الحرب في اليمن.. ملف فساد اُتِهم فيه فهد بن تركي إنقاذاً لسمعة ولي العهد وزير الدفاع السعودي
السياسية – رصد :
عاصفة أوامر ملكية جديدة قضت بإنهاء خدمة قيادات عسكرية ومدنية سعودية بارزة وإحالتها إلى التحقيق على خلفية قضايا فساد؛ لكنها فتحت تساؤلات كثيرة حول الأسباب الحقيقية لتلك الأوامر التي جاءت بعد أسبوع فقط على أوامر مشابهة، ذيلت بالعبارة ذاتها ” التورط في قضايا فساد”.
لماذا أُقيل قائد القوات المشتركة للتحالف في اليمن، الفريق الركن فهد بن تركي بن عبدالعزيز آل سعود؟ هل كانت الإقالة بسبب قضايا فساد فعلاً؟ أم أنها الهزيمة في اليمن ومحاولة تحميلها لابن تركي؟
وإن لم يكن لموضوع الإقالة علاقة بتصفية حسابات شخصية وتمهيداً لتنصيب ولي العهد محمد بن سلمان ملكاً بدلاً عن أبيه “المريض”، فلماذا لا يتم الكشف عن حقيقة الاتهامات التي وجهت لقائد عسكري رفيع من العائلة الحاكمة، وضباط مرموقين في وزارة الدفاع، على الأقل لكي يُقنع ابن سلمان الرأي العام بصوابية تلك القرارات المفاجئة؟.
مجموعة أسئلة طرحها كثير من المهتمين والمتابعين والمحللين، لكن الرأي الأرجح لدى المتابعين والمختصين بالشأن اليمني، السعودي أو (السعودي، اليمني) أن إنهاء خدمة فهد بن تركي كان بسبب الحرب في اليمن، وارتباطه بقيادات عسكرية يمنية كبيرة، فضلاً عن ارتباطه بتوريد صفقات أسلحة ضخمة، وشراء ولاءات، وكلها لم تنجز الوعود المعلنة التي أطلقتها المملكة للقيادة الشرعية في اليمن، لكنها تسببت بالمزيد من الكوارث لأفقر بلد عربي وجعلته في قائمة الدول الأكثر معاناة وبؤساً في العالم.
مصدر مسؤول في الحكومة اليمنية قال لـ “ديبريفر” إن إنهاء خدمة قائد القوات المشتركة بسبب ارتباطه الوثيق بقيادات عسكرية يمنية كبيرة ترى السعودية أنها عملت مع فهد بن تركي على إطالة أمد الحرب عبر معارك “سرابية” كانت محصلتها النهائية تسليم الأسلحة التي قدمتها السعودية مع الجبهات لجماعة الحوثيين (أنصار الله).
المصدر الذي طلب عدم ذكر اسمه، أكد أن السعودية والإمارات تضغطان على الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي لتغيير قيادات عسكرية يمنية بارزة وعلى رأسها نائب الرئيس الفريق علي محسن الأحمر ووزير الدفاع محمد المقدشي.
وفي مناسبات عديدة وجه محللون سياسيون وصحافيون سعوديون اتهامات لعلي محسن ووزير الدفاع محمد المقدشي بتسجيل كشوفات لعشرات الآلاف من المجندين الوهميين بنسبة تصل إلى 75%، والاستيلاء على الأموال المقدمة من قبل السعودية لدعم الجبهات القتالية.
وذكر المصدر أن نائب الرئيس اليمني والقائد العسكري الأبرز في اليمن علي محسن الأحمر والذي تتهمه عدد من القوى السياسية اليمنية – ذات الصلة بالإمارات – بالتسبب في تراجع القوات الحكومية بشكل لافت في حربها ضد الحوثيين، لن يكون موجوداً في التسويات السياسية والعسكرية المقبلة”.
وأضاف ” هذه رغبة تم الاتفاق عليها بين الرياض وأبوظبي وقوى سياسية يمنية جنوبية وشمالية أيضاً، والجميع يرى في علي محسن – المحسوب على حزب الإصلاح- عائقاً أمام الانتصار في الحرب أو الوصول إلى تسوية سياسية عادلة وسلام في اليمن”.
ومن المتوقع أن تشهد الفترة المقبلة تحولاً نوعياً في طريقة وأسلوب إدارة الملف العسكري في اليمن، بالتزامن مع تشكيل الحكومة الائتلافية المقبلة التي سيشارك فيها المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً وفقاً لاتفاق الرياض الذي رعته السعودية.
ملف الحرب في اليمن، أصبح مصدر إحراج لقيادة المملكة، فبعد أكثر من خمس سنوات لم تستطع السعودية التي تقود تحالفاً عربياً عسكرياً في اليمن تحقيق انتصارات ميدانية ذات قيمة، وما حصل هو العكس من ذلك، فجماعة الحوثيين تمكنت من توجيه ضربات موجعة داخل العمق السعودي والسيطرة على معظم محافظة الجوف الحدودية مع المملكة، وكذلك في البيضاء ومأرب، رغم فارق الإمكانيات التسليحية بينها وبين القوات الحكومية المدعومة بالجماعات السلفية، والمليشيات غير النظامية، وقوات التحالف وطائراته الحربية، فضلاً عن دعمه المالي واللوجستي.
إتهامات موثقة
المثير للانتباه هو أن تلك الاتهامات التي تم تعزيزها بوثائق تكشف فساد المسؤولين عن ملف الحرب في اليمن، تكررت منذ نحو ثلاث سنوات، لكن القيادة السعودية وخاصة ولي العهد محمد بن سلمان وزير الدفاع، وشقيقه خالد بن سلمان نائب وزير الدفاع والمسؤول الأول عن الملف اليمني السياسي والعسكري منذ نحو عام، لم تحرك ساكناً، ولم تتخذ قرارات حاسمة.
ووفقاً لمراقبين، فإن العمليات العسكرية في اليمن توجّه من القيادة السعودية وخاصة وزير الدفاع ونائبه، ولا يمكن أن يكونا غير مطلعين على “الفساد” بملف الحرب في اليمن.
المراقبون قالوا إن قرار الإطاحة بابن تركي كان استباقاً لعدم استغلال فضائح الفساد في ملف الحرب التي تطوي عامها السادس، من قبل المناوئين لولي العهد السعودي الذي تتسع يوماً بعد آخر دائرة أعدائه، وقد تجد في هذا الملف فرصة للنيل منه.
ويشير المراقبون إلى أن أموالاً سعودية كثيرة جداً، خصصت لشراء ولاءات لقيادات عسكرية وسياسية وقبلية يمنية خارج نطاق الحكومة المعترف بها دولياً، مقابل تراجع دعم القوات الحكومية، وكل ذلك بدأ منذ تولي فهد بن تركي قيادة القوات المشتركة للتحالف في اليمن.
ويؤكد المراقبون أنه ومنذ تعيين ابن تركي على رأس القوات المشتركة، استفادت الإمارات بشكل كبير من وجوده، ومن فساد قيادات عسكرية يمنية بارزة، في تمكين المجلس الانتقالي من محافظتي عدن وسقطرى.
وليست الإمارات المستفيد الوحيد من ملف الفساد العسكري هذا، فجماعة الحوثيين استفادت منه أيضاً، كما يقول المراقبون.. مضيفين بأن “الحوثيون أسقطوا الجوف، وحققوا تقدماً كبيراً في جبهات كانت عصية عليهم في محافظتي البيضاء ومأرب، ويبدو أن المحافظتين على وشك السقوط أيضاً”.
إغراق اليمن بالسلاح لإطالة الصراع
مصدر رفيع في وزارة الدفاع اليمنية أكد لـ “ديبريفر” بالوثائق حرص ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على إغراق اليمن بالأسلحة عبر القوات الحكومية التابعة للرئيس هادي، بهدف إطالة أمد الصراع.
وأكد المصدر أن غالبية الأسلحة السعودية التي دخلت اليمن منذ بداية الحرب نُقلت “بتعمد” عبر وسطاء محليين إلى طرف ثالث، وهو ما أكده أيضاً التحقيق الاستقصائي “المستخدم الأخير” الذي أنتجته شبكة أريج للصحافة الاستقصائية، لصالح فضائية دويتش فيله العربية.
وتكشف الوثائق، التي اطلعت عليها “ديبريفر” وتتحفظ على نشرها – حرصا على سلامة المصدر- عن ضخ وزارة الدفاع السعودية معدات وآليات عسكرية عبر شركة أوكرانية شهيرة تؤول ملكيتها لشخصية دبلوماسية إسرائيلية رفيعة المستوى، وباطلاع مباشر من ولي العهد محمد بن سلمان إبان مسؤوليته كنائب لولي العهد ووزير للدفاع في العام 2016.
