“ذئاب أميركا” وتسليم مفاتيح الكعبة والقدس للصّهاينة
ما يهمّنا من إشعال ترامب الشرارة الأولى للحرب الأهلية في أميركا هو التنبيه إلى أن نزوعه السادي إلى الهدم يتمظهر أيضاً في سياسته الشرق الأوسطية.
حميد لشهب*
الذئاب الأميركيّة هي ذئاب آدميّة تزيد يومياً الزيت على نار العنصرية والكراهية في أميركا، وتقصي كلّ من لا يحمل بشرة بيضاء.
هي مجموعة مدجّجة بالسلاح لا يستهان بها، تجول وتصول في ربوع الولايات الأميركية، بهدف “حماية أميركا” من تظاهرات الشعب الأميركي ضد إدارة ترامب وسياسته العنصرية المتحيّزة، وهدفها الرئيس هو القضاء على حركة “حياة السود مهمة” (Black Lives Matter)، التي تعتبر بحقّ حالياً شوكة في عين ترامب الذي لا يوفر أيّ جهد للقضاء عليها، بل يؤيد علناً كل من يحاول ذلك.
لا يمكن للمتفرج على مقاطع الفيديو المختلفة للتظاهرات في أميركا أن لا يتعرف إلى هؤلاء الذئاب الجائعة إلى دم الأميركيين المعارضين لترامب، فطريقة حلق رؤوسهم، وأجسامهم التي تشبه رياضيي حمل الأثقال، ونار الكراهية التي تنبعث من عيونهم عندما تقف الكاميرات عليها، هي خاصيات خارجية للتعرف إليهم، وهم لا يخفون انتماءهم وأهدافهم، فغالباً ما يرتدون أقمصة صيف سوداء تحمل عبارة “الذئاب الأميركية” (American Wolf)، وفي يدهم رشاشات من نوع الكاليشنيكوف.
يسمي هؤلاء أنفسهم “الخيرين”، ويعتبرون أنهم “حركة سياسية من الوسط”. ما يجمعهم هو الدفاع عن ترامب، والإيمان بمواقفه السياسية، ورفض وسائل الإعلام التي تحرجه. وأكبر خطر يشكلونه على الشعب الأميركي هو جره إلى حرب أهلية حقيقية، وخصوصاً إذا لم يفز ترامب بولاية ثانية، كما يتمنّى، وهم لا يتورّعون عن القتل العمد للمتظاهرين، من دون سبب يذكر، اللهم إلا الرغبة في إسكات صوتهم، وإرغامهم على الإلتزام بالبقاء في بيوتهم، وقبول سياسة الأمر الواقع للإدارة الأميركية الحالية.
لا يقدمون أيّ جواب مقنع وواضح عندما يسألهم المرء عن أهدافهم السياسية، بل يكتفون ككلّ الرادكاليين اليمينيين بتكرار عبارة مستهلكة: “إنقاذ أميركا” من القوى الظلامية التي تحاول الإطاحة بالحكومة الحالية وتعويضها بالاشتراكية. والغريب في الأمر هو أنهم يستعملون سلاحاً روسي الصنع (الكالاشنيكوف Kalaschnikow) لتحقيق هذا الغرض، إلى درجة أنَّ الكالاشنيكوف أصبح نوعاً ما صنماً يعبدونه ويصلّون له ويثنون على مزاياه.
تضاف “الذئاب الأميركية” إلى مجموعات يمينيّة متطرّفة أخرى، مسلّحة بما فيه الكفاية، ومساهمة في الإرهاصات الأولى للحرب الأهلية الأميركية القادمة التي أصبحت معالمها أكثر وضوحاً من أي وقت مضى. لنتذكَّر المجموعة التي تسمّي نفسها “حماة كينوشا” (Kenosha Guard)، والتي نشطت في مدينة كينوشا في ولاية فيسكونسين (Wisconsin) بعد مقتل الأميركي الأسود جاكوب بلاك (Jacob Blake).
وثَّقت الكاميرات التدخّل السافر لأفراد هذه المجموعة في أمن المدينة، بل المذهل والمخيف كان عدد رجال الأمن الرسميين الذين صافحوهم، شاكرين إياهم على مساعدتهم لهم في محاولة إخماد نيران التظاهرات. وإذا ذكَّرنا بهذا الحدث، فلأننا نرى في الجريمة التي قام بها كيل ريتينهاوس (Kyle Rittenhouse) (17 سنة) – من أنصار ترامب – الذي قتل متظاهرين رمياً بالرصاص، الوجه الحقيقي للحرب الأهلية الأميركية التي تتهيّأ على نار مستعرة.
لقد اعتبرته المجموعة اليمينية المتطرفة، ومنها “الذئاب الأميركية”، بطلاً حقيقياً وشجاعاً ووطنياً غيوراً، وأثنت على فعلته الشنعاء، وإن كان في الحقيقة، وفقاً لكل المعايير القانونية والأخلاقية العالمية، مجرماً حقيقياً، بل إرهابياً خطيراً.
وقد قامت “الذئاب الأميركية” بجمع عشرة الآلاف من الدولارات لضمان الدفاع عنه، كما اعتبر ترامب نفسه فعلته أمراً جيداً، مؤكداً للعالم أنَّه لم يفعل أكثر من الدفاع عن نفسه، فقد كان من الممكن أن يقتلوه لو لم يطلق النار، وفقاً لترامب، وهذا هو بيت القصيد. هنا، يدخل الأخير تاريخ الحرب الأهلية الأميركية المعاصرة من بابها الواسع، وسيكتب تاريخ الولايات المتحدة الأميركية له هذا الدخول الشنيع بمداد من وحل.
في الواقع، إنَّ ما يهمّنا من إشعال ترامب الشرارة الأولى للحرب الأهلية في أميركا، هو التنبيه إلى أن نزوعه السادي إلى الهدم يتمظهر أيضاً في سياسته الشرق الأوسطية، فإرغامه الحكام العرب على أن يصبحوا “ذئاباً أميركية” شرق أوسطية، وتدجيجهم بالسّلاح بأثمان باهظة، تحسباً لانتفاضة شعوبهم عليهم، وتشجيع القادة العرب على ذبح أبناء شعبهم الرافضين لسياستهم الديكتاتورية في البحرين والسعودية والإمارات وقتلهم وسجنهم وتعذيبهم… ما هي إلا أمثلة على عطش ترامب وإدارته إلى الدم العربي المباح.
وأقصى ما وصل إليه ترامب هو تحريض الإمارات العربية الأميركية على معانقة “إسرائيل”، ومحاولة القضاء على إرادة الشعب الفلسطيني في تحرير أرضه كاملة. وإذا كان جلّ المحلّلين السياسيين ينتظرون مفعول كرة الثلج في تطبيع الخونة العرب مع “إسرائيل”، فإننا نرجّح أنَّ هذا لن يحدث في الشهور القادمة، كما يتكهَّن البعض، بل إن حراس صحاري الإمارات والممالك العربية سينتظرون إلى ما بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات الأميركية، فإما أنهم سيُعفون من مصافحة الصّهاينة إذا خرج ترامب من هذه الانتخابات خاسراً، وسارع إلى الإسراع في رمي المزيد من الحطب في ساحة الحرب الأهلية الأميركية، وإما أنهم سيسلّمون راكعين مفاتيح القدس ومكة والمدينة وكل الأماكن المقدسة عند المسلمين، لتعود “إسرائيل” إلى خيبر، وتتربّع على كرسي ريع الحج والعمرة، إذا استطاع ترامب الاحتفاظ بمقعده كرئيس في البيت الأبيض.
* المصدر : الميادين نت
* المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع