ما القوة التي تمنع إنشاء قواعد عسكرية في جزيرة سقطرى؟
ما القوة التي تمنع إنشاء قواعد عسكرية أمريكية واسرائيلية وخليجية في جزيرة سقطرى وسواحل اليمن ؟ ولماذا يتم الإكتفاء بنشر مليشيات موالية لهذه الدول
طالب الحسني*
في اكتوبر 2000 نُفذ هجوم على المدمرة الامريكية يو اس اس كول في السواحل اليمنية ، كانت هذه الحادثة أشبه بالزلزال لأنه ترافق معها الحديث عن غزو امريكي حتمي لسواحل اليمن ، أو على الأقل وجود امريكي في أحدى الجزر القريبة من باب المندب ، المضيق المهم في المنطقة .
في هذه الحادثة قتل 17 بحارا أمريكيا ، ونسب الهجوم إلى تنظيم القاعدة بقيادة جمال البدوي ، وعلى ذكر الأرقام والضحايا فإن السودان التزم مؤخرا بتعويض أسر الضحايا الامريكيين الـ 17 كجزء من شروط رفعه من قائمة الإرهاب ، وكانت السودان وفقا للتحقيقات الأمريكية هي ساحة تدريب فريق القاعدة الذي نفذ الهجوم على المدمرة الأمريكية في سواحل اليمن .
الغريب ان هذا الملف أغلق يمنيا وامريكيا بطريقة غير واضحة حينها ، لاحقا توضح أن تعهدات قطعها الرئيس الأسبق على عبد الله صالح للامريكيين ، وهي اتفاقات سرية قضت بوجود أمريكي في قاعدة العند 40 كيلو شمال عدن ، تطورت الاتفقات السرية الامريكية مع نظام صالح إلى أكثر من ذلك تحت جناح محاربة القاعدة ، نقطع هذه الفترة سريعا لنصل إلى ما بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 وغزو أفغانستان ، لقد صاحب هذه الحرب الأمريكية على القاعدة وطالبان حديث مطوّل عن أن اليمن هي أفغانستان أخرى بالنسبة لتنظيم القاعدة ، هذا يعني ضمنيا أن الوجود الأمريكي سيكون حتمي ، ومع ذلك بقي الغموض يسيطر على هذا الملف في حين توسعت ضربات الطائرات الأمريكي بدون طيار ، والقاعدة التي تعلل بها هذه الغارات أنها لمحاربة تنظيم وعناصر تنظيم وخلايا تنظم القاعدة ، من بين تلك الاستهداف القيادي في القاعدة الحارثي في مارب شرق اليمن .
في العام 2004 زار الرئيس صالح الولايات المتحدة الأمريكية وعقد لقاءات مفتوحة ومغلقة مع الرئيس الأمريكي جورج جورج بوش ، كانت الحرب قد اندلعت هذه المرة شمال اليمن ضد حركة أنصار الله ” الحوثيين ” بوش اهتم بهذه الحرب أيضا وفتح مع صالح اتفاقات جديدة اخرى تتعلق بتوسيع النشاط الأمريكي ، نضج فيما بعد إلى إنشاء جهاز الأمن القومي ، خصص الجهاز لمكافحة ” الإرهاب ” مع توسيع دائرة نشاطه ، لكن بقيت السواحل اليمنية دون قواعد أمريكية بينما كانت هذه القواعد تبنى في الضفة المقابلة من البحر الاحمر ، ابتداء ً من الصومال إلى ارتيريا إلى جيبوتي ، فلما أعفيت اليمن من بناء قواعد عسكرية أمريكية هي الأخرى على الرغم من مقدرة واشنطن فرض ذلك دون ممانعة من نظام صالح الذي كان يعاني من تصدعات وحروب في الشمال وعودة المطالبات الجنوبية بالانفصال وفك الإرتباط ، وازمة سياسية مع الإخوان المسلمين ، الذين مثلوا الجناح الأقوى في المعارضة ؟
بالعودة حقبتين من الزمن إلى الوراء سنجد أن المحافظات الجنوبية كانت ساحة للاتحاد السيوفيتي عبر الاحزاب اليسارية التي تعاقبت الحكم والانقلابات منذ عام 1964 ، ذلك يعني أن السيطرة على سواحل البحر العربي ووصولا إلى جوار البحر العماني عند محافظة المهرة اليمنية هي سيطرة روسية ، ينتهي هذا النفوذ عند توقيع اتفاق الوحدة عام 1990 وانهيار الاتحاد السوفيتي ، نتقدم 20 عاما دون أي ملامح للوجود الأمريكي في سواحل اليمن باسثناء انشطة الاسطول البحري الأمريكي .
منذ 2000 بدأ الوجود كما أسلفت ، هذه المرة محاربة القاعدة ، واتفاقات سرية مع صالح وجهاز أمن قومي تشرف عليه واشنطن ، ودعم سخي لبقاء صالح على رأس السلطة مع إطلاق اليد السعودية في فرض وصاية شبه كاملة على اليمن وعلى ترتيبات الحياة السياسية فيه ، لكن الزلزال الأكبر بدأ من 2011 الربيع العربي وصولا إلى ثورة الحوثيين المدعومة من القبائل ونسبة كبيرة من الشعب اليمني 2014 جرفت هذه الثورة النظام التقليدي كله ومعه الخطط الأمريكية والخليجية والنفوذ السياسي والعسكري والأمني وتغير كل شي لصالح الخصم الألد للولايات المتحدة الأمريكية والسعودية والكتل التقليدية ، ولسوء حظ هولاء أن الحرب العدوانية التي تقودها السعودية وبدعم أمريكي وبريطاني على اليمن منذ مارس 2015 قد فشلت هي الأخرى ، ولكنها رتبت لحروب مقبلة على السواحل اليمنية ، لمنع قيام قواعد امريكية واسرائيلية وخليجية وهذه الحرب بدأت تطل برأسها مع سيطرة الأمارات والسعودية على جزء من الساحل الغربي وكل الساحل الجنوبي وباب المندب وجزيرة سقطرى الاستراتيجية وجزيرة ميون ، ومع أن السيطرة تمت منذ 2016 ولكن حتى الآن ليس هناك ما يثبت قطعا وجود قواعد عسكرية حقيقة لهذه الدول باسثناء وجود عسكري متقطع والاعتماد على قوى ومرتزقة عسكرتهم الإمارات والسعودية ونشرتهم ابتداْ من ميناء المخاء غرب اليمن ، حيث يتواجد فيه قوات تابعة لنجل شقيق الرئيس الأسبق علي صالح ، مرورا بميناء عدن ، قوات تابعة للانتقالي ” الانفصالي ” وصولا إلى جزيرة سقطرى التي تخضع لقوات اماراتية وسعودية منفصلتين .
السؤال الذي يطرح بقوة مع كثير من التسريبات ، هل هناك نوايا لبناء قواعد عسكرية في جزيرتي سقطرى وميون لأهمية هذه الجزر المشرفة على طريق التجارة الدولية التي تمر من البحر العربي ومرورا بمضيق باب المندب والبحر الأحمر وإلى البحر الأبيض المتوسط عبر قناة السويس ، حيث يمر من هنا ربع التجارة العالمية وأيضا سيمر من هنا طريق الحرير الصيني ؟ لماذا مع هذه الفرصة التي تبدو متاحة بسبب السيطرة العسكرية على هذه المناطق لم يحدث ذلك حتى الآن ؟ ما هي تفسيرات اكتفاء الولايات المتحدة الأمريكية بارسال فرق عسكرية دورية إلى جزيرة سقطرى بين فترة واخرى وهي التي كانت تبحث منذ 2005 بناء قاعدة عسكرية هناك ؟ هل المسألة تريث أم أن واشنطن ستوكل المهمة للإمارات ومؤخرا كيان العدو الاسرائيلي الذي أرسل فريق إلى الجزيرة بمهمة جمع معلومات ، وهي مهمة أشبه ينفذها الكيان عبر قاعدة عسكرية له في أعلى جبل امبايرا في ارتيريا .
من الواضح أن شكوك كبيرة تكتنف الولايات المتحدة الامريكية والسعودية والامارات وايضا كيان العدو الاسرائيلي في عدم استقرار اليمن ومناطق المحافظات الجنوبية بما يجعل بناء قواعد ونقل جنود والبقاء في الجزيرة مجازفة كبيرة وخصوصا مع فشل التحالف العسكري السعودي والأمريكي ، ووجود ترسانة عسكرية صاروخية بحوزة حكومة العاصمة صنعاء التي تحارب لأستعادة كل اليمن بعد ان أفشلت التحالف عسكريا ، ومن شأن هذه المعادلة أن تهدد أي وجود عسكري اجنبي في هذه الجزر ، فالصواريخ التي تصل إلى الرياض ومناطق أخرى داخل العمق السعودي بإمكانها أن تصل إلى سقطرى وميون وتلحق مجزرة بأي قوات عسكرية أجنبية فيها ، وهذا سبب رئيسي واضح في احجام الولايات المتحدة الأمريكية ودول الخليج من إنشاء قواعد حتى الآن على الرغم من أهمية ذلك في تعزيز النفوذ الأمريكي في هذه المنطقة ورافد كبير للقواعد العسكرية الموزعة في الضفة المقابلة لليمن في القارة الأفريقية .
الأمر الآخر أن الوجود العسكري الأمريكي والأسطول البحري والقواعد والقطع العسكرية المنتشرة في هذه البحار تفي بجزء كبير من الغرض ، ان كان عسكريا او متعلق بفرض حصار على اليمن او كان متعلق بالتجسس على ايرا ن وروسيا والصين .
* المصدر : رأي اليوم