البروفيسور د. محمد علي الفرا

إنه مما يدعو إلى الأسى والألم ما نشاهده من فيديوهات ورسائل وفتاوي دينية يقحم بعض شيوخ الدين انفسهم في امور وقضايا سياسية معاصرة وبخاصة القضية الفلسطينية وعملية التطبيع مع الكيان الاسرائيلي والتسويق لها دينيا والقياس على ذلك بما حدث بين النبي صلى الله عليه وسلم ويهود المدينه وعقده المعاهدات معهم ولم يدركوا ان الخطأ الكبير الذي يقعون فيه ان المقارنة بين يهود المدينة في الجزيرة العربية وإسرائيل لا تنطبق على الاطلاق لعدة اسباب نجملها فيما يلي :

1- ان يهود الجزيرة كما سبق ان قلت في رسالة سابقة كانوا عربا اقحاح اعتنقوا اليهودية واثبت ذلك بما جاء في تاريخ اليعقوبي والمتوفى عام ٨٩٧ م اذ يقول بان يهود المدينة كانوا عربا تهودوا ولم يكونوا يهودا تعربوا ، ثم ذكر ان تسمية قبائلهم نسبة الى مواقع مواطنهم في الجزيرة العربية مثل بني قريظة نسبة الى جبل بهذا الاسم ، وأن السموءل المشهور بالوفاء هو عربي ينتسب الى قبيلة غسان ، وان الدولة الحميرية في اليمن كانت ديانتها يهوديه ، ثم تحول قسم كبير منهم للمسيحية ثم الاسلام فيما بعد ، نخلص من هذا ان الخلاف كان انذاك دينيا في المقام الاول والدليل على ذلك نص قراني جاء فيه : “لتجدن اشد الناس عداوة للذين امنوا اليهود والذين اشركوا” .

والمشركون هنا هم ايضا من عرب الجزيرة العربية الذين كانوا يعبدون الاصنام . وكما هو معروف تاريخيا فإن النبي اعلن الحرب عليهم لا لانهم يهودا وانما لنكثهم العهود والحاقهم الضرر بالمسلمين وضربهم في الظهر وخيانتهم لانضمامهم لكفار قريش وانصارهم ،فكان العقاب الذين نزل بهم يستحقونه .

نعم تم اجلاءهم من المدينه لاتقاء شرهم ولكن لم يتم اخراجهم من الجزيرة العربية لكونهم عربا ولم ياتوا من خارجها محاربين وغزاة وبعضهم عاد اليها فيما بعد اي حينما استقرت الاحوال وبعضهم اسلم .

2- ان من اخطاء هؤلاء المشايخ هو اعتقادهم ان اليهود شعب مثل سائر شعوب العالم : العرب ، الترك ، الانجليز ، الفرنسيين ، الايطاليين …الخ ، هم يوهمون العالم بانهم شعب وهذا كذب ، هم اتباع ديانة فقط واليهودية انتشرت مثل المسيحية واليهودية في العالم واعتنقتها امم وشعوب مختلفة ، واذا نحن نقول بانه ليس هناك شعب مسيحي ولا شعب اسلامي بالمفهوم الاثني او العرقي فليس هناك ايضا شعب يهودي ، ولاثبات ذلك فإني سأستثني المراجع العربية ومنها كتبي ، وكذلك ساستبعد المراجع الاجنبية الكثيرة التي بحوزتي ولكن ساكتفي بذكر المراجع الاسرائيلية فقط معتمدا على مبدأ :

“من فمك ادينك يا اسرائيل” ، والمراجع الاسرائيلية عندي وقرأتها جيدا واولها كتاب شلومو ساند استاذ التاريخ بجامعة تل ابيب وعنوان كتابه : (the invention of the Jewish people )، اي اختلاق الشعب اليهودي ، وفيه يثبت ان اليهود لا يشكلون شعبا انما هم اتباع ديانة انتشرت في العالم مثل الشمال الافريقي حيث اعتنق البربر اليهودية قبل الاسلام وفي اثيوبيا اعتنق الاحباش الافارقة اليهودية ( يهود الفلاشا) وفي القوقاز وحول بحر قزوين وعند نهر الفولجا الروسي اعتنقت جماعات كثيرة الديانه اليهودية واسسوا في القرن السابع للميلاد دولة الخزر اليهودية وهي التي حالت دون تقدم المسلمين لغزو الدولة البيزنطية في العصر العباسي ، وقد انهارت الدولة الخزرية في القرن السابع عشر على يد الروس فانتشر يهودها في روسيا وبولندا واوربا ، واليهود.

الخزريون من اصول قوقازية وهم اقرب للعنصر التركي ، وهم الذين شكلوا الصهيونية والذين خططوا للاستيلاء على فلسطين واقامة اسرائيل وكما قال المؤرخ اليهودي( كوستلر ) بأن هؤلاء اليهود الاوروبيين لا علاقة تربطهم لاسحاق ويعقوب وبالشرق كما يزعمون ، واليك اسم الكتاب ; (Koestler , The Thirteenth Tribe, The Khazar Empire And It’s heritage

3- اليهود الشرقيون والذين عاشوا بيننا منذ مئات السنين كمواطنين في الاقطار العربية ومنها فلسطين عاشوا معززين مكرمين لهم ما لنا وعليهم ما علينا من حقوق المواطنة ومن واجبات نحو الوطن المشترك ، ولم نخرجهم ولم نطردهم ولم نرتكب بحقهم المجازر كما فعل الغرب في اليهود الاوروبيين .

4- اليهود الاوروبيون والذين هم يهود ديانه ولا علاقة لهم بالانبياء والرسل وانما هم من مكونات ونسيج البلدان الاوربية التي كانوا ولا زال قسم كبير يعيش فيها غزوا بلادنا وشردوا شعبنا وهودوا معالمنا العربية والاسلامية وارتكبوا ولا زالوا يرتكبون المجازر بحق شعبنا ويدنسون مساجدنا وكنائسنا ويهددون بهدم مسجدنا الاقصى ويستبيحون حرمنا لابراهيمي في الخليل ويحرمون الفلسطينيين من اي حقوق مشروعة في وطنهم .

ويصرون على ان يكون كيانهم يهوديا فقط ولا مكان فيه لغير اليهود ، ومن يصر من الفلسطينيين على البقاء في ارضه ووطنه تصادر ارضه وتجرف ارضه وتهدم مساكنه بحجة انها غير مرخصة وتدمر محاصيله ويحرم من حقوق المواطنة التي يتمتع بها اليهودي ويحاصر ويشدد عليه الحصار ويوضع في ظروف قاسية حتى تجبره على الرحيل ، .

5- اذن لا مجال للمقارنة بين يهود المدينة وبين اليهود الصهاينة حتى نفتي بجواز التطبيع معهم علما بانني اعترض في الاساس على كلمة التطبيع بمعني عودة الامور الى وضعها الطبيعي وهذا المفهوم لا ينطبق على الحالة بيننا وبين اسرائيل ، فلم يكن قبل نشأة القضية الفلسطينية كيان اسرائيلي في المنطقة وكان فيه الوضع بيننا وبين هذا الكيان طبيعيا لاستعادة الامور بالشكل الطبيعي كما كان عليه في السابق .

6- ونحن نسأل اصحاب الفتاوي من المشايخ : هل ابدت اسرائيل اي ليونة في مواقفها تجاه الفلسطينيين والعرب رغم ليونة ومرونة الموقف العربي بدءا بالمبادرة العربية التي اطلقها المرحوم الملك فهد وفيها ابدى العرب الكثير من التنازلات لاسرائيل ولكن اسرائيل رفضتها ، ورغم عقد الفلسطينيين اتفاق اوسلو الذي لم يحترمه الاسرائيليون ولم يلتزمو به واغتالوا عرفات شريكهم في الاتفاق واجروا مفاوضات مراثونية مع خليفته عباس لسنين طويلة والتي لم تسفر الا عن مزيد من التشدد ومزيد من مصادرة الاراضي وبناء المزيد من المستوطنات واجراءات اخرى معروفة .

7- وهل تجاهل هؤلاء المشايخ اصحاب الفتوي بأن الإسرائيليين مقابل هذة التنازلات العربية زادت شهيتهم فزاد تشددهم وعملوا على افشال حل الدولتين التي وافقت عليه الامم المتحدة .

8- واخيرا وليس اخرا الم يسمع المشايخ الكرام ان هذه التنازلات العربية لإسرائيل شجعت اليهود بالجهر والمطالبة باقامة اسرائيل الكبرى من النيل الى الفرات ، وهم يخططون لجعل عمليات التطبيع الحالية تسهم في هذا الاتجاه ، واني كاكاديمي متخصص في الشؤون الاسرائيلية اخشى على اخواني في الخليج والجزيرة العربية من الوقوع في شرك الصهيونية والتي للاسف تمكنت من اقامة كيان اسرائيلي على مزاعم وخرافات توراتية والمؤدية انها انطلت على هؤ لاء المشايخ .واني وبقلب مخلص انصحهم بعدم الافتاء في قضايا يغلب عليها الطابع السياسي ولَها ابعاد تاريخية او اثنيه ربما كانت خافية عليهم وليحافظوا على مواقعهم الدينية ولا ينساقوا الى قضايا سياسية ملوثة وذات اهداف خبيثة تلحق الضرر بالوطن والامة .

* المصدر : موقع إضاءات الإخباري
* المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع