الإمارات وأوهام السيطرة
السياسية:
مركز البحوث والمعلومات : خالد الحداء
اليوم وبعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن توصل الإمارات والكيان الإسرائيلي إلى “اتفاق سلام تاريخي” والذي اعتبره “إنجاز دبلوماسي” يسمح للبلدين بتطبيع العلاقات الثنائية الكاملة بينهما،
نحن بحاجة إلى الوقوف بالبحث في ما وراء الاعلان لا سيما وأن الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط على صفيح ساخن جراء الازمات والملفات الملتهبة في كلا من سوريا واليمن وليبيا واستمرار التوتر في الخليج العربي .
فكل الملفات والقضايا في الشرق الأوسط تتداخل ولا مجال للحل في ملف ما دون أن يكون له انعكاسات علي بقية الملفات، وفي السطور التالية سوف نكتفي بالقراءة التحليلية حول مسار التوجهات الإماراتية خلال المرحلة الحالية بغية فهم طبيعة الدور وسبر أغواره مستقبلاً.
التحولات الاقتصادية وأوهام السيطرة:
شهد العالم مع التغير إلى الألفية الثالثة وتحديداً في الحادي عشر من سبتمبر 2011 هجمات استهدفت مركز التجارة العالمي في نيويورك ومبنى وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) ، وفي ضوء هذا الحدث التاريخي شهدت العلاقات الدولية تحولات كبرى، من أبرز هو ذاك التحول في الاستراتيجية الأمريكية عموماً ومسار السياسية الخارجية الأمريكية تجاه العالمين العربي والإسلامي على وجه الخصوص.
وبناء على ما سبق، تغير نمط العلاقة الأمريكية العربية بصورة جذرية، وتشكلت على اثره تحالفات جديدة، قائمة على ما يسمى الحرب على الإرهاب، وترافقت تلك التغييرات مع سعي بعض الدول “محدودة القدرات” على احتلال مرتبة أكبر من قدرتها، من خلال إبداء الرغبة في أن تكون جزء من تحالفات الولايات المتحدة في المنطقة.
لم تتأخر دولة الإمارات في استغلال “اللحظة التاريخية” في إظهار رغبتها الجامحة في الصعود كلاعب أساسي في المنطقة والابتعاد عن الدور التقليدي الذي رسمه الشيخ زايد للدولة خلال ثلاثة عقود، والذي انتهج فيه سياسة خارجية ثنائية ومتعددة الأطراف ترتكز فيها على إقامة علاقات طبيعية مع دول الخليج والدول العربية والإسلامية ومختلف دول العالم.
تصدر مسار التحولات جيل شاب تولى زمام الأمور، وكان محمد بن زايد آل نهيان في المقدمة إلى جانب ولي عهد إمارة دبي محمد بن راشد آل مكتوم، وخلال سنوات قليلة، تعززت سلطة الرجلان مع وصول الأول إلى ولاية العهد في إمارة ابوظبي في العام 2003، والثاني مع تولية الحكم في إمارة دبي في العام 2006، وشهدت الإمارات مع مرور الوقت تحولات جوهرية على المستوى الداخلي والخارجي، في مواكبة لتطلعات وطموحات القادة الجدد ولا سيما محمد بن زايد الذي صورت له “الأوهام” في لحظة ما، أن بالإمكان توظيف قدرات بلاده الاقتصادية في بناء دور متقدم للإمارات في المنطقة في المرحلة الأولى، ومن ثم إعادة تشكيل الشرق الاوسط وفق القاعدة الميكافيلية الشهيرة بـ “الغاية تبرر الوسيلة” والتي تجعل من الإمارات النموذج الأفضل بل “الوحيد” في المرحلة التالية.
وتزامنت تلك التطورات الداخلية مع تحول في مسار السياسة الخارجية للإمارات، من خلال تفاعلها مع الأحداث في المنطقة والعالم، وليس أدل على ذلك مشاركة القوات الإماراتية في كوسوفو في العام 1999، ومن ثم الانخراط في الحرب على افغانستان بعد الغزو الأمريكي في العام 2001.
