ولیس القرن الصیني، فإن النموذج القدیم من التعاطي الأعمى مع الصین لا یجب أن نعود إلیه”. ويتابع بومبیو إن “الصین ھي الیوم دولة استبدادیة أكثر فأكثر في الداخل، وأكثر عدوانیة في كل مكان آخر”، ويختم: “إذا لم یغیّر العالم الحر الصین الشیوعیة، فإن الصین الشیوعیة ستغیّرنا”.
الصین ـ الھند: صراع مستقبلي وإرث التاریخ
تسود حالة غلیان علاقات الھند مع جارتھا الصین، جراء التوترات المستمرة على الحدود بین البلدین بطول “خط السیطرة الفعلیة” شرق إقلیم لاداخ الذي یتمیّز بأھمیة استراتیجیة للصین لربطه بین إقلیمي التیبت وسنكیانغ – ویغور، المتمتعین بالاستقلال الذاتي، ولوفرة الموارد الاستراتیجیة فیھما، حیث توجد ثروة ضخمة من النفط والغاز في أرض سنكیانغ وموارد مائیة في التیبت، ومن شأن السیطرة على النقاط الاستراتیجیة في شرقي لاداخ أن یسھّل على حكومة بكین إحكام قبضتھا على ھذین الإقلیمین، بجانب تعزیز “طریق تجارة الحریر” القدیم. في خضم ھذه الحالة، تعكف سلطات نیودلھي على مراجعة سیاستھا تجاه الصین التي تحمل عنوان “سیاسة صین واحدة”، وتسعى نحو مھاجمة نقاط
الضعف الصینیة في تایوان وإقلیمي التیبت وسنكیانغ – ویغور في جنوب غربي الصین وغربھا، وفي مستعمرة ھونغ كونغ السابقة. وبالفعل، بدأت الھند خطوات سیاسة دبلوماسیة جدیدة كبرى ومھمة بعیدا عن سیاسة “صین واحدة” التي روجت لھا وأكدت علیھا بكین، شكلت تحولا لافتا عن السیاسة التي لطالما اتبعتھا التي تُعرف بنفورھا من خوض المخاطرات، وتشتھر بدبلوماسیتھا الناعمة:
* عیّنت في الفترة الأخیرة دبلوماسیا رفیع المستوى مبعوثا لھا لدى تایوان التي تعتبر نفسھا مستقلة في حین تصر الصین على أنھا جزء من أراضي الصین الواحدة. كما دعمت انضمام تایوان إلى “منظمة الصحة العالمیة” بصفة مراقب.
* اللعب ببطاقة التیبت التي تتسم بحساسیة بالغة، والتي تشكل للھند في مواجھة الصین ما تشكله باكستان للصین في مواجھة الھند. فقد تعالت أصوات في الھند داعیة الحكومة الھندیة الى مراجعة سیاستھا تجاه التیبت والإعلان رسمیا أنھا أرض محتلة، وتقدیم الدعم لقضیة استقلال إقلیم التیبت عن الصین.
* أطلقت حملة دبلوماسیة ضد الصین من خلال التعبیر عن مخاوفھا بخصوص تداعیات قانون الأمن الوطني الجدید الذي مررته بكین على ھونغ كونغ. وأثار سفیرھا لدى الأمم المتحدة قضیة قانون الأمن الوطني الجدید في الصین وتأثیره على ھونغ كونغ، وكیف أنه یحد من حریة التعبیر. وجاء البیان الھندي أمام الأمم المتحدة لافتا لكونه یمثل المرة الأولى التي تثیر الھند فيها قضیة ھونغ كونغ، خاصة في خضم التظاھرات الضخمة المستمرة ضد الصین على الصعید الدولي.
الصین ـ إیران: مصیر العلاقات مستقبلا
سربت مؤخرا مسودة لاتفاقیة شراكة بین بكین وطھران حملت مؤشرات مھمة عن مصیر العلاقات الصینیة ـ الإیرانیة مستقبلا، ما أثار القلق في واشنطن وأجج المخاوف من احتمال أن ترسخ السیاسة الخارجیة الأمیركیة الصارمة تحالفا خطیرا بین قوتین بارزتین ومعادیتین للولایات المتحدة في شرق آسیا والشرق الأوسط. وتحدد ھذه الاتفاقیة إطار عمل یسمح بزیادة الاستثمارات الصینیة في إیران (تصل قیمتھا الى 400 ملیار دولار على امتداد 25 سنة) وتكثیف التعاون الاستراتیجي بین الطرفین وضم إیران إلى “مبادرة الحزام والطریق” الصینیة. التوقیع على ھذه الاتفاقیة وتنفیذھا، یعني تنامي الاستثمارات الصینیة في الشرق الأوسط، وتقویة تحالف الدول المعادیة للولایات المتحدة. ولكن الصین ستجد صعوبة في الالتزام بوعودھا الاستثماریة الضخمة، لأن العقوبات الأمیركیة ستبقى رادعا كبیرا أمام الشركات الأجنبیة التي تسعى إلى دخول السوق الإیراني.
ستبقى المعارضة لأي شراكة صینیة ـ إیرانیة قویة في واشنطن بغض النظر عن ھویة المرشح الفائز في الانتخابات الرئاسیة الأمیركیة المقبلة، لأن مقاربة الأمن القومي تشمل التصدي لبكین ومتابعة الضغط على إیران إلى أن یصبح التفاوض على اتفاق نووي جدید ممكنا بشروط أكثر إیجابیة.
ترتكز مساعدة بكین لإیران على مبدأ المنافع الآنية. فقد كشفت تقاریر عن دور الصین في تطویر منشآت نوویة لصالح المملكة العربیة السعودیة، ولن تتخلى بكین عن النفط السعودي أو التجارة مع “إسرائیل” وتركیا.
باختصار: تعتمد الصين سياسات متعددة الأبعاد في علاقاتها مع الدول الصديقة والمنافسة لتشق طريقها الخاص نحو الزعامة العالمية.
* المصدر : موقع العهد الإخباري