بقلم: آن غيون
السياسية: ترجمة: أسماء بجاش- سبأ:

في 13 أغسطس, زينت واجهة مبنى بلدية تل ابيب بالأحمر والأخضر والأبيض والأسود, وهي الالوان المكونة لعلم دولة الأمارات الاتحادية والتي تضم في طياتها سبع إمارات (أبو ظبي وعجمان والشارقة ودبي والفجيرة ورأس الخيمة وأم القيوين), وذلك للاحتفال بالاتفاق التاريخي الذي من المتوقع أن يتم توقيعه في غضون أسابيع قليلة بين تل ابيب مع أبوظبي, حيث ينص الاتفاق الذي يشار إليه باسم “معاهدة السلام”، على أن الإمارات ستعترف بشكلٍ رسمي بالدولة العبرية, وفي المقابل تعهدت اسرائيل “بتأجيل” خطتها لضم الاراضي الفلسطينية.

السخرية من القصة:

في المقابل يتكون العلم الفلسطيني من: الأحمر والأخضر والأبيض والاسود, ومن جانبه, وصف الشارع الفلسطيني هذا الاتفاق بأنه “خيانة”, ولسبب وجيه: كان التطبيع مع دول الخليج حتى الآن ورقة أساسية في المفاوضات مع إسرائيل لإقامة دولة فلسطينية, وطريقة للضغط على الدبلوماسية الإسرائيلية للحصول على حل عادل للصراع.

لم تكن الدولة العبرية رسمية:

لم يتم الاعتراف بالدولة العبرية سوى من قبل جمهورية مصر التي وقع الإسرائيليون معها معاهدة سلام في العام 1979، وتاليها الأردن في العام 1994.

وبالنسبة لممالك الخليج، بدا أن أي اعتراف بإسرائيل كان حتى الآن خاضعاً لتسوية مسبقة للصراع, ولكن في الواقع، فإن الجانبان يقتربان أكثر فأكثر منذ عدة سنوات, حتى تم رسم تحالفاً جديداً في منطقة الشرق الأوسط.

فهذه هي المهمة التي حددها البيت الأبيض، والتي يدافع عنها بحماس وزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو، الذي يقوم حاليا بجولة في المنطقة.

ومن المتوقع أن يسافر جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي ترامب ومستشاره المؤثر جداً إلى الشرق الأوسط في أوائل سبتمبر, في محاولة لدفع دول أخرى إلى معسكر التطبيع.

من “العدو الصهيوني” إلى التطبيع:

منذ حرب العام 1967، تبنت الملكيات النفطية خطاباً مناهضاً لدولة إسرائيل, الدولة العبرية وهو “العدو الصهيوني” الذي يجب محاربته بأي ثمن, حيث أشارت الخبيرة في شؤون الشرق الأدنى “إليزابيث مارتيو” في مقال للمعهد الفرنسي للعلاقات الدولية أن “دعم منظمة التحرير الفلسطينية والحفاظ على التضامن والإجماع العربي السني, كانت من بين الأمور الأساسية لاستقرار الملكيات الخليجية”.

وفي ثمانينيات القرن الماضي، أفادت التقارير أن منظمة التحرير الفلسطينية تلقت أكثر من 10 مليارات دولار من كلاً من: المملكة العربية السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة! لكن في بعض الأحيان وضعت الممالك الخليجية الماء في نبيذها أحياناً، عندما رأت وجود مصالحها إلى جانب مصالح الدولة العبرية…

فعلى سبيل المثال، سبق وأن تعاونت تل أبيب والرياض بشكلٍ سري خلال الحرب في اليمن في الستينات.

تغيرت الأمور في التسعينيات، بعد توقيع اتفاقية أوسلو مع الفلسطينيين, وأقامت إسرائيل بصورة تدريجية علاقات اقتصادية مع سلطنة عمان وقطر، اللتان أصبحت من أوائل الدول في الخليج التي تربطها علاقات اقتصادية مع تل أبيب.

ومنذ القرن الحادي والعشرين، كانت العلاقات متقلبة جراء تقلبات اضطرابات الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

ولكن الأنظمة الملكية لا تغفل عن فكرة التطبيع, فبعد أحداث 11 سبتمبر 2001، ومن أجل التهدئة، قدمت السعودية مبادرة اعلنت فيها الدول العربية استعدادها لإقامة علاقات دبلوماسية مع اسرائيل مقابل اقامة دولة فلسطينية ضمن حدود العام 1967.

إيران عدو مشترك:

وقد حدث التحول الحقيقي في العام 2011 مع اندلاع ثورات الربيع العربي، وخاصة عند تنامي النفوذ الإيراني في المنطقة, حيث أن طهران هي العدو المشترك, ونظام الملا هو العدو اللدود لتل أبيب والخصم التاريخي للمملكة السعودية، حيث يخشى من أن تمتلك طهران في يوم من الأيام القنبلة النووية.

هاتين القوتين الرئيسيتين للنفط والغاز-الرياض وطهران- تقيسان بعضهما البعض باستمرار, مع ميزة اقتصادية لإيران التي تسيطر على مضيق هرمز الذي يمر من خلاله 30٪ من إجمالي الواردات النفطية في العالم.

وفي السنوات الأخيرة، انخرطت طهران حتى في نوع من “الحرب الباردة” من خلال مضاعفة الصراعات بالوكالة كما هو الحال في سوريا واليمن.

وفي نفس الوقت, وسّعت طهران من نفوذها بشكل كبير من خلال مرحلاتها الإقليمية، “وكلائها” الموجودون في العديد من بلدان المنطقة:

«الحوثيون» في اليمن، و«حزب الله» في لبنان، و«الحشد الشعبي» في العراق.

وهذا يكفي لتخويف الممالك الخليجية – بقيادة السعوديين – الذين يبذلون كل ما في وسعهم لاحتواء التوسع الإيراني وتخويف الإسرائيليين الذين يخشون فكرة التطويق.

وحتى الآن، فإن الأنظمة الملكية الصغيرة هي التي لعبت دور الأسماك التجريبية من خلال مضاعفة الإيماءات الرمزية للتقارب, مثل الزيارة “التاريخية” التي قام بها رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى سلطنة عمان في أكتوبر 2018.

وعندما أسدل الرئيس ترامب في يناير 2020 الستار عن “صفقة القرن” الشهيرة “خطة السلام” والتي من المفترض أن تنهي الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ولكنها تطيح بالفلسطينيين، تسابق سفراء مملكة البحرين وعمان والإمارات على حضور هذا الحدث في البيت الأبيض…

نحو اتفاق بين اسرائيل والسعودية؟

ولكن بعد الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي، قد يكون من المحتمل أن تضفي الدولة العبرية والسعودية، وهي الدولة الرائدة في المنطقة، طابعاً رسمياً على علاقاتهما في المستقبل القريب، على الرغم من أن الرياض أعلنت بصوت عالٍ في 19 أغسطس أنه لن يكون هناك تطبيع مع إسرائيل حتى يتم التوصل إلى اتفاق سلام إسرائيلي فلسطيني.

فمنذ تولي الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد في المملكة في يونيو 2017، ما بدا غير متصور حتى قبل بضع سنوات, أصبح أكثر واقعية… حيث قال الأمير محمد بن سلمان في مقابلة أجريت معه في العام 2018 لمجلة “أتلانتيك” الأمريكية أن السلام مع إسرائيل ممكن.

وفي الواقع، تم تعزيز المحور السعودي – الإسرائيلي – الأمريكي الجديد في السنوات الأخيرة، لاسيما منذ انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي الإيراني في مايو 2018, حيث ذهبت واشنطن، التي لديها عدة قواعد عسكرية في دول الخليج إلى أبعد من ذلك, وذلك عندما عملت وبشكلٍ عمد استهداف الجنرال الإيراني قاسم سليماني قائد فيلق القدس أحد أهم القادة في الجمهورية الإسلامية, في الأراضي العراقية, في 3 يناير 2020.

ويبقى أن نرى ما إذا كان الرأي العام من كلا الجانبين سيتبع هذا التحالف المذهل, إذ تقول إليزابيث مارتيو: “لم يعد الشباب في دول الخليج ينمون عن اعتبار القضية الفلسطينية مسألة مركزية, فهم مهتمون بفوائد الإصلاحات الاقتصادية التي أعلن عنها قادتهم أكثر من اهتمامهم بالنضال السياسي.

لذلك هناك فرصة ضئيلة في أن تهز القوى الموضوعة للدفاع عن الفلسطينيين… كما أن الإسرائيليين، الذين يشعرون بقلق أكبر إزاء الأزمة السياسية الاجتماعية والداخلية، لا يبدون متحمسين لهذا الاتفاق, ففي كل سبت منذ شهر يونيو المنصرم، يتجمع الالاف منهم امام مقر اقامة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو للمطالبة باستقالته, منددين بفساد الحكومة وسوء ادارتها لوباء “كوفيد 19”.

* صحيفة “لافي-la vie” الفرنسية
* المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.