ويرى عدد من المحللين الغربيين، أن السياسات الإمارتية “الداخلية والخارجية” عززت من قدرتها في لعب دور متقدم في إعادة تشكيل منطقة الشرق الأوسط حسب الاستراتيجية الأمريكية “ما بعد أحداث 11 سبتمبر” وفي اتساق مع ما سبق كثف محمد بن زايد من وتيرة إحكام السيطرة والهيمنة على الداخل الإماراتي من خلال:
– تعزيز بنية الدولة البوليسية من خلال ضرب وتصفية المعارضين للتوجهات السياسية الداخلية والخارجية، وفي المقدمة جماعات الإسلام السياسي التي ينظر إليها باعتبارها تهديدا وجودياً للأنظمة القائمة على الحكم الاسري التقليدي الإقطاعي، ولم يتردد محمد بن زايد منذ سيطرته الفعلية على القرار(بحكم اعتلال صحة أخيه رئيس الدولة خليفة بن زايد) في إعلان الحرب على أيديولوجيات الإسلام السياسي وفي المقدمة جماعة “الاخوان المسلمين” داخل الدولة وخارجها، على اعتبارها عاملاً رئيسياً في تعاظم التطرف الديني، ومتحججاً أن تلك الجماعات تشكل خطرا مستمرا على الاستقرار داخل الدولة وفي المنطقة عموماً، وفي هذا السياق لم توفر “القبضة الأمنية” خلال تلك المرحلة المنتمين للجماعات الإسلامية على اعتبارهم “كما يعتقد بن زايد” يتشاركون نفس التوجه والهدف، وبدء في ملاحقة أعضاء ما يسمى جمعية الإصلاح والتوجيه الاجتماعي ( تأسست في سبعينات القرن العشرين واعتبرت الفرع المحلي لجماعة الإخوان المسلمين” وتضييق الخناق عليهم وإقصائهم تماماً.
– تطوير القدرات العسكرية وتعزيز برامج التدريبات المشتركة مع أبرز الجيوش في العالم “الأمريكي والبريطاني والفرنسي” وعمل على جذب المواطنين الإماراتيين للتطوع والانضمام للقوات المسلحة، من خلال رفع أجور العسكريين وتحسين مستواهم الاقتصادي والاجتماعي، وعلى ما يبدو أن “أطماع” بن زايد على المستوى الخارجي، لم تلبها الخطوات السابقة “رغم أهميتها” حيث سارع إلى تكثيف التعاقدات مع كبار الضباط المتقاعدين في الجيوش الكبرى، بهدف تحويل القوات الإماراتية إلى قوات قتالية ضاربة “على غرار ما هو قائم في الجيش الأمريكي” قادرة على استخدامها في إشعال الحروب والصراعات على مستوى المنطقة، وفي سبيل ذلك تعاقدت الإمارات مع عديد الشركات الخاصة ” مثل شركة سبيكتر التي تقدم تدريبات أكاديمية وشركة هوريزون وشركة “أر2” بهدف تقديم التدريبات العسكرية والأكاديمية الاحترافية على اعتبارها ضرورية لتطوير قدرات القوات الإماراتية.
وخلال سنوات قليلة، تفرد محمد بن زايد بالقرار على مستوى الإمارات مع تفاقم الأزمة العالمية في 2008 وعجز حكومة دبي عن سداد الديون المترتبة على شركتي “دبي العالمية والنخيل” ، بعد أن تدخلت أبوظبي وقدمت نحو 20 مليار دولار خلال الأزمة، وهو ما ساعد في تعزيز هيمنة ونفوذ أبوظبي “إلى حداً كبير” بعد أفول نجم إمارة دبي وحاكمها “محمد بن راشد ال مكتوم” وأصبح بن زايد الزعيم الفعلي وصاحب القول الأول والأخير على مستوى الدولة، وفرض نفسه عرابا للتحولات الكبرى داخل الدولة، وفي ضوء تلك التطورات، لم تعد ثمة معوقات تذكر أمام بن زايد للمضي في إقامة نظام إقليمي جديد وبما يلبي أطماعه في الهيمنة على مسار الأحداث في الخليج العربي والشرق الأوسط عموماً.
الأطماع والتدخل المباشر:
شكل العام 2011 البداية الفعلية في ظهور الإمارات على مسرح الأحداث في المنطقة، مدفوعة بالرغبة في البحث عن مكانة لها في الشرق الأوسط من جهة، وللحيلولة دون خروج الوضع عن السيطرة في اعقاب الاحتجاجات الشعبية التي سادت المنطقة في ” تونس – مصر – اليمن – ليبيا – سوريا” وهو ما عرف بـ “الربيع العربي” من الجهة الأخرى.
وبتفويض أمريكي أخذت الإمارات موقع الصدارة في معاداة تلك الثورات، التي أحدثت زلزال غير مسبوق على مستوى المنطقة، واطاحت بالعديد من الأنظمة الحاكمة، وساهمت في مزيد من الضغط على بقية الأنظمة متأثرة بالواقع الجديد وتداعياته الكبيرة، بما فيها الأنظمة الملكية الوراثية في الخليج العربي.
وفي هذا السياق، كثفت الإمارات وحاكمها الفعلي محمد بن زايد من حربها تجاه تلك الثورات، وفي سبيل ذلك انفقت عشرات المليارات من الدولارات من أجل تحديث قواتها المسلحة ورفع مستوى قدراتها وتحقيق تفوق عسكري إقليمي بأحدث معدات الحرب، إضافة إلى توسيع التحالفات مع الولايات المتحدة والسعودية في سبيل تعزيز فرص الهيمنة من جهة، والقضاء على أي نجاح لتلك الثورات من جهة أخرى، ولم تتوانى أبو ظبي فيه هذا السياق، من تعميق تحالفها الأمني والعسكري مع تل أبيب في سبيل تشكيل تحالف واسع قادر على مواجهة التحديات المستقبلية والمتمثلة في أي تحالفات معادية في منطقة الشرق الأوسط، ولا سيما تحالف “تركيا – إيران – قطر”.
وعموماً، لم تكن تحركات الإمارات في المنطقة منذ اكثر من عقد، مجرد ردة فعل على تلك الأحداث، ولكنها تحركات مدروسة تعكس مخطط استراتيجي مسبق عمل منذ اللحظات على حشد كل المتضررين من رياح التغيير وقيادتهم في مشروع مضاد، بهدف افشال مشروع التغيير في المرحلة الأولى، ومن ثم العودة إلى الوضع السابق عبر تجديد الأنظمة المتهالكة، وإن لم تتمكن من ذلك يكون خيار الفوضى والدمار واشعال الحرائق والصراعات الداخلية والإقليمية للحيلولة دون نجاح ثورات التغيير، والمتابع للمشهد الإقليمي في ليبيا وسوريا والبحرين ومن ثم مصر واليمن وأخيراً في السودان، يرى أن خيارات الفوضى الإماراتية “دون أدنى شك” مرت من هناك.
المصادر:
– مبروك ساحلي، تحديات بناء الدولة في دول الربيع العربي “دراسة حالة ليبيا”، دراسات شرق أوسطية، مركز دراسات الشرق الأوسط، ع86، عمان، 2019.
– مايكل يونغ، الإمارات تحمّل نفسها أكثر من طاقتها، مركز كارنيغي للشرق الأوسط.
– ديفيد هريست، “ميدل إيست آي”: الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي .. الهيمنة الجديدة في الشرق الأوسط، الميادين.
– كريستيان كوتس أولريشسن، قراءة في سياسة الإمارات الخارجية تحت قيادة بن زايد.. مخاطر محدقة، المركز العربي.
– بول أنطون كروغر- حفصة جودة، هكذا تلعب الإمارات دورها الخفي من أجل بسط نفوذها في المنطقة، نون بوست.
– علاء بيومي، في عواقب السياسة الخارجية الإماراتية، العربي الجديد.
– محمد السعيد، كل رجال “بن زايد”..كيف كونت أبو ظبي إمبراطوريتها من المرتزقة؟، الجزيرة
– أحمد مولانا، جذور و آفاق القوة العسكرية الإماراتية، العاصمة
– جهاد الدين البدوي، هل يمكن للصفقة الإماراتية الإسرائيلية أن تشكل هيمنة جديدة في الشرق الأوسط؟، الحدث.
– هيئة عبرية: أبوظبي تعزز تعاونها العسكري مع إسرائيل، العرب القطرية.
– تحولات المجتمع والسياسة الأميركية بعد أحداث الثلاثاء الأسود، البيان.
– الإمارات تنشر الفوضى والتخريب خدمة لأطماعها العابرة للقارات، إماراتي لايكس.
– الإمارات تحتل المركز الأول عربياً فى جذب الاستثمارات الأجنبية، اليوم السابع.
سبأ