السياسية :

الفاهم محمد كاتب وباحث

فيليب ميريو (1949) أحد أكبر المفكرين والخبراء في مجال البيداغوجيا وفلسفة التربية. تركزت أبحاثه بالمجمل حول السعي وراء تجديد التعليم، وإبراز دور مدرسة الغد، وتشريح الأزمة التي تعرفها التربية والتعليم في عصرنا هذا، وكذا ضرورة الانتقال من الطفل المستهلك إلى الطفل المواطن، إضافة إلى العديد من القضايا والإشكالات التي لها صلة بالموضوع. تقلد فيليب ميريو العديد من المناصب الأكاديمية، والمسؤوليات الثقافية والتربوية نذكر منها توليه: مديراً لمعهد علوم وممارسات التعليم في جامعة لوميير ليون. كما كان سنة 2006 هو الراعي الأساسي للمشروع الثقافي والتعليمي، لمدينة المعرفة خلال القرن الواحد والعشرين. وسبق له أن أشرف من سنة 2005 إلى 2009 على قناة تلفزيونية تعليمية، تعنى بكافة إشكالات التربية والتعليم. للباحث العديد من الكتب منها: “المدرسة أو الحرب المدنية” 1997، و”الآلة المدرسة” 2001، و”الكفايات في المدرسة، التعلم والتقويم” 2012، ثم “أن نتعلم نعم ولكن كيف؟” 2012. أما آخر كتاب له فقد صدر خلال شهر أغسطس (آب) الماضي وهو يحمل عنوان “ما يمكن للمدرسة أن تقوم به للديمقراطية” هذا إضافة إلى العديد من الإسهامات البحثية، في دوريات ومجلات تربوية متخصصة، دون أن ننسى المقالات والحوارات المنشورة على موقعه في الإنترنت.

أزمة التربية

يتساءل فيليب ميريو أي أطفال سنترك للعالم؟ إن مبرر هذا السؤال يكمن في الوضعية القيمية والتربوية، التي يعيشها أطفالنا في هذه الحضارة، فهم في الغالب لهم عالمهم الخاص، المنفصل تماماً عن عالمنا، فهم غارقون في الشبكة العنكبوتية، والصور الافتراضية، مدمنون ألعابهم الإلكترونية، أو محنطون أمام أجهزة التلفاز. إن الاندفاعات الحيوية والنزوات، التي كانت مجرد مرحلة عابرة في حياة الطفل، أصبحت اليوم هي المبدأ المنظم والدائم لشخصيته. وما يعزز هذه الظاهرة هو المجتمع نفسه، من خلال الحث على الاستهلاك والتبضع. لذلك يجد الأطفال أنفسهم منجرفين، وراء تأثيرات الموضة والصور النمطية التي يروج لها الإعلام، مما ينتج عنه في نهاية الأمر، صعوبة قيام عملية تعليمية سليمة وفعالة، وإثارة الانتباه والتركيز على التحصيل الدراسي.

وهذا معناه أنه إذا كانت سلطة المدرس، المعرفية والتربوية قد تراجعت، فإن هذا الأمر له علاقة، بتراجع كل أشكال السلط التقليدية داخل المجتمع. لذلك لا يمكن أن نفهم ما يدور في المدرسة، دون ربطه بما يحدث في المجتمع ككل. بمعنى أن الأزمة تتجاوز الإطار الضيق للمدرسة، لكي تصبح أزمة اجتماعية وحضارية. في نظر فيليب ميريو، شباب اليوم يعاني من الإحباط لأن المجتمع لا يحقق انتظاراته. كما يؤكد أن حل هذه الأزمة، لا يمكن أن يكون عن طريق المزيد من تعزيز السلطة، ولا أيضاً بسن إجراءات تقنية، تختزل أزمة التعليم فيما هو بيداغوجي محض. من الضروري إذن الانتقال من الطفل المستهلك إلى الطفل المواطن، وهذا الأمر سيتحقق من خلال تكوين مجموعات عمل، تسمح لكل فرد بالتواجد والتعبير عن ذاته، بدل النظر إليه كموضوع إغراء. ينبغي كذلك تطوير تعليم ممتع وفني، يراعي احتياجات الطفل، والانخراط في مشاريع خاصة بدل “المطالبة بكل شيء”.

التربية والديمقراطية

يطالب فيليب ميريو من المجتمع أن يكون متضامناً، يسمح لكل فرد بأن يعيش مواطنيته كاملة. هذا معناه أن الكاتب يحمل مفهوماً خاصاً عن الديمقراطية، يختلف عما هو معروف، حيث يقوم جوهرها على مبدأ سيادة رأي الأغلبية على الأقلية. بدل هذا الأمر يرى الكاتب أن الديمقراطية الحقيقة، يجب أن تقوم على ضرورة تحقيق توازن صعب بين المصلحة الفردية والمصلحة الجماعية. صحيح أنه ينبغي مراعاة الصالح العام، لكن هذا لا يعني السقوط في منطق إقصاء الأقلية، وخضوعها لسلطة الأغلبية. فمصلحة العيش المشترك، تتعارض مع مبدأ الخضوع والقوة المفروضة. إن هذا بالمجمل هو ما يميز عمل النظام الديمقراطي، الذي يقوم على نقاش مفتوح ودائم، وعلى غياب اليقينيات المطلقة.

ما علاقة هذا التصور للديمقراطية بالمسألة التعليمية؟

بالنسبة لفيليب ميريو هناك علاقة وطيدة بين الأمرين. ذلك أن المدرسة تعمل على تخريج أجيال من المتعلمين، تتفاوت في اختياراتها وانتماءاتها، وهذا هو ما يعكس صعوبة العيش المشترك. فالعلاقة إذن بين التعليم والحياة المجتمعية السليمة ديمقراطياً وطيدة الصلة. على المدرسة أن تراهن على تعليم شامل يحتوي جميع الفئات، وليس على تعليم نخبوي فئوي ينتصر فقط للقلة المحظوظة.

المصدر : الاندبندنت