المصدر ذاته أشار إلى أن وزارة الدفاع السعودية على علم بالعمليات العسكرية التي استهدفت معسكرات يمنية وقتلت المئات من القوات الحكومية، بالإضافة إلى الاستهداف الذي طال أهدافا مدنية داخل أحياء سكنية، وتسبب بقتل الآلاف من المدنيين اليمنيين بينهم نساء وأطفال، وجميعها – وفقاً للوثائق – بعلم قائد القوات المشتركة المُقال فهد بن تركي.
توصيات ولي العهد
بحسب إفادة مقربين من العائلة الحاكمة فإن ولي العهد يجهز كافة القرارات وفق رؤيته هو، والملك يوقع عليها دون مناقشة حتى، هكذا تدار المملكة السعودية منذ تولى الملك سلمان بن عبدالعزيز مقاليد الحكم خلفاً لشقيقه الراحل عبدالله.
وبعد أن وثق الأمير محمد بن سلمان نفسه كملك حقيقي على السعودية، رغم أن والده الملك لا يزال على قيد الحياة، قام بتصفية حساباته مع كل من يظن أنه منافساً أو قد يكون مصدر ازعاج له، أزاح جميع المنافسين والخصوم والمناوئين المعروفين والمحتملين وقرب المخلصين.
اللافت أن الأوامر الملكية الحاسمة التي تقضي بإعفاء وإنهاء الخدمة والإحالة للتحقيق، لا تصدر إلا في أوقات متأخرة، كما أن تلك الأوامر خاصة تُذيل في الغالب بجملة “الإحالة للتحقيق بشأن تعاملات مالية مشبوهة”.
ومن اللافت أيضاً أن ديباجة الأوامر الملكية تتضمن الإشارة إلى أنها صادرة بناء على ما أحيل من ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع إلى هيئة الرقابة ومكافحة الفساد، للتدليل على أن ابن سلمان أصبح هو الحاكم الفعلي داخل القصر الملكي السعودي.
وفي ديباجة الأوامر الملكية الخاصة بإقالة فهد بن تركي تمت الإشارة إلى أنها صدرت بناء “على ما رفعته الهيئة عن وجود فساد مالي في الوزارة، وارتباط ذلك بالفريق الركن فهد بن تركي بن عبد العزيز آل سعود، والأمير عبد العزيز بن فهد بن تركي، وعدد من الضباط والموظفين المدنيين وآخرين”.
الأوامر الملكية نصت على إنهاء خدمة الأمير فهد بن تركي كقائد القوات المشتركة بإحالته إلى التقاعد مع إحالته للتحقيق، وكذلك إعفاء ابنه الأمير عبد العزيز نائب أمير منطقة الجوف من منصبه وإحالته للتحقيق.
وأعلن الملك السعودي موافقته على توصية ولي عهده بتكليف الفريق الركن مطلق بن سالم بن مطلق الأزيمع، نائب رئيس هيئة الأركان العامة، بالقيام بعمل قائد القوات المشتركة.
من هو بن تركي؟
في فبراير 2018 تعين الفريق الركن فهد بن تركي قائداً للقوات المشتركة للتحالف في اليمن، لكن ابن تركي لم يكن جديداً على ملف الحرب في اليمن، فقد كان مرتبطاً به منذ بداية الحرب في 2015.
وكان ابن تركي انتقل إلى الحدود السعودية مع اليمن منذ إعلان التحالف العربي عملياته العسكرية، وأشرف من هناك وبشكل مباشر على تلك العمليات قبل أن يتولى قيادة العمليات الخاصة المشتركة في عملية “عاصفة الحزم وإعادة الأمل”.
في 2017، عين فهد بن تركي قائداً للقوات البرية السعودية، وتمت ترقيته إلى رتبة فريق ركن ليصبح بذلك قائداً للقوات البرية السعودية وقائداً لوحدات المظليين وقوات الأمن الخاصة.
وقائد القوات المشتركة المقال هو حفيد مؤسس المملكة عبد العزيز آل سعود، من ابنه الـ21 تركي الثاني، ووالدته هي الأميرة نورة بنت عبد الله بن عبد الرحمن آل سعود.
تركي بن فهد متزوج من “عبير” ابنة الملك السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز، وله منها ثلاث بنات وابن واحد هو الأمير عبد العزيز بن فهد بن تركي، الذي أقيل أيضاً إلى جانب والده من منصبه نائباً لأمير منطقة الجوف.
* المصدر : وكالة (ديبريفر)
* المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع