بقلم: فيليب جيرالدي*

(موقع” موندليزاسيون -mondialisation “الكندي الناطقة بالفرنسية – ترجمة: أسماء بجاش- سبأ)

أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في وقت سابق قرار دولة الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل بإقامة علاقات دبلوماسية كاملة كجزء من الالتزام بتطبيع التفاعل بين البلدين, لأنه بلا شك المستفيد الرئيسي من مثل هذا القرار.

ومع بقاء أقل من ثلاثة أشهر على موعد إجراء الانتخابات الرئاسية الأمريكية لم يكن توقيت الإعلان عن هذا القرار مجرد مصادفة, فالرئيس ترامب كان بحاجة ماسة إلى مثل هذه الأخبار الجيدة.

والواقع أن هذا الاتفاق الذي اشرف عليه مستشار الرئيس ترامب وصهره جاريد كوشنر، سيكون تأثيره ضئيل على دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث لعب ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد دوراً رئيسياً في التوصل إلى  هذا الاتفاق نيابة عن باقي الإمارات السبع.

ومن على منصة التواصل الاجتماعي تويتر, قال ولي عهد أبو ظبي:” أنه خلال اتصال هاتفي مع الرئيس الأمريكي ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، تم التوصل إلى اتفاق لوقف المزيد من الضم الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية, كما تم الاتفاق بين أبو  ظبي وتل ابيب على التعاون ووضع خارطة طريق للعلاقات الثنائية”.

وكالعادة، سيكون الشعب الفلسطيني هو الحلقة الأضعف نظراً لكونهم سيعيشون الآن تحت ظل رحمة إسرائيل، وهو أجراء وافق عليه الآن بالفعل بعض جيرانهم العرب والأوروبيون، تاركين إياهم – الشعب الفلسطيني- بدون أصدقاء أو مدافعين.

وعلى الفور سارعت السلطة الفلسطينية إلى قول أن هذا الاتفاق ليس ملزماً لها, بيد أنه في الواقع لن يطرأ أي تغيير على الأرض في إسرائيل وفلسطين.

فمن جانبها, وافقت إسرائيل على “التأجيل المؤقت” لالتزامها المعلن في كثير من الأحيان بضم معظم اراضي الضفة الغربية الفلسطينية، وهو اقتراح يواجه بالفعل صعوبات على الصعيد الوطني والدولي وبسبب الرقابة الدولية شبه الشاملة.

فقد أظهر بعض أعضاء الكونجرس من الحزب الديمقراطي بعض التردد بشأن “برنامج الضم”, مشيرين أنهم على استعداد لخفض معدل المساعدات العسكرية للدولة اليهودية إذا ما تم السير قدماً في برنامج الضم.

والآن بعد أن تم إسقاط كلمة “الضم”، ستستمر سياسات الفصل العنصري الأساسية التي لطالما انتهجتها إسرائيل في التقدم ومن المفترض أن تستمر المستوطنات غير القانونية في التوسع.

كما سوف يعود هذا الاتفاق بنفع, إلى حد ما، على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يواجه حالياً مشاكل سياسية داخلية، وذلك من خلال منحه صحافة مواتية من الإسرائيليين الليبراليين والأوروبيين، على الرغم من أنه سيواجه أيضاً في نفس الوقت رد فعل عنيف من شريحة المستوطنين الاقوياء في الضفة الغربية.

ولكن في الوقت نفسه، يجب الاعتراف بأنه حصل على شيء مقابل لا شيء، والذي سوف يشيد به في إسرائيل, فعملية “الضم” هذه كانت معلقة على أي حال من الأحوال، والآن سينسب إلى الإسرائيليين الفضل في اتخاذ “خطوة من أجل السلام”، وهي خطوة تحظى في حقيقية الأمر بموافقة بلد عربي.

وبالتالي, سوف يستغل الدعاة الإسرائيليون للتخفيف من حدة الانتقادات المتفشية, حيث لطالما أشير إليها -دولة أسرائيل- باعتبارها دولة “منبوذة”, كما سوف تسمح هذه الخطوة باستمرار تضييق شرعية سعي الشعب الفلسطيني إلى تحقيق العدالة.

وهكذا، سيكون الرئيس ترامب هو الحلقة الاقوى، ومن الواضح أن هذه الخطوة سوف تحوله بضربة واحدة من خاسر في السياسة الخارجية والضحوكة المجتمع الدولي إلى رجل يمكنه الآن أن يدعي نجاحاً كبيراً في إحراز تقدم في واحدة من أكثر الصراعات العصية عن الحل في العالم.

وقد أثارت هذه الأنباء على الفور استعراضات هذيانية من أصدقاء أميركا في القارتين الأوروبية والآسيوية, حيث لطالما ظل هؤلاء محصورين لفترة طويلة بين الصخور الإسرائيلية والعمل الفلسطيني الشاق وبالتالي البحث عن مخرج.

فقد كانت وسائل الإعلام الأمريكية متحمسة، ولكن ليس بنفس الدرجة بالنسبة للرئيس ترامب, وفي نفس الوقت أكثر من ذلك لجعل إسرائيل “أكثر أماناً” أثناء تقديمها في صورة إيجابية.

وفي عددها الصادر في 13 من اغسطس المنصرم, أشارت صحيفة نيويورك تايمز إلى “إعادة تنظيم أوسع للمنطقة” والذي من خلاله “يمكن أن يعيد تنظيم الجمود الذي لطالما خيم على المنطقة… بالإضافة إلى تشجيع الدول العربية الأخرى على أن تحذو حذوها.

ومن شأن مثل هذه النتيجة أن تعود بالفائدة على إسرائيل أكثر من غيرها، على الرغم من أن مقال التايمز لا يشير إلى ذلك صراحة، حيث وقد أعلن الرئيس ترامب ذلك على نطاق أوسع، حيث قال أن “هذا الاتفاق هو خطوة مهمة نحو بناء شرق أوسط أكثر سلاماً وأمناً وازدهاراً”.

والآن بعد أن تم اتخاذ الخطوة الأولى، من المتوقع جداً أن تحذو المزيد من الدول العربية والإسلامية حذو دولة الإمارات.

قال الرئيس الأمريكي في محاولة للمزاح “رائع.. شيء عظيم, أردت أن يطلق على هذا الاتفاق اسم “اتفاق دونالد ترامب”, لكني (وهو يضحك) لم أعتقد أن الصحافة ستفهم, لذا لم أفعل هذا الأمر.

ومن جانبه, دعا مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض روبرت أوبراين إلى النظر في منح الرئيس ترامب جائزة نوبل للسلام، مشيراً إلى دوره في تحقيق إنجاز دبلوماسي بين إسرائيل والإمارات.

ومن الواضح أن الدافع وراء الأغلبية السنية الساحقة في دولة الإمارات بصورة جزئية هو خوفها من إيران ذات الأغلبية الشيعية، ومن المرجح أيضاً أنها تعرضت لضغوط شديدة من قبل المسؤولين الأمريكيين حول كوشنر لمساعدة ترامب على إعادة انتخابه.

إن دول الخليج، لأسبابها الخاصة، مهتمة جداً بإبقاء ترامب على رأس هرم السلطة في الولايات المتحدة الأمريكية، لذلك لاقت هذه المقاربة قبولاً حسناً.

ومن المتوقع أن يمارس كوشنر وشركاءه الآن أقصى درجات الضغط على سلطنة عُمان ومملكة البحرين لمواءمة إسرائيل والاعتراف بها، ويمكنهما أيضاً أن يأملا في ضم المملكة العربية السعودية الغاية المنشودة لهم.

تقيم اسرائيل ودول التحالف المناهض لإيران منذ عدة سنوات علاقات سرية تقوم على الكراهية المتبادلة للفرس.

وفي المستقبل، يمكن تصور أي توسيع للعلاقات الدبلوماسية والتجارية على أنه تحالف كبير يضم في طياته الدول العربية السنية وإسرائيل ضد الإيرانيين، الذين يخشى منهم كثيراً, وفي المقابل, لا يوجد مجال لشك في أن واشنطن ستزود الجميع بالأسلحة التي يحتاجونها للقيام بهذه المهمة.

ماذا سيحدث من هناك؟ لن يكون للانتخابات الأمريكية المقبلة تأثير يذكر على منطقة الشرق الأوسط، حيث أن مرشح الرئاسة الأمريكية جون بايدن الذي وصف نفسه بأنه صهيوني, بالإضافة إلى نائبته كامالا هاريس يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالمصالح الإسرائيلية أكثر من ترامب.

وفي الوقت نفسه، نجحت إسرائيل، بمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية، في تعطيل الوحدة العربية فيما يخص القضية الفلسطينية من خلال إقامة علاقات مع دول لم تكن أبداً منخرطة في حل هذه القضية.

والآن, انضمت دولة الامارات إلى جانب الاردن ومصر اللتان سبق وتلقتا رشوة كبيرة من الولايات المتحدة لإقامة علاقات دبلوماسية مع اسرائيل.

وفي حال انضمت إليها، كما هو متوقع، دول عربية خليجية أخرى، فلن يعد بإمكان  الفلسطينيون مطالبة الحكومة الإسرائيلية بأي شيء, وهذا يعتبر انتصار كبير لنتنياهو وحكومته, وفي المقابل, سيكون على الفلسطينيين الآن القيام بعمل لجعل قضيتهم موضع اهتمام لآخرين غيرهم.

وبطبيعة الحال، فإن نتنياهو المدعوم من الولايات المتحدة الأمريكية وأصدقائه العرب الجدد، يمكنه أن يسعى إلى هدفٍ أكبر من خلال معالجة “المشكلة الإيرانية”.

* فيليب م. جيرالدي متخصص سابق في مجال مكافحة الإرهاب في وكالة المخابرات المركزية وضابط استخبارات عسكري, خدم تسعة عشر عاماً في الخارج في تركيا وإيطاليا وألمانيا وإسبانيا, كما شغل منصب رئيس وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في أولمبياد برشلونة في العام 1992 وكان من أوائل الأمريكيين الذين دخلوا أفغانستان في ديسمبر 2001.

واليوم يشغل منصب المدير التنفيذي لمجلس المصلحة الوطنية، وهي مجموعة مناصرة مقرها واشنطن وتسعى إلى تشجيع وتعزيز سياسة خارجية للولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط تتماشى مع القيم والمصالح الأمريكية.

* المